الصراع في تيغراي: طبيب إثيوبي يروي مأساة المرضى في الإقليم المحاصر
يتسبب نقص الأدوية الأساسية في موت المرضى في منطقة تيغراي الإثيوبية، التي تعد بؤرة حرب أهلية استمرت 23 شهرا وتخضع حاليا للحصار. اتفق الجانبان على محادثات سلام في جنوب إفريقيا، ويدعو أحد الأطباء الإثيوبيين إلى أن تكون الأزمة الإنسانية على أولويات القضايا التي سيتم تناولها.
تحدث إلينا الطبيب الجراح، فاسيكا أمديسلاسي، بصوت واقعي، لكن ما قاله بدا مدمرا.
وقال الطبيب: “لدينا نقص في أدوية التخدير، ونقص في السوائل الوريدية، ونقص في المضادات الحيوية، ولذلك تظهر المضاعفات على المرضى وفي النهاية يموتون بلا حول ولا قوة”.
“يداك مكتوفتان” قالها الجراح لنا خلال مكالمة هاتفية عبر تطبيق واتساب باستخدام خدمة الاتصال بالإنترنت عبر الأقمار الصناعية من ميكيل عاصمة تيغراي.
وأضاف: “المرضى لا حول لهم ولا قوة، والأطباء كذلك”.
ومع ذلك، بالكاد يوجد أي تلميح للعاطفة في حديثه، حيث يربط الدكتور فاسيكا، الذي يعمل في مستشفى آيدر الرئيسي في ميكيلي، تأثير الصراع في تيغراي على الخدمات الصحية في المنطقة.
فقد تم عزل تيغراي عن بقية العالم خلال معظم العامين الماضيين.
بدأ القتال في نوفمبر/ كانون الثاني 2020 عندما حاولت القوات الإثيوبية الفيدرالية انتزاع السيطرة على المنطقة من جبهة تحرير تيغراي الشعبية. وبدأ الحصار فعلا عندما شنت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي هجوما مضادا واستعادت السيطرة على جزء كبير من تيغراي في يونيو/ حزيران 2021.
وتوقفت عمليات التوريد للأدوية والمستلزمات الطبيه، وتوقفت الخدمات المصرفية وانقطعت الاتصالات الهاتفية إلى حد كبير مما جعل من المستحيل تقريبا الاتصال بأي شخص. وتقول الأمم المتحدة إن 5.4 مليون شخص في الوقت الحالي – حوالي ثلاثة أرباع سكان تيغراي – في أمس الحاجة إلى أي نوع من المساعدات الغذائية لأن القتال أوقف الإمدادات.
ولا يُستثنى المرضى من كل ذلك، حتى لو لم يشاركوا بشكل مباشر في النزاع.
وصلت بعض الأدوية والمعدات الضرورية الأخرى من خلال منظمة الصحة العالمية واللجنة الدولية للصليب الأحمر – لكن وصولها كان متقطعا. لكن الإمدادات توقفت تماما عند استئناف القتال في أغسطس/ آب، منهيا وقفا لإطلاق النار لأغراض إنسانية دام خمسة أشهر.
- لماذا تجدد القتال بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير شعب تيغراي؟
- أطباء وممرضون يتسولون الغذاء في إقليم تيغراي الإثيوبي
- سكان إقليم تيغراي تعرضوا لـ”تطهير عرقي”
قال الدكتور فاسيكا لبي بي سي متحدثا عن تأثير الحرب التي دامت 16 شهرا “ليس لدينا دواء لمرضانا، وليس لدينا مواد جراحية لإجراء العمليات الجراحة، وليس لدينا لقاحات لتطعيم الأطفال، وليس لدينا أنسولين نعطيه لمرضى السكر”.
وأضاف “جميع المرضى يعانون. لكننا بكل أسف نطلب منهم العودة إلى منازلهم دون علاج.
لم تتوفر لدينا أدوية علاج مرضى السرطان على الإطلاق ولا يمكنهم الحصول على العلاج الإشعاعي أيضا لأن المعدات الخاصة بذلك موجودة في العاصمة الفيدرالية أديس أبابا. والسفر إلى هناك مستحيل.
يقول الدكتور فاسيكا، البالغ من العمر 41 عاما، والذي كان في السابق عميدا لكلية الطب “في الأساس، حُكم على مرضى السرطان بالموت”.
“المرضى ليس لديهم وقت”
كما كان على الأطباء أن يراقبوا مرضى الفشل الكلوي تتدهور حالتهم لأن إمدادات غسيل الكلى لا تأتي إلا بشكل متقطع.
قال الدكتور فاسيكا “آخر وصول للمستلزمات الخاصة بغسيل الكلى كان في يونيو/ حزيران. ومنذ أغسطس/ آب كان هناك توقف تام، والآن وفي هذا الأسبوع تنفد المواد الخاصة بـ 25 مريضا لدينا”.
ويضيف أن 90 مريضا بالكلى ماتوا “أمام الأطباء” ويتساءل ما الذي سيحدث للـ 25 الذين تبقوا.
وفيما يتعلق بالتشخيص، فإن معمل المستشفى يفتقر إلى المحاليل والكواشف الكيميائية المخبرية، ما يعني أنه في كثير من الأحيان لا يستطيع الأطباء معرفة وتشخيص المشكلة التي يعاني منها المرضى بدقة.
وأضف إلى ذلك، الكهرباء التي لا يمكن الاعتماد عليها وعدم وجود وقود للمولدات، ما يعني أن المستشفى يمكن أن تمر عليه أيام دون كهرباء.
ومن خلال الصورة القاتمة التي رسمها لنا حول ما يواجهه هو وزملاؤه العاملين في الحقل الطبي، لا يكشف صوت الدكتور فاسيكا عن حجم المشكلة التي يحاول وصفها.
يقول “لقد نفد مخزون العاطفة لدي لأني أعيش حقيقة حية، أنا فقط أصف ما أواجهه يوميا”.
ويضيف “نحن نحمي أنفسنا عاطفيا. لن نعرف مقدار العبء الذي نتحمله حتى نتحرر. وإلا ستكون آلية دفاع طبيعية ألا تفكر في الأمر – فأنت لا تتوقف هناك عند تلك الأشياء، أنت تفعل ما عليك القيام به”.
لكن الأطباء والممرضين أنفسهم مضطرون أيضا إلى التعامل مع حقيقة أنهم، كموظفين فيدراليين، لم يتلقوا رواتبهم منذ مايو/ أيار من العام الماضي. الدكتور فاسيكا يتلقى أموالا من أصدقاء له ومن العائلة في الخارج، ولكن هذا له ثمنه، إذ يتقاضى الصرافون عمولة عالية مقابل اضطرارهم إلى تهريب الأموال إلى تيغراي.
يقول الجراح “هذا المستشفى حياتي”، موضحا ما الذي يحفزه على الرغم من الظروف الصعبة.
ويضيف “نداء الواجب يدعوك. فإذا كان بإمكانك الذهاب والتحدث إلى المرضى وتقديم المشورة لهم وفعل ما تستطيع، فهذا هو الشيء الأكثر أهمية. لست أنا فقط ولكن جميع المهنيين هنا”.
عندما يتعلق الأمر بمحادثات السلام المحتملة بين الحكومة الفيدرالية والجبهة الشعبية لتحرير تيغري، يتجنب الدكتور فاسيكا الانخراط في السياسة.
لكنه يشعر بالقلق من أن المحادثات هي عملية سياسية، وسوف تطول بينما تناقش الأطراف المختلفة التفاصيل.
قال الدكتور فاسيكا “المحادثات قد تستغرق وقتا، ولكن حياتنا وحياة الأطفال وحياة المرضى قد لا تحظى بهذا الوقت. لذلك أتمنى أن يفعلوا أشياء بشأن الوضع الإنساني أولا”.
وأضاف “يجب احترام القانون الإنساني. لماذا يفشل في تيغراي بينما لا يفشل في أوكرانيا؟ هل ذلك لأننا لسنا أشخاصًا مهمين؟”.
Comments are closed.