الحزب القومي التونسي ونظرية “الاستبدال العظيم”
في حملة إعلامية دولية، تسعى السلطات التونسية إلى “تصحيح سوء التفاهم” بشأن تصريحات الرئيس، قيس سعيد، عن مخاطر “تغيير التركيبة الديمغرافية للبلاد التونسية”، بسبب المهاجرين المنحدرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء.
وفي لقاء مع إذاعة فرنسا الدولية، قال وزير الخارجية التونسي، نبيل عمار، إنه “لا يوجد خطاب كراهية في التطرق إلى تقرير يثير مسألة تعديل التركيبة العرقية” لبلاده.
والتقرير الذي أشار إليه عمار يتمثل في وثيقة أصدرها الحزب القومي التونسي تحت عنوان “مشروع الاستيطان الأجصي وإزالة تونس من الوجود”. والأجصي هي الحروف الثلاثة لإفريقيا جنوب الصحراء.
نظرية مؤامرة
ويشير التقرير إلى أن هناك “خطة محكمة لتوطين مئات الآلاف من المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء في تونس، بشكل يغير هوية البلاد”. وقد تبنى سعيد هذه النظرية، مع تغيير طفيف.
فعلى عكس الحزب القومي التونسي، الذي لا يرى تونس إلا تونسية، فإن سعيد حذر من أن المخطط يهدف إلى تحويل تونس إلى بلد إفريقي، بمسح البعدين العربي والإسلامي للبلاد.
وتستند فكرة تغيير التركيبة العربية للبلدان إلى نظرية مؤامرة يمينية قديمة متجددة طورها المؤلف الفرنسي، رينو كامو، في كتابه، “الاستبدال الكبير”، الصادر عام 2011.
وتقوم الفكرة على زعم أن هناك توجهاً يسعى إلى إحلال المهاجرين المنحدرين من أصول عربية وبربرية وشرقية وإفريقية مسلمة محل سكان القارة الأوربية من المسيحيين البيض. ولاقت مواقف رينو استهجاناً كبيراً، حتى داخل أوساط أقصى اليمين الفرنسي.
ويتبنى الحزب القومي التونسي النظرية بحذافيرها، فيدعو الحكومة إلى طرد المهاجرين غير الشرعيين وإيقاف العمل بكل الاتفاقيات والمعاهدات “التي تفرض على الدولة التونسية استقبال المهاجرين غير الشرعيين وتوطينهم بحجة أنهم لاجئون”.
من مجموعة هامشية إلى حزب نشط
وانطلق الحزب في النشاط، افتراضياً، على شبكات التواصل الاجتماعي، غداة الثورة الشعبية التي أطاحت بالرئيس التونسي الراحل، زين العابدين بن علي، قبل أن يصبح حزباً قانونياً، في ديسمبر/ كانون الأول 2018.
وتزعم لوائح الحزب، التي يُنشر معظمها بالعامية التونسية، بأنه “القائد الشرعي للأمة التونسية”، مع “ضرورة احترام الإسلام كدين لها”.
وتشير معظم المدونة، التي اطلعت بي بي سي عليها، على الموقع الرسمي للحزب إلى رفض فكرة الديمقراطية، ومعاداة العمل النقابي، والدعوة إلى التفويت أو خصخصة وسائل الإعلام والمسارح المملوكة من الدولة، ووقف سداد الديون الخارجية.
لكن النقطة الأبرز التي يستثمر فيها الحزب كل جهوده وجعلته أكثر بروزاً في المشهد التونسي، هي مطالبته بطرد المهاجرين من البلاد، موظفاً شبكات التواصل الاجتماعي، مع استخدام مكثف لموقع “تيك توك”.
وتقوم استراتيجية الحزب على تضخيم أعداد المهاجرين وتهويل دورهم في “استشراء الجريمة والاتجار بالمخدرات”، ناهيك عن نسج قصص من الخيال بشأن عاداتهم وتقاليدهم الدينية والعقائدية.
“أسطورة التوطين”
وتقول مؤسّسة مبادرة “فالصو” لرصد الأخبار الزائفة وتدقيق المعلومات، زينة الماجري، في حوار مع بي بي سي، إن الحزب دأب على الإشارة إلى أن تونس تحتضن 700 ألف مهاجر من إفريقيا جنوب الصحراء، في الوقت الذي تشير الأرقام الرسمية إلى أن عدد المهاجرين المقيمين، بصرف النظر عن جنسياتهم، لا يتجاوز 59 ألفاً.
ويقدر عدد المهاجرين المنحدرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، في تونس، بنحو 21 ألفاً، معظمهم من الطلبة أو طالبي اللجوء، الذين فروا من القتال في ليبيا، على مراحل، منذ عام 2011.
