التبرع بالأعضاء: الطفلة الهندية التي منحت بعد موتها الحياة لآخرين
بعد مقتل فتاة تبلغ من العمر ست سنوات في الهند إثر إصابتها بعيار ناري العام الماضي، اتخذ والداها خيارا لا يفعله سوى قلة في البلاد، ألا وهو التبرع بأعضائها. وعلى الرغم من أنه من المتوقع أن تتفوق على الصين هذا العام كأكبر دولة في العالم من حيث تعداد السكان، إلا أن الهند تحتل المرتبة 62 في ترتيب الدول التي تشهد أكثر عمليات التبرع بالأعضاء على مستوى العالم. سافرت بي بي سي إلى روما، لتتبين كيف يمكن أن تُلهم حملة انطلقت قبل ثلاثة عقود، لدى وفاة طفل آخر بنفس الطريقة، إحراز تقدم في مجال التبرع بالأعضاء.
هل النساء أكثر تبرعا بالأعضاء من الرجال؟
فتاة بريطانية تنقذ ثمانية أشخاص بالتبرع بأعضائها
كانت رولي براجاباتي تنام بهدوء في أبريل/ نيسان الماضي في المنزل الذي كانت تعيش فيه مع أشقائها وشقيقاتها البالغ عددهم خمسة، في إحدى ضواحي دلهي. في الغرفة المجاورة، كان والداها يعدان العشاء عندما سمعا صوتا مدويا وصراخا.
عندما دخلا الغرفة، صرخت رولي قبل أن تفقد وعيها.
فقط عندما رأوا الدم يسيل من أذنها اليمنى أدركوا أن شيئا فظيعا قد حدث؛ لقد دخلت رصاصة طائشة منزل العائلة في نويدا وأصابت الطفلة الصغيرة.
تم نقل رولي إلى المستشفى، وبعد فترة وجيزة، أُخبر والدها بأن دماغها تموّت. وقالت الشرطة في نويدا لبي بي سي إنه “لا يوجد مشتبه به واضح” لكنها تواصل التحقيق.
بعد أيام من الحزن والألم، اتخذ والداها قرارا لم يقدم على مثله الكثيرون في الهند من قبل، ألا وهو التبرع بأعضائها، وبذلك أصبحت رولي أصغر متبرع في معهد أول إنديا All India للعلوم الطبية (AIIMS) في نيودلهي.
أوضح والدها هارنارايان براجاباتي، أن قرار التبرع بأعضاء الطفلة لم يكن بسيطا أو سهلا.
كيف خدعت عصابة لتجارة الأعضاء عائلات الضحايا؟
قال: “لم أكن أعرف ماذا أفعل.. ظللت أفكر طوال الليل.. وأخبرت الطبيب أننا بحاجة إلى مزيد من الوقت للتفكير”.
ويضيف: “في النهاية قررنا المضي قدما..إذا كانت أعضاء ابنتي قد تنقذ حياة شخص ما، فعلينا أن نفعل ذلك”.
ويمضي للقول: “لدينا اعتقاد بأن ابنتنا على قيد الحياة إذ تعيش داخل المتلقين الصغار، وبذلك ابنتنا ستحيا من خلالهم”.
وقد زُرعت كليتا رولي في الطفل ديف أوبدهيايا، البالغ من العمر 14 عاما، والذي قال والداه لبي بي سي إنها “معجزة بالنسبة لنا” أن يحصل على الأعضاء.
لأول مرة.. زراعة قلب خنزير معدل وراثياً في جسم إنسان
لقد كانوا ينتظرون منذ نحو أربع سنوات لإجراء عملية زرع أعضاء لابنهم، وقالوا إن “حياتهم قد تغيرت” لأن كليتي رولي “أعطت حياة جديدة” لديف.
