مهمة إيمانويل ماكرون لمواجهة نفوذ روسيا في إفريقيا
ليبرفيل، لواندا، برازافيل، كينشاسا – يقوم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بجولة سريعة في عواصم أفريقية، في مسعى منه لتحويل السياسة الفرنسية في القارة بعيدًا عن التدخل العسكري.
من الصعب اتهامه بتجاهل إفريقيا، فهذه هي رحلته الرئاسية الثامنة عشرة لكن هذا يأتي في وقت تتزايد فيه المنافسة باستمرار مع الصين وروسيا، والاستياء المتزايد من العلاقات الاقتصادية الوثيقة بين فرنسا ومستعمراتها السابقة، وهو ما يراه البعض شكلا من أشكال الاستغلال المستمر.
ويصر ماكرون على أنه سيعود، مرارًا وتكرارًا، إلى القارة التي يعتبرها شريكًا مهمًا لأوروبا في معالجة القضايا العالمية الرئيسية على مدى العقود المقبلة.
وعلى الرغم من أن أوكرانيا تهيمن حتمًا على جدول الأعمال الرئيس الفرنسي، إلا أن ماكرون يعتقد أن باريس وبروكسل لا يمكنهما تحمل تداعيات إهمال إفريقيا. إنها تمثل تحديات وفرصًا تنموية ضخمة، مع ديناميكية الشباب التي، كما يقول، ستكون مساهماً هائلاً في النمو المستقبلي لأوروبا.
كما يدرك الرئيس الفرنسي تمامًا كيف تسعى الدول الأخرى إلى بسط نفوذها في منطقة جنوب الصحراء.
تقدم روسيا، على أمل إعادة بناء النفوذ الذي فقدته منذ عقود الحرب الباردة، دعمًا أمنيًا للحكومات التي تشعر بأنها مهددة أو معزولة عن المجتمع الدولي، وفي هذا السياق يعمل مرتزقة من مجموعة فاغنر المرتبطة بالكرملين الآن في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى، حيث اتهموا بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان.
الصين ممول هائل وتبني البنية التحتية، وإن كان ذلك بشروط يخشى ماكرون من أنها قد تغرق بعض البلدان في أزمة ديون. وتنشط تركيا والهند أيضًا بشكل متزايد.
وفي جميع أنحاء المنطقة، تتأجج المشاعر الشعبية المناهضة للفرنسيين من خلال رسائل وسائل التواصل الاجتماعي الحية التي لم تصدر باريس حتى الآن أي استجابة فعالة لها.
في خطاب مطول مساء الإثنين الماضي، تمهيدًا لجولته الأخيرة، أعاد الرئيس تأكيد استراتيجيته الخاصة للحفاظ على دور فرنسا في هذه الساحة التنافسية المتزايدة. لقد كانت رسالة موجهة إلى كل من الأفارقة وجمهوره المحلي.
لا يعتقد ماكرون أن على فرنسا محاولة مضاهاة الجهود الأمنية الروسية، من خلال إعادة توسيع وجودها العسكري ليناسب ما تقدمه موسكو.
على أية حال لن يكون هذا خيارًا متاحا، إذ أُجبرت باريس على سحب قواتها من مالي وبوركينا فاسو، حيث تسعى المجالس العسكرية الحاكمة هناك الآن إلى إبعاد نفسها عن القوة الاستعمارية السابقة في كلا البلدين.
وبدلاً من ذلك، يهدف ماكرون إلى إعادة توجيه الدعم الفرنسي للتركيز بشكل أكبر على التدريب والدعم الفني للقوات المسلحة الأفريقية، مع تقليل أعداد القوات وبرامج التعاون العسكري المصممة وفقًا للطلبات المحددة للدول الفردية.
وفي هذا الأسبوع، دفع السيد ماكرون بهذه السياسة خطوة إلى الأمام، وأعلن أن القواعد الفرنسية المتبقية في إفريقيا – في السنغال وساحل العاج والغابون – ستتم إدارتها ومشاركتها مع قوات الدول المضيفة، بل وستكون متاحة للترحيب بشركاء خارجيين آخرين إذا رغبت تلك الحكومات.
لكن القاعدة العسكرية في جيبوتي فقط، ذات الموقع الاستراتيجي عند مدخل البحر الأحمر، ستبقى فرنسية حصريًا.
