روسيا وأوكرانيا: ما مصير الطلبة المصريين الذين كانوا يدرسون في الجامعات الأوكرانية؟
كانت أوكرانيا تمثل وجهة جاذبة لآلاف الطلاب الأجانب حتى اندلاع الحرب قبل عام، مغيّرة مسار الكثيرين ممن وجدوا أنفسهم أمام خيارين؛ النجاة بحياتهم مع اشتداد المعارك، أو التمسك بحلم التخرج بأي ثمن.
بينما كان يفر الملايين من الحرب، قرر أحمد الرفاعي الطالب المصري الذي كان يقطن آنذاك بمدينة دنيبرو في قلب أوكرانيا، النزوح داخليا إلى مدينة بعيدة نسبيا عن المعارك الدائرة في شرقي البلاد.
ويعد الرفاعي واحدا من بين ما يزيد على ثلاثة آلاف ومئتي طالب مصري كانوا يدرسون في الجامعات الأوكرانية قبل بداية الحرب، وعاد نحو 85 في المئة منهم إلى مصر وفق وزارة الهجرة المصرية.
شهور كانت تفصل الشاب ابن الثمانية وعشرين عاما عن إنهاء عامه الدراسي الأخير، بمعهد دنيبرو العالي للطب التقليدي وغير التقليدي.
لم تثنه أصوات القصف ودوي صافرات الإنذار وشُح المواد الغذائية عن ملاحقة حلم التخرج بأوكرانيا، في بادئ الأمر.
مكث أحمد ثلاثة أشهر قبل أن يحمل حقائبه ويغادر أوكرانيا. فشددت السلطات الأوكرانية الخناق على الأجانب وسُحبت وثيقة إقامته أثناء تجديدها، واحتُجز لمدة يوم في إدارة الهجرة.
فوجد أحمد الرفاعي نفسه محل شك دائم، خاصة مع انتشار مزاعم حول تجنيد مرتزقة أجانب وعرب، للقتال في أوكرانيا.
رحلتا ذهاب وعودة
وبينما كان يهم أحمد لخوض رحلة طويلة لمغادرة أوكرانيا متجها إلى مصر في ظل إغلاق المجال الجوي الأوكراني، بدأ إسلام عادل، الطالب المصري بكلية الطب بجامعة بولتافا في أوكرانيا البحث عن كيفية العودة من مصر إلى أوكرانيا لاستكمال دراسته رغم الحرب.
عاد إسلام طوعا إلى البلد الذي تمزقه المعارك بعد ستة أشهر، في مخاطرة يراها محسوبة.
يقول إسلام: “القرار كان صعبا خاصة بالنسبة لعائلتي التي تعيش في قلق دائم”، ولكن عزاءه أنه على بُعد بضعة أشهر من تخرجه.
روسيا “تنتهك” قواعد حماية الأطفال في حربها مع أوكرانيا
روسيا “تنتهك” قواعد حماية الأطفال في حربها مع أوكرانيا
تعقيدات الدخول والخروج
يتذكر إسلام مشقة رحلة العودة إلى أوكرانيا، التي تطلبت المكوث أسبوعين في دولة الإمارات للحصول على تصريح سفر إلى دولة مولدوفا المتاخمة لأوكرانيا حيث سافر برا عبر حدودها إلى مدينة بولتافا الأوكرانية.
يقول إسلام: “لم يكن الدمار واسعاً كما شاهدت، ولكن خيمت أجواء الحرب على المدن التي بدت حزينة”.
في المقابل، لم تكن رحلة أحمد الرفاعي أيضا للخروج من أوكرانيا يسيرة، رغم أن المعابر باتت أكثر هدوءا نسبيا بعد ثلاثة أشهر من بدء الحرب؛ حيث تهافت الملايين للفرار إلى دول الجوار من خلال المعابر الحدودية مع بدء القصف، و امتدت طوابير النازحين حينها، وسط تقارير عن تعرض الأجانب لمعاملة “عنصرية”.
ويؤكد أحمد أن رحلته كانت حافلة، خاصة وأنه كان عليه عبور بضعة كيلومترات مشيا على قدميه من حدود مدينة لفيف الأوكرانية وصولا إلى الجهة الأخرى من الحدود بمدينة ميديكا البولندية، قائلا: “كانت ليلة ماطرة تجمدت بردا حتى دخلت خيمة الهلال الأحمر المصري”.
