الانتخابات النصفية الأمريكية: لماذا لم تصل “الموجة الحمراء” الموعودة؟
مع بلوغ نسبة التضخم في الولايات المتحدة حافة 8 بالمئة، وضعف معدلات التأييد للرئيس الديمقراطي، كان الجمهوريون يأملون بتحقيق خطوات كبيرة لاستعادة الكونغرس. لماذا لم يحدث ذلك؟
حذرت استطلاعات الرأي والنقاد لأسابيع من “موجة حمراء” وشيكة – حشد انتخابي جمهوري من شأنه أن يشكّل تعبيراً قاسياً عن الشجب الشعبي لجو بايدن والديمقراطيين.
ومع شروق الشمس في جميع أنحاء الولايات المتحدة يوم الأربعاء، أصبح من الواضح أن الـ”تسونامي” الذي كان يأمل به الجمهوريون، لن يصل أبداً.
وفي حين حقق الحزب مكاسب متواضعة ولا يزال الأقرب للفوز بمجلس النواب، ظل مجلس الشيوخ موضع تنافس حاد وكان أداء الديمقراطيين أفضل مما كان متوقعاً. لماذا؟
ليست مسألة اقتصاد فحسب
على الرغم من تصدّر التضخم والاقتصاد قائمة مخاوف الناخبين الأمريكيين، لكنهما لم يشكلا عوامل أذى فعلية للديمقراطيين، مثلما كانوا يخشون.
وقال محللون إن ذلك قد يعكس حقيقة أن الاقتصاد، برغم تباطؤه، ظلّ يتمتع بصحة جيدة نسبياً. وعلى الرغم من أن تكاليف المعيشة آخذة في الارتفاع، إلا أن النمو متواصل ولا تزال البطالة منخفضة.
وقال خبير استطلاعات الرأي كريس جاكسون، النائب الأول للرئيس في شركة إيبسوس للإحصاءات: “الناس غير راضين الاقتصاد، لكنهم لا يتعرضون للتسريح من وظائفهم، ما منح قضايا أخرى مثل الإجهاض، والهجرة، والكذبة الكبيرة لليمين، فرصة للتصدّر في الأسابيع الأخيرة السابقة للانتخابات”.
وتعكس المخاوف بشأن الاقتصاد أيضاً الاستقطاب في البلاد.
وفي حين أن وجهات نظر الديمقراطيين أصبحت قاتمة هذا العام، إلا أنهم يميلون إلى البقاء أكثر إيجابية من الجمهوريين والمستقلّين، واضعين مثل هذه المخاوف الاقتصادية في مرتبة ثانية بعد قضايا أخرى، مثل تغير المناخ والعنصرية والإجهاض.
وأبقى شبح دونالد ترامب هذه القضايا على قيد الحياة وساعد في شحذ حماسة القاعدة الديمقراطية للتصويت.
وقال جاكسون: “ما يمكننا قوله هو أنه خلال هذه الدورة الانتخابية لم يستطع الجمهوريون – وبخاصة جمهوريو ترامب – الخروج من طريقهم الخاص والسماح لأمور مثل التضخم أو الاقتصاد بتصدّر النقاش، الأمر الذي ربما كان سيدفع الجمهوريين إلى مكاسب أكبر”.
وأضاف: “منح الجمهوريون الديمقراطيين بشكل أساسي شيئاً للترشح من أجله، بخلاف القضايا التي كانوا سيخسرون بسببها، وهي الاقتصاد”.
وتشير البيانات الأولية للناخبين إلى أن نسبة الإقبال كانت في أعلى مستوياتها التاريخية في الانتخابات النصفية في أجزاء كثيرة من البلاد – وهي حقيقة يعزوها البعض، جزئياً، إلى قاعدة ديمقراطية كان يقودها شباب مدفوعون بقضايا مثل الحقوق الإنجابية.
وقال جون تايلور، أستاذ العلوم السياسية في جامعة تكساس – سان أنطونيو، لبي بي سي، “لقد حضر ناخبو الجيل Z بالفعل”.
وأضاف “لو لم تقم المحكمة العليا بإلغاء قضية رو ضد ويد (الحق الدستوري للمرأة في الإجهاض) في يونيو/ حزيران، لما كان الديمقراطيون قد حصلوا على فرصة لتنشيط الناخبين، بالنظر إلى ديناميكيات القضايا المتعلقة بالجريمة أو الهجرة أو التضخم. لقد ساعد ذلك الديمقراطيين في الواقع على درء تلك الموجة الحمراء”.
ومن بين الشباب الذين شعروا بأنهم مضطرون للحضور يوم الثلاثاء جاك بريبل وهو طالب يبلغ من العمر 19 عاماً قال إنه يخشى أن يؤدي إلغاء الحق الدستوري في الإجهاض إلى التشكيك في حقوق أخرى.
وقال بريبل: “أنا رجل مثلي الجنس وحكم الإجهاض يدل على تحوّل السياسات الأمريكية إلى سياسات قمعية”.
وركز الديمقراطيون بمن فيهم جو بايدن بشكل كبير على حقوق الإجهاض في الفترة التي سبقت الانتخابات.
من ناحية أخرى، قال بعض الجمهوريين صراحةً إن فشل حزبهم في التصويت بأعداد كافية أدى إلى تقصيرهم في تحقيق التوقعات.
وغرّدت مايرا فلوريس، وهي ممثلة الحزب الجمهوري في تكساس أطاح بها خصمها الديمقراطي، فيسنتي غونزاليس بعد أشهر فقط من فوزها في انتخابات خاصة في يونيو/ حزيران: “الجمهوريون والمستقلون ظلّوا في منازلهم. لا تعترض على النتائج إذا لم تحاول القيام بدورك”.
مخالفة عادة الانتخابات النصفية
تاريخياً، يمنى حزب الرئيس المتواجد في البيت الأبيض – في هذه الحالة، الديمقراطيون – بخسارة كبيرة في الانتخابات النصفية.
وتشير البيانات الصادرة عن جامعة كاليفورنيا سانتا باربرا إلى أن حزب الرئيس قد خسر، في المتوسط، 28 مقعداً في مجلس النواب وأربعة مقاعد في مجلس الشيوخ في كل انتخابات نصفية بين عامي 1934 و2018.
وقال جاستن بوشلر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة كيس ويسترن ريزيرف في أوهايو، إن نتائج الانتخابات النصفية السابقة ربما خلقت توقعاً “افتراضياً” و”أساسياً” بأن فوز الجمهوريين سيكون أكبر مما كان عليه.
وأضاف بوشلر: “أعتقد أن الكثير من الناس تسرّعوا بتوقعاتهم. بشكل عام، يدلي الناس بتصريحات لا تؤكدها البيانات، وكل جانب لديه حوافز لقليل من التشجيع. أعتقد أن أحد الدروس المستفادة من الانتخابات السابقة هو ضرورة الحذر بشأن هذه الأنواع من التوقعات. لم يتعلم الناس هذا الدرس”.
استفتاء على دونالد ترامب
اعتُبرت الانتخابات النصفية لهذا العام على نطاق واسع اختباراً حاسماً لإرث دونالد ترامب وتأثيره المستمر على الحزب الجمهوري.
وأشار جون تايلور من جامعة تكساس إلى أن العديد من الناخبين الذين كانوا على الحياد ربما قرروا الإدلاء بأصواتهم في محاولة لتقويض نفوذ ترامب على الحزب.
وقال: “يمكن القول إن الانتخابات كانت استفتاءً على دونالد ترامب. وإذا نظرت إلى المرشحين الذين دعمهم، وبخاصة ناكري الانتخابات الذين يتنافسون على مناصب الحاكم أو مجلس الشيوخ أو وزير الخارجية، فقد خسر العديد منهم. حتى لو حصل على بعض المكاسب، فليس الأمر كما لو أنه وسّع أي نوع من القاعدة أو الأغلبية الجمهورية”.
ويظهر صدى ما تحدث عنه تايلور لدى أليكس هايد، وهو ناخب من جورجيا، يبلغ من العمر 31 عاماً، لم يكن قد حسم أمره بدايةً، وقال إنه “تأثر سلباً حقاً” بسبب تأييد ترامب للمرشح الجمهوري هيرشل ووكر.
وقال لبي بي سي قبل التصويت “أنا لا أتفق مع الديمقراطيين في كل شيء. لكنني أشعر أنهم أكثر استقراراً بكثير من البرنامج الجمهوري”.
شاركت في هذا التقرير كلوي كيم
Comments are closed.