كيف تُستخدم ادعاءات حقوق النشر الزائفة لتكميم أفواه الصحافة في جنوب أفريقيا؟
باستخدام قانون حقوق النشر الأميركي DMCA، نجحت بعض الجهات في جعل صحفيين يحذفون مقالاتهم بشكل مؤقت، خاصة تلك التي تنتقد ما يعرف باللوبي، أو جماعات الضغط، المتعلقة بالمشاريع النفطية ذات النفوذ الواسع في جنوب أفريقيا، وذلك بحسب تقرير صدر مؤخراً.
والتقرير الذي أصدره مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد OCCRP الدولي، يفيد بأن الادعاءات المزيفة بملكية حقوق الطبع والنشر، طالت خمسة مقالات على الأقل، واحدة منهم نشرت في صحيفة “ميل آند غارديان” الجنوب إفريقية المعروفة.
وبحسب الشكاوى التي تدعي ملكية حقوق النشر والطبع لهذه المقالات، فإن من تقدم بها جهات مجهولة استندت إلى قانون الملكية الرقمية الأميركي DMCA، وهو الذي يهدف إلى حماية أصحاب حقوق النشر.
استهداف شخصيات معروفة
وخلال الشهر الماضي فقط، تم تقديم ثلاثة ادعاءات كاذبة بحقوق الطباعة والنشر بحق صحيفة “دياريو رومبي” التي تُنشر في غينيا الاستوائية وتهتم بأخبارها. وتدور هذه المقالات، التي واجهت الانتقادات، حول نجل رئيس غينيا الاستوائية “غابرييل مباغا أوبيانغ ليما”، وشريكه رجل الأعمال والمحامي الكاميروني “ان جي أيوك”.
وبحسب تقرير مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد OCCRP الذي نُشر يوم الأربعاء، فإنه غالباً ما تتم إساءة استخدام قانون الملكية الرقمي الأميركي من قبل “أطراف مجهولة” قاموا بإنشاء مقالات مزيفة لاستهداف التقارير الإخبارية الهامة.
وبموجب القانون، فإنه يحق لأي شخص ممن يقومون بكتابة محتوى إلكتروني، بأن يبلغ عن سرقة محتواه، وأن يسعى لحذفه بزعم أنه مسروق، وذلك كله عن طريق عملية قانونية رسمية تستهدف الخوادم الإلكترونية حيث توجد المواد التي يُزعم سرقتها.
وتختلف العملية بناءً على مزود الخدمة، ولكنها قد تعني إزالة المحتوى من الإنترنت لأسابيع بينما يثبت المؤلف الأصلي صحة ادعاءاته.
وعلى الرغم من أن مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد OCCRP لم يستطع تحديد من يقف وراء هذه الهجمات، إلا أن العامل المشترك بين جميع القصص التي تم الإبلاغ عنها، أنها تستهدف وتوجه انتقادات لشخصية “ان جي أيوك”.
ويعرف “ان جي أيوك” أيضاً باسم ” نجوك أيوك إيونج”، وهو الرئيس التنفيذي لشركة المحاماة الإفريقية Centurion Law Group ومؤسس غرفة الطاقة الإفريقية (AEC). وهو أيضًا مدافع شرس عن صناعة النفط في إفريقيا.
ولـ”أيوك” علاقة وطيدة بإحدى الشخصيات التي تم ذكر اسمها في قصتين؛ وهو غابرييل مباغا أوبيانغ ليما، والذي كان وزيراً للمناجم والمحروقات في غينيا الاستوائية حتى التعديل الوزاري الأخير.
وكان “أيوك” قد أصدر بيانات صحفية عبر كلٍ من مجموعة المحاماة الإفريقية Centurion Law Group وغرفة الطاقة الإفريقية AEC واستهدف من خلالها الصحفيين الذين انتقدوا نشاطه في مجال النفط وطرحوا تساؤلات عن طبيعة علاقته مع “أوبيانغ ليما”.
“هجوم الرقابة”
وتعود المرة الأولى التي تم فيها الإبلاغ عن سرقة حقوق ملكية ونشر لتقارير تخص شخصية “أيوك” لعام ٢٠١٩، بعد أن نشرت صحيفة “ميل آند غارديان” الجنوب إفريقية مقالاً بعنوان “الكشف عن محتال متورط في صفقة جنوب إفريقيا للنفط“. ويطرح المقال تساؤلات حول تورط “أيوك” في صفقة نفط تم التوقيع عليها بين جنوب إفريقيا وجنوب السودان بتكلفة مئات ملايين الدولارات. كما كشف عن إدانة “أيوك” في الولايات المتحدة في عام ٢٠٠٧ في قضية احتيال، بعد أن أقر بذنبه باستخدام ختم التوقيع وأدوات قرطاسية تابعة لأحد أعضاء الكونغرس، ليساعد في استخراج تأشيرات لبعض الكاميرونيين.
وبعد نشر هذه القصة، تواصل شخص يدعى “إيان سيمبسون” مع شركة الخوادم الالكترونية “لينود” التي تستضيف الموقع الالكتروني لصحيفة “ميل آند غارديان” وادعى ملكيته لهذا المقال. ما دفع شركة خوادم “لينود” لإغلاق موقع الصحيفة بشكل كامل.
على إثر ذلك، قامت صحيفة “ميل آند غارديان” بالتحقق من العنوان الأميركي الذي تم تزويد الشركة المستضيفة للخادم الالكتروني به، إلا أنها لم تتمكن من العثور عليه أو العثور على أية آثار أخرى له على الانترنت. دفع ذلك الصحيفة للتأكد من أن كل ما حدث كان مجرد ادعاء كاذب من قبل شخصية مزيفة.