وتلقى أحمد مساعدة من الهلال الأحمر المصري ليتجه إلى القاهرة، لكن الطائرة التي استقلها من مدينة كراكوف البولندية، كان مقررا أن تتوقف في مطار فرانكفورت الألماني. وفي المطار، تم توقيفه لأنه لا يحمل تأشيرة شينغن، وبعد تحقيق ومفاوضات سريعة، سمحوا له بالعبور.
تنفس الشاب المصري الصعداء مع وصوله إلى مطار القاهرة، ممنيا نفسه بالتخرج بعد عام من إحدى الجامعات المصرية.
عند اشتعال فتيل الحرب، أعلنت السلطات المصرية السماح للدارسين المصريين بأوكرانيا بالالتحاق بالجامعات الأهلية بعد توثيق أوراقهم، واجتياز الاختبارات المطلوبة.
ويعترف المجلس الأعلى للجامعات بمصر بمعادلة سبع جامعات أوكرانية فقط، بداية من العام الدراسي 2019/2020.
الدراسة هنا وهناك
على وقع دوي صافرات الإنذار، وانقطاع الكهرباء المتكرر، يداوم إسلام في كلية الطب ويعكف على المذاكرة للحصول على شهادة تخرجه التي يفصله عنها عدة أشهر فقط.
ويعيش الشاب المصري حالة من القلق والترقب، لكنه يعتبر مدينة بولتافا التي يقطنها أكثر حظا، لتعرضها لقصف محدود لم يطل سوى مناطق عسكرية.
ومع مرور الوقت، لم يعد إسلام يهرع إلى الملجأ كلما سمع صافرات الإنذار التي يعتبر إطلاقها تدريبيا في كثير من الأحيان، وتمرس بمتابعة التطبيق الذي دشنته السلطات الأوكرانية لتحذير المواطنين من القصف المحتمل.
ويقول إسلام: “لا أخاف، عندما أتلقى إشعارا يفيد أن هذه المنطقة تحولت إلى اللون الأحمر، هذا قد يعني أن هناك خطرا محتملا، وعلينا أن نذهب إلى الملاجئ أو الابتعاد عن النوافذ على أقل تقدير، وأنا لا أغادر منزلي في أغلب الأحيان”.
لكن الظلام الذي يغمر المدينة لساعات طويلة بشكل شبه دوري، يجبر الطالب المصري على اللجوء لأحد المقاهي القريبة التي تستعين بمولد كهربائي ليستكمل دروسه.
وتنفذ السلطات الأوكرانية خطة اضطرارية لترشيد الاستهلاك الكهربائي، مع تضرر شبكات الكهرباء وخاصة في المناطق الشرقية بسبب الاستهداف الروسي لمصادر الطاقة بالبلاد.
ربما رجح إسلام كفة تخرجه ويركز على النجاة خلال هذه الأشهر المعدودة المتبقية من عامه الدراسي الأخير.
ولا يوجد إحصاء رسمي لعدد العائدين إلى أوكرانيا بعد اندلاع الحرب، ولكن أحمد السعيد نائب رئيس الجالية المصرية قال لبي بي سي إن العشرات يتوافدون على المناطق البعيدة عن المعارك، وذلك وسط تحذيرات من الخارجية المصرية من السفر إلى أوكرانيا في ضوء التطورات الأمنية المتسارعة.
في القاهرة، وبعد تسعة أشهر من عودته، لايزال أحمد الرفاعي يجهل مصيره التعليمي، ويحمل أوراقه هنا وهناك لتسوية أوضاعه.
ويؤكد أحمد أنه تقدم بالكثير من الأوراق العلمية المطلوبة والموثقة، واجتياز الاختبارات المقررة التي فرضتها السلطات المصرية لتحديد المستوى.
يقول أحمد: “تغيرت الوعود، سجلنا أسماءنا في إحدى الجامعات الخاصة دون تحديد عام دراسي لنا وانخرطنا في دراسة مواد درسناها في أعوام سابقة، على وعد أن تُرفع هذه المواد بعد نتيجة المقاصة العلمية التي ننتظرها منذ ما يزيد على ستة أشهر”.
ويضيف أحمد: “نتمنى معرفة مصيرنا، وإلى متى ستستمر هذه الضبابية”.
وينتظر الطلاب العائدون من أوكرانيا مراجعة وضعهم، خاصة وأن كثيرا لم ينجحوا في سحب أوراقهم وجلب المحتوى العلمي الذي تطلب الجامعات الأهلية توثيقه.
Comments are closed.