الاعتقال السياسي: الحكومة الأردنية ترفض وصف “المعتقلين السياسيين”
يتعرض نشطاء سياسيون في الأردن للاعتقال بشكل مستمر، ومنهم النشطاء ماجد الشراري وحمد الخرشة وعلاء النعيمات ويخوض عدد منهم إضراباً عن الطعام أحدهم تجاوز 190 يوماً، إلا أن الحكومة الأردنية تنفي أن تكون أسباب اعتقالهم متعلقة بدوافع سياسية، وتقدّم لائحة تهم تتضمن “مناهضة نظام الحكم السياسي” و”التجمهر غير المشروع” و”الإضرار بالاقتصاد الوطني”، بالإضافة إلى “تعطيل شبكة المواصلات العامة”.
تعكف الحكومات الأردنية المتعاقبة على التأكيد بشكل مستمر على أن الحرّيات السياسية في البلاد مكفولة للجميع، وأن ما يحرزه الأردن من تنميةٍ في الحياة السياسية يضاهي تجربة الدول المتقدمة في الديمقراطية السياسية والاجتماعية، معتمدة بذلك على عناوين وبرامج عريضة تملأُ الإعلام المحلي تدور حول تحديث المنظومة السياسية في البلاد وتمكين الشباب والمرأة ضمن أحزاب تنظمُها قوانين حديثة وفق معايير عالمية تتناسب مع التكوين السياسي والديموغرافي في الأردن الحديث الذي تجاوز عمره المئة عام منذ تأسيسه.
ولا تتوقف الحكومات ومنها الحالية عن التشديد على أن سجون الدولة “خاليةٌ تماماً” من المعتقلين السياسيين، إلا أن بعض النشطاء السياسيين يقبعون في السجون منذ أشهرٍ، ضمن لائحة تهم تتعلق بمخالفة القوانين والأنظمة المعمول بها في البلاد.
“أعداد ليست كبيرة“
لا يوجد عدد دقيق للذين يعتقلون في الأردن على خلفيات سياسية، لأن الحكومة الأردنية لا تصنفهم على هذا الأساس أصلاً، ولا تنشر أي أسماء في وسائل الإعلام بشكل رسمي، وتبقي الحديث عنهم في نطاق ضيق، ولكن ضمن المعلومات المتوفرة من ذوي المعتقلين فإن العدد لا يتجاوز العشرات.
ويحاول بعض النشطاء الأردنيين دعم المعتقلين من خلال دعم إلكتروني على المنصات الرقمية، عبر تشييد وسومات تُعنى بالمعتقلين بالإضافة إلى نشر صورهم.
وتنتهج الدولة الأردنية سياسة توازن في شأن المعتقلين إذ أنها لا تقوم باعتقال أعداد كبيرة من النشطاء وتكتفي باعتقال المؤثرين والقيادات الذين تتهمهم الدولة بـ”إثارة الفتن والقلاقل” في البلاد.
منشورات المنصات الرقمية ذريعة قانونية
وفي أحدث المحاكمات بحق النشطاء والصحفيين في الأردن، يمثُل الصحفي الأردني أحمد حسن الزعبي، الأحد، أمام الإدعاء العام الأردني على خلفية منشور كتبه قبل أشهر.
https://twitter.com/alzoubi_ahmed/status/1634467634535182336
ولاقى الزعبي دعماً واسعاً على المنصات الرقمية قبل بدء محاكمته، من قبل ناشطين سياسيين على مختلف المنصات الرقمية، مطالبين بوقف نهج الاعتقالات والاستماع لوجهات نظر السياسيين المعارضين، كما هو حال الدول المتقدمة وفق ما كتبوا.
محاكم عسكرية
يحاكم المعتقلون السياسيون في الأردن أمام محكمة أمن الدولة المؤلفة من قضاة عسكريين، وتعتبر هذه المحكمة قانونية بحكم الدستور الأردني الذي ينص على السماح بتشكيلها ضمن قوانين خاصة بها.
ويطالب العديد من النشطاء بتحويل المعتقلين إلى محكمة نظامية مدنية، وبأن يمثُلوا أمام قضاة مدنيين، إلا أن الجهات القانونية الرسمية تعتبر أن التهم التي وُجهت للمعتقلين ترقى إلى الإخلال بأمن البلاد ما يتطلب محاكمتهم أمام محكمة عسكرية.
الناشط في الحراك الشعبي الأردني عبدالرحمن شديفات قال لبي بي سي إن القضايا المنظورة أمام المحاكم المدنية الأردنية عادة ما تنتهي بحكم البراءة أو عدم المسؤولية، مبرراً ذلك بأن التهم بهذه القضايا لا يكون لها سند قانوني صحيح ولا تكون مقنعة للقاضي المدني.
إلا أن شديفات وضّح أن المعاناة تكمن في التسويف بإجراءات القضاء المدني وأن القضايا تمتد لأشهر بسبب تأخيرات وصفها بـ “المقصودة” وذلك لإبقاء الناشطين بحالة “عدم استقرار قانوني” للضغط عليهم، بحسب الناشط.
“حرية منقوصة“
ويُتهم شديفات بأربع قضايا إحداهن منظورة أمام محكمة أمن الدولة بتهمة تقويض نظام الحكم، ويعاني من تقييد حرية يتمثل بمنعه من السفر، ويؤكد لبي بي سي أنه قام بمراجعة المحاكم المختصة بمنعه من السفر إلا أنه لم يصل إلى نتيجة شافية.
ويعيش الشديفات منذ عامين في دوامة قانونية إلا أنه غير معتقل، ويؤكد أن هناك نشطاء آخرين يعانون من ذات المشكلة، ووصف منع السفر بأنه “حرية منقوصة”.