ولكن شركة الخوادم الالكترونية “لينود” أجبرت الصحيفة على حذف المقال لاستعادة الموقع الالكتروني بشكل كامل.
ووصفت الصحيفة الجنوب إفريقية ما حدث بأنه “هجوم الرقابة”.
لاحقاً وفي نوفمبر تشرين الثاني من العام الماضي، وتحديداً خلال قمة الأمم المتحدة للمناخ COP27، قامت شركة Climate Home News التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها، بنشر مقال عن انطلاقة شراكة بين “أيوك” ووكالتين تابعتين للأمم المتحدة، وحمل المقال اسم “وكالات تابعة للأمم المتحدة تجري شراكة مع محتال يمارس ضغطاً من أجل الغاز الإفريقي“.
وسلط المقال الضوء على دور غرفة الطاقة الإفريقية في المبادرة التي أطلقتها الأمم المتحدة وفريق الطاقة في إفريقيا التابع لها، وأشار المقال لما يتعرض له “أيوك” بالإدانة بالاحتيال في الولايات المتحدة.
لاحقاً، قامت الأمم المتحدة بوقف المبادرة.
“استراتيجية لقمع الصحافة المستقلة”
وبعد ذلك بأسبوعين، فإن شركة خوادم Amazon Web Services التابعة لشركة أمازون، وتستضيف موقع Climate Home News، تلقت ادعاء يطالب بحقوق الملكية والنشر لمقالتين لـ “توماس إل بيرس” و “ماركوس إيه ويبره”. ولكن مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد OCCRP لم يتمكن من تتبع مصدر هذه الشكاوى، كما تم إرسال رسائل إلى عناوين البريد الالكتروني التي تقدمت بالشكوى، ولكن لم يصل أي ردود عليها.
بدورها، قالت شركة خوادم AWS لموقع Climate Home News إنها ربما قد تقوم باتخاذ إجراءات ضد الموقع، في حال لم تستطع إثبات أنه تم حل مشكلة بنجاح.
دفع ذلك “ميغان داربي”، محررة موقع Climate Home، لأن تقوم بحذف المقالات في الوقت الذي سعت فيه إلى التعامل مع الادعاءات الكاذبة وشركة خوادم AWS. وقد استمر الموضوع لأسابيع حتى تمكن الموقع الإخباري من استعادة المقالات.
“تبدو لنا هذه الادعاءات الزائفة وكأنها استراتيجية مخادعة لقمع الصحافة المستقلة”، تقول داربي لمشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد.
- العملات المشفرة: هيئات الرقابة الأمريكية تحذر البنوك من خطر التعامل معها
- تيك توك تأخذ 70% من الأموال الممنوحة لأطفال سوريين يتسولون على منصتها
وفي وقت سابق من هذا العام، تقدمت ثلاث جهات مجهولة بشكاوى ضد صحيفة “دياريو رومبي” الاستقصائية المستقلة بسبب مقالات تم نشرها عبر موقعهم. اثنتان منهما كانتا قد نشرتا عبر خادم Cloudfare والثالثة كانت قد نشرت عبر محرك البحث جوجل. وكان الاستهداف موجهاً ضد مقالتين تم نشرهما في عام 2021، بالتعاون مع مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد OCCRP. ووجهت المقالتان انتقادات لـ”أيوك” وعلاقته ب “أوبيانغ ليما”.
وكان مصدر هذه الشكاوى الثلاث عامل مشترك بينها وهي جنوب إفريقيا. وبحسب مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد OCCRP، فإنهم لم يتمكنوا من إثبات حقيقة شخصيات من تقدموا بالادعاءات وهم “لافينو سكويرا” و”ماك إي بايلي”، كما أن المؤسسة لم تتلق أي ردود على رسائل البريد الالكتروني التي أرسلتها إلى عناوينهم.
بدوره، قام محرك البحث جوجل بحذف المقال الثاني من نتائج البحث الخاصة به آنذاك، ولم تتم استعادته إلا بعد أن تقدمت “دياريو رومبي” بإشعار مضاد لمنصة جوجل، وهو الطلب الذي يتم من خلاله طلب إرجاع المواد التي تمت إزالتها.
“إن مثل هذه الشكاوى التي تخص حقوق الملكية والنشر بحق مؤسسة صحفية صغيرة ولا تملك أي تمويل مثل مؤسستنا تلحق أضراراً جسيمة بعملنا. وأنا شخصياً أعتقد أن المتقدمين بالشكاوى لهم مهمة واحدة، وهي إزالة أي معلومات سلبية توجد على الإنترنت بحق “أيوك” و”ليما””، يقول ديلفن موكاشي ماسوكو، رئيس تحرير مؤسسة “دياريو رومبي”.
وقد حاولت بي بي سي التواصل مع “أيوك”، والذي رفض جميع الاتهامات بالفساد الموجهة ضده، وأكد نفي كلٍ من مجموعة المحاماة الإفريقية Centurion Law Group وغرفة الطاقة الإفريقية AEC للاتهامات التي أوردها مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد OCCRP في تقريره والتي تخص ادعاءات حقوق الملكية الزائفة.
وتواصلت بي بي سي كذلك مع و”غابرييل مغيبا أوبيانغ ليما” والذي لم يستجب لطلب التعليق على ما ورد في التقرير.
بدوره، قام مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد OCCRP بالتواصل مع شركتي خوادم AWS وCloudflare ومحرك البحث جوجل للتعليق على التقرير، ولكنها لم تحصل على أي رد.
Comments are closed.