من السويد إلى المجر، هل تشهد أوروبا صعودا لتيار اليمين المتطرف؟

جيمي أكيسون

Getty Images

حقق حزب ديمقراطيو السويد اليميني المتطرف مكاسب كبيرة في الانتخابات السويدية الأخيرة، حيث يرجح أن يصبح ثاني أكبر حزب سياسي في البلاد بعد الحزب الديمقراطي الاجتماعي، كما أنه يعد الآن أكبر الأحزاب اليمينية.

ولد حزب الديمقراطيين القومي المعارض للهجرة من رحم الحركة النازية الجديدة في ثمانينيات القرن الماضي. وبعد أن ظل لفترة طويلة حزبا هامشيا منبوذا، دخل البرلمان بعد فوزه بنسبة 5.7 في المئة من الأصوات عام 2010، ثم ارتفعت النسبة إلى 17.5 في المئة عام 2018، ويتوقع أن تزيد هذه المرة عن 20 في المئة.

ويعد ذلك صفعة كبيرة لحزب الديمقراطيين الاجتماعيين الذي تنتمي إليه رئيسة الوزراء المنتهية ولايتها مغدالينا أندرسون، والذي حكم السويد منذ عام 2014 وسيطر على المشهد السياسي منذ الثلاثينيات.

صعود تيار اليمين المتطرف ليس حكرا على السويد، بل لقد مثل اتجاها عبر أنحاء أوروبا في الأعوام القليلة الماضية. ورغم أن