لا يجوز أن يحاكم الناشط السياسي طيلة عمره لأنه يعبّر عن رأيه وفق شديفات، مضيفاً أن الحراك السياسي الشعبي في الأردن شبه مُعطل منذ عام بسبب الاعتقالات التي لحقت بصفوفه، والتخوّفات بين الشباب من الملاحقات القانونية.
“لا رابط بين تهم المعتقلين وبين أسباب اعتقالهم الحقيقية”
المعارض الأردني الدكتور سفيان التل الذي اعتُقل في أواخر عام 2022 لمدة أيام بتهمة “تقويض نظام الحُكم”، قال لبي بي سي إن قرار اعتقال النشطاء يُتخذ عندما يعبّر ناشط سياسي عن رأيه في سياسة ما أو ينتقد مؤسسة رسمية، وبعد اعتقاله، يتم توجيه تهم غير مرتبطة بالقضية تصل إلى التآمر ضد النظام السياسي ومحاولة تقويضه، وبيّن التل أن القضايا “لا تكون مبنيةً على أسس منطقية وتفتقر للأدلة”.
التل الذي يبلغ من العُمر 86 عاماً شرح لبي بي سي ظروف اعتقاله، عندما كان يجلس في منزله برفقة ناشطين تم اعتقالهم جميعاً من قبل الأجهزة الأمنية بقوة تقدر بثلاثين رجل أمن، وتم مصادرة حاسوبه وجميع البيانات والوثائق الخاصة بالتل، ولا يزال الناشطان الدكتور عبد الطواهية وعمر أبورصاع اللذان كانا مع التل في الاعتقال لغاية اللحظة.
“معاملة محترمة وسجون سيئة“
يُعامِل ضباط وأفراد الأمن العام المعتقلين السياسيين بطريقة “محترمة” ولا يألون جهدا في توفير أفضل الأماكن داخل السجون للمعتقلين السياسيين، وفق التل.
إلا أن ظروف السجن كانت سيئة جداً، “فالغرفة كانت مكتظة بالسجناء وتفتقر إلى مقومات العيش”، كما يصف التل تجربته.
إضراب عن الطعام
يحاول المعتقلون السياسيون الضغط لإسقاط التهم عنهم، من خلال تنفيذ إضراب عن الطعام، وبدأ علاء النعيمات وماضي الشماسين واحمد البطوش إضرابهم منذ 13 يوماً، وكان المعتقل ماجد الشراري رئيس بلدية معان السابق، قد علّق إضرابه بعد تدهور حالته الصحية.
وكان المعتقل حمد الخرشة قد بدأ إضرابه عن الطعام منذ 194 يوماً للمطالبة بإسقاط التهم عنه، وفق ما قاله شقيقه الدكتور هيثم لبي بي سي، مضيفاً أن شقيقه موجود في مستشفى البشير الحكومي ويخضع لعناية طبية.
وبيّن الدكتور هيثم لبي بي سي، أن شقيقه “فقد ما يقرب من 50 كيلوغرام من وزنه” منذ إضرابه عن الطعام، وترفض المحكمة تكفيل أو إسقاط التهم عن شقيقه حمد، وفق ما قال.
اعترافات منتزعة أم طوعية؟
وينفي المعتقل حمد التهم الموجّهة له وقال في شهادته إنه أدلى بأقواله “تحت ضغط نفسي هائل استمر لثلاثين يوماً دون وجود محامي أو أي فرد من أسرته”، وفق ذوي حمد، ولكنهم يؤكدون أن حمد لم يعاني من تعذيب جسدي أو أثار ضرب وفق المؤشرات الأولية، كما قال شقيقه الدكتور هيثم.
ولم يتسنى التأكد من أن حمد قد وقع على أقواله بشكل قصري أو تعرّض لنوع من التعذيب للإدلاء بأقواله.
ويواجه حمد تهمة التآمر بقصد القيام بأعمال إرهابية، وهو ما يرفضه تماماً، ويحاكم أمام محكمة أمن الدولة.
تحرك نقابة المحاميين الأردنيين
لجنة الحريات في نقابة المحامين الأردنيين برئاسة المحامي عبدالله العموش مقرر اللجنة، قامت بزيارة للمعتقل حمد في المستشفى قبل أيام، وتم الاتفاق على تشكيل هيئة دفاع من قبل النقابة.
وبحث مجلس نقابة المحامين خلال اجتماع له قضية حمد الخرشة، وقررت النقابة رسمياً تبني القضية والدفاع عنه، وفق ما أكده المحامي عبدالله العموش، ضمن دور النقابة بتحقيق محاكمة عادلة للأردنيين كافة.
العموش قال لبي بي سي إن حمد يُعامل “بطريقة مهنيّة” داخل المستشفى، وأكد أنه يتلقى رعاية طبية عالية، وأنه عبر للمحاميين عن احترامه لمهنية رجال الأمن الأردني في التعامل معه.
نفي رسمي
تواصلت بي بي سي مع مسؤولين في رئاسة الوزراء الأردنية، للتعليق على موضوع المعتقلين السياسيين، إلا أنهم أكدوا أن السجناء في الأردن “يخضعون لمحاكمات قانونية ومؤطرة في الدستور”، وتواصلت بي بي سي أيضاً مع مسؤولين في مديرية الأمن العام الذين قالوا إن الأمن العام جهة تنفيذية لأحكام القضاء والإدعاء العام، وليسوا هم من يصدرون مذكرات الاعتقال، وينفي الأمن العام الأردني تعرّض أي سجين “للتعذيب الجسدي والنفسي”، مؤكداً أنه لا يوجد في أدبياته فكرة إكراه أحد للإدلاء بإفادته.
Comments are closed.