وأشار إلى أن القاعدة في أبيدجان بساحل العاج في وضع جيد لتدريب القوات من مختلف دول غرب إفريقيا، التي تتعاون الآن في جهود منع الجماعات الجهادية من التقدم جنوبا نحو الساحل.
لكنه حريص أيضًا على متابعة تنويع المشاركة الفرنسية بشكل أكبر، يلامس الثقافة والتاريخ والهجرة والتجارة والتنمية وحتى إصلاح الفرنك الأفريقي – وهي عملة تستخدمها 14 دولة أفريقية ومربوطة باليورو بموجب ضمان مقدم من باريس.
وهناك معارضة متزايدة لاستخدام هذه العملة، والتي يعتبرها البعض شكلاً من أشكال الاستعمار الجديد، لكن مؤيديها يقولون إنها تساعد في ضمان الاستقرار المالي.
لقد أطلق السيد ماكرون هذا النهج لأول مرة في خطاب رفيع المستوى بإفريقيا، في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2017، أمام جمهور من الطلاب في قاعة محاضرات في جامعة واغادوغو في بوركينا فاسو.
وقد تابعها على مدى السنوات الخمس الماضية، في محاولة لتغيير المفاهيم من كلا الجانبين.
وسعت الحكومات السابقة في باريس، ولا سيما في التسعينيات، بالفعل إلى الابتعاد عن الشبكة القديمة من الروابط الخاصة الراسخة المتبادلة بين النخب الأفريقية والفرنسية، المغلفة في مصطلح “Françafrique” أو “الفرانكفريقية”، وتحولت بدلاً من ذلك نحو دعم أقوى للديمقراطية والتنمية على مستوى القاعدة الشعبية.
ومع ذلك، فقد ذهب ماكرون إلى أبعد من ذلك في مواجهة حلقات الماضي المؤلمة والمخزية أحيانًا، حيث كلف المؤرخين بإعداد تقارير لا هوادة فيها في فحصهم لسجل فرنسا في الحرب على استقلال الجزائر، والأحداث المحيطة بالإبادة الجماعية في رواندا عام 1994.
وشهد برنامج إعادة الكنوز المنهوبة خلال الحقبة الاستعمارية بالفعل عودة سيف سنغالي تاريخي وجزء من العرش الملكي الملغاشي، بينما تم إعادة القطع الأثرية المنهوبة من مملكة داهومي إلى بنين، وتم اتخاذ الترتيبات اللازمة لإعادة طبلة أيقونية إلى ساحل العاج.
بالتوازي مع هذا الجهد المبذول للمصالحة عبر التاريخ الماضي، سعى ماكرون إلى تعميق الروابط الثقافية وتبادل الأفكار اليوم. وقد أعلن عن خطط لتشجيع التدريب الرياضي، وتسهيل الحصول على التأشيرات للأفارقة لمتابعة الدراسات العليا في فرنسا.
ومع ذلك فإن التأثير العام لهذه المبادرات، لا سيما في نظر الرأي العام الأفريقي، قد فُقد إلى حد كبير خلال السنوات التي كان فيها الجانب الأبرز للمشاركة الفرنسية هو الكفاح العسكري ضد الجماعات المسلحة في منطقة الساحل.
وتزايد الجدل حول عملية القوة الفرنسية المسماة “برخان”، التي انسحبت أخيرًا من مالي في أغسطس/ آب من العام الماضي. وقد أدى ذلك إلى تصاعد القومية الشعبوية في بعض البلدان، واستياء أكثر عمومية من فرنسا عبر معظم دول غرب ووسط إفريقيا الناطقة بالفرنسية، وخاصة بين الشباب الحضري.
بعد أن بادر باتجاه التحول نحو نهج عسكري أقل حدة وأكثر تعاونًا، يحاول ماكرون استخدام جولة هذا الأسبوع في أربع دول لتنشيط أجندة الإصلاح والتغيير الأوسع نطاقًا.
لكن حتى هذه الرحلة ستواجه تعقيدات سياسية مألوفة.
كانت هناك مظاهرات مناهضة لفرنسا في جمهورية الكونغو الديمقراطية قبل زيارته. علاوة على ذلك اشتكى معارضو رئيس الجابون، علي بونغو أونديمبا، ورئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسكيدي، من أن زيارة السيد ماكرون يمكن أن تُقرأ على أنها تدخل لتعزيز صورة هؤلاء الحكام الحاليين في عام انتخابي لكلا البلدين.
Comments are closed.