ويعمل معظم المهاجرين غير النظاميين في البناء والحراسة والزراعة وفي مهن أخرى يرفض كثير من التونسيين امتهانها.
وتضيف الماجري أن الحزب القومي التونسي بنى دعوته لإلغاء قانون مكافحة التمييز العنصري، الصادر عام 2018، على مغالطة فهم للقانون، كونه يحمي، حسب الحزب، المهاجرين غير النظاميين، والحال أنه يحمي جميع الموجودين على الأراضي التونسية من أشكال الميز كافة، مضيفة أن التقاضي يبقى أمراً معقداً بالنسبة للمهاجرين غير النظاميين، لعدم حيازتهم على وثائق ثبوتية.
وتشدد زينة الماجري على أن قيادة الحزب تزعم أن 90 بالمئة من التونسيين يدعمون توجهم، في الوقت الذي لم يجر أي استطلاع للرأي بهذا الصدد.
دعوات للعنف
وينفي قادة الحزب، في تصريحاتهم الإعلامية، الطابع العنصري لخطابهم وتوجهاتهم. لكن صفحات على شبكات التواصل الاجتماعي أكدت العكس.
ففي أبريل نيسان 2014، دعت صفحة “القومية التونسية”، التي كان يشرف عليها عدد من المنتسبين للحزب، قبل اختفائها من موقع فيسبوك، الأسبوع الماضي، إلى حل الاتحاد العام التونسي للشغل وإعدام قادته.
الصفحة ذاتها ذهبت إلى حد الاحتفاء باغتيال النائب عن حزب التيار الشعبي، محمد البراهمي، في 25 يوليو/ تموز 2013، كون البراهمي “عروبي”، حسب ما ورد في التدوينة.
واتصلت بي بي سي بالحكومة التونسية، التي تشرف أمانتها العامة على السهر على تطبيق القوانين المنظمة للأحزاب، لسؤالها عن مدى احترام الحزب القومي التونسي للوائح المعمول بها. لكن، لم يتسن لنا الحصول على أي رد.
وفي الرائد الرسمي، الجريدة الرسمية للدولة التونسية، تلخص أهداف الحزب في “بناء دولة تونسية قومية قوية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً”.
وعبرت صفحة “القومية التونسية” عن فخرها بأن 40 بالمئة من المقاتلين الأجانب، في سوريا، هم من التونسيين، رغم أنهم التحقوا بتنظيمات متشددة، من بينها جبهة النصرة وما يعرف بتنظيم الدولة.
ولئن كان من الصعب التأكد من دقة الرقم، فإن الصفحة تضيف: “مشكلة التونسي أنه يريد القتال، لأنه لا يرتاح في ثوب المهرج الذي ألبسه إياه نظام بورقيبة بعد الاستقلال”.
تقاطعات مع الرئيس التونسي
وعبر الحزب القومي التونسي عن دعمه لقيس سعيد، بعد تحذيره من وجود مخطط لتغيير التركيبة الديمغرافية لتونس ودعاه إلى ترحيل جميع المهاجرين غير النظاميين وفرض تأشيرة دخول على رعايا دول إفريقيا جنوب الصحراء ونشر القوات العسكرية لحماية الحدود الغربية من موجات التوافد على تونس.
وحذر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية من أن خطاب سعيد يصب في مصلحة أقصى اليمين الأوروبي، خاصة مع تدفق آلاف التونسيين بشكل غير نظامي إلى الضفة الشمالية للمتوسط.
ولم يتأخر رجع الصدى، فعلا، إذ سرعان ما رحب إيريك زيمور، أحد رموز أقصى اليمين في فرنسا، بتصريحات الرئيس التونسي، قائلا، في تغريدة، إن “دول المغرب نفسها بدأت دق ناقوس الخطر أمام طفرة الهجرة”.
ويتبنى قيس سعيد نظرية المؤامرة في كثير من خطاباته، إذ يبنيها للمجهول، متحدثاً عن “مخططات لتدمير الدولة” تقف وراءها “جهات” و”أطراف”، من دون أن يقدم تفاصيل قابلة للتدقيق.
وحاول الرئيس التونسي التخفيف من تداعيات تصريحاته عن الهجرة بأن عبر عن رفضه الانتقادات التي طالته، داعياً الأفارقة المقيمين بشكل قانوني إلى “الاطمئنان”. بيد أن تصريحاته غذت مشاعر عدائية تجاه المهاجرين، في تونس، إذ تعرض مهاجرون نظاميون وغير نظاميين إلى الاعتداء، في مدن تونسية عدة، بل إن تونسيين سودا تعرضوا بدورهم للعنف.
Comments are closed.