أما كبد رولي فقد مُنح لصبي يبلغ من العمر ست سنوات، وصمامات قلبها لأطفال تتراوح أعمارهم بين سنة وأربعة أعوام، وساعدت قرنيتها على إعادة البصر إلى شخصين بالغين أحدهما يبلغ 35 عاما، والآخر 71 عاما.
تتشابه قصة وفاة رولي مع قصة نيكولاس غرين.
كان الطفل البالغ من العمر سبع سنوات في عطلة في إيطاليا مع أسرته في سبتمبر/ أيلول عام 1994 عندما تم إطلاق النار على السيارة التي كان يستقلها عن طريق الخطأ.
وقد اتخذ والداه، ماغي وريج، قرارا بالتبرع بأعضاء نيكولاس. وكرس ريج الكثير من حياته منذ ذلك الحين لحملة لتشجيع المزيد من الأشخاص على التبرع بالأعضاء.
في عام 1993 وقبل عام من إطلاق النار على نيكولاس، تبرع 6.2 شخص من كل مليون بالأعضاء في إيطاليا، وبحلول عام 2006 وصل الرقم إلى 20 لكل مليون.
كان هذا جزئيا بسبب انتقال الدولة إلى نظام في عام 1999، يكون بموجبه جميع البالغين متبرعين محتملين ما لم يقولوا خلاف ذلك. لكن طرح فكرة إمكانية التبرع المنقذة للحياة في أذهان الناس ربما كان العامل الأكثر أهمية.
“لافيتو نيكولاس” أي تأثير نيكولاس واضح للعيان، والأمل اليوم يكمن في أن يحدث تحول مماثل في الهند.
“ابنتي قتلت برصاصة طائشة لكنها ستعيش في أولئك الذين انقذتهم”
في طليعة من يعقدون الآمال على مثل هذا التغيير الدكتور ديباك جوبتا، الذي سافر إلى روما لمقابلة ريج وخبراء آخرين من مجتمع التبرع بالأعضاء.
كان الدكتور غوبتا هو أول من تحدث عن خيار التبرع بالأعضاء لوالدي رولي، اللذين لم يسمعا به من قبل، حالهما حال الكثيرين في البلاد.
لقد استخدم مثال نيكولاس ليُظهر للسيد براجاباتي، وهو رجل غير متعلم، الأثر المحتمل للتبرع.
يموت شخص واحد في الهند نتيجة إصابة في الرأس كل ثلاث دقائق، وفقا للجنة لانسيت لطب الأعصاب، وهكذا كما يقول الدكتور جوبتا، هناك “الكثير من الإمكانيات لتوفر المتبرعين”.
ويُقدر متوسط عدد المتبرعين في الهند كل عام منذ عام 2000 ما بين 700 و 800 شخص.
وقد أجرى الدكتور جوبتا دراسة استقصائية أظهرت أن عوامل مثل الدين ومواقف أفراد الأسرة الأكبر سنا، يمكن أن تعوق عملية التبرع.
ولكن منذ وفاة رولي في أبريل/ نيسان الماضي، ازدادت التبرعات بالأعضاء في معهد AIIMS في دلهي مقارنة بالسنوات الخمس السابقة مجتمعة.
وقد شهدت الهند نحو 846 عملية تبرع في عام 2022، وهو رقم يعد أعلى من أي وقت مضى، وفقا لأرقام المنظمة الوطنية لزراعة الأعضاء والأنسجة. ويصف الدكتور غوبتا هذا العدد بأنه “نقطة تحول”.
وقال: “أنا واثق تماما مما أقول.. أنا جراح أعصاب ولذا فإن الثقة تعيش في عروقي ودمائي، وأعتقد أننا جميعا ولدنا ولدينا القدرة على التغيير..أعتقد أنني أشبه بمجرد قطرة صغيرة جدا في المحيط تحاول إحداث التغيير”.
في كل مرة يعود فيها ريج البالغ من العمر 94 عاما إلى إيطاليا قادما من منزله في لوس أنجليس، يلتقي ببعض ممن تلقوا أعضاء ابنه نيكولاس. وفي هذه الرحلة التقى بامرأتين مرتبطتين بصورة ما بسبب التبرع بالأعضاء.
قُتل ديفيد شقيق شانا باريزيلا، في حادث سيارة في مارس/ آذار عام 2013، وزُرع قلبه في آنا إياكوينتا.
بعد تسع سنوات من العملية، قررت آنا البحث عن عائلة المتبرع، وكوّنت علاقة قوية مع شانا التي تقول إنها مثل أختها.
قالت شاناالتي قطعت مسافة 140 كلم من فوندي إلى روما، إنه حلم أن تقابل “رجلا عظيما” يعد “مثالا يحتذى”.
قالت آنا: “ليس الأمر سهلا على الشخص الذي يتلقى العضو المتبرع به، إذ تنتابه الكثير من الأفكار والمشاعر المتضاربة، فهو من جهة يشعر بالسوء للألم الكبير لدى أسرة المتبرع، ولكن من جهة أخرى يشعر بالفرح والامتنان لحصوله على العضو”.
وتابعت: “أنا محظوظة حقا لأن عائلة ديف كانت سعيدة جدا لمقابلتي، وبالنسبة لهم، كانت هذه أكبر مفاجأة وأكبر هدية”.
“كانت أكبر هدية في حياتهم هي مقابلتي. وبالنسبة لي لمجرد أن أكون على ما يرام وأن أكون معهم، فهذه طريقتي في قول شكرا لكم، رغم أن أي كلام شكر أو عرفان لا يكفي مطلقا”.
بيانات المتبرعين
احتلت إسبانيا الصدارة في مجال التبرع بالأعضاء لسنوات عديدة بسبب وجود أطباء متفرغين مدربين كمنسقين لزرع الأعضاء في أكبر مستشفيات البلاد.
يقول خوسيه لويس إسكالانتي، مدير عمليات الزرع في مستشفى جامعة غريغوريو مارانيون في مدريد: “لا يمكن إجراء عملية الزرع إذا لم يكن سكان البلد مشتركين في الأمر”.
في عام 2021 وللمرة الأولى منذ عقدين من الزمن، تفوقت الولايات المتحدة على إسبانيا لتصبح الرائدة عالميا في مجال التبرع بالأعضاء، ويرجع ذلك جزئيا إلى وفاة أكثر من 100 ألف شخص جراء استخدام العقاقير الأفيونية (سواء المرخصة أم غير المرخصة).
وتحتل إيطاليا المرتبة التاسعة عالميا، بينما تحتل المملكة المتحدة المرتبة 13. في مايو/ أيار عام 2020، تحولت إنجلترا إلى نظام يجعل جميع البالغين متبرعين تلقائيا بالأعضاء.
وقد تبرع ما يقرب من 300 شخص بأعضاء في إطار النهج الجديد، والذي جاء بعد شهرين من اعتماد اسكتلندا للتبرع التلقائي، كما تبنت ويلز النظام في عام 2015.
بعد زيارته الأخيرة لروما، سافر ريج إلى ميسينا حيث التقى نيكولاس البالغ من العمر 24 عاما، نجل ماريا بيا بيدالا التي كانت في غيبوبة عندما تلقت كبد نيكولاس منذ 29 عاما.
يقول إنه لن يتوقف عن الحديث عن التبرع بالأعضاء إلا بعد وفاته، وقال لبي بي سي: “أنا أبلغ من العمر 94 عاما، لذا كنت كبيرا جدا عندما بدأت الحملة”.
“أعتقدت أنني في عمري هذا لن أقدر على المواصلة، لكن فكرة أنه بمجرد التحدث يمكنك إنقاذ الأرواح كانت تحفزني كل يوم”.
شارك في إعداد التقرير أنكيت سرينيفاس
Comments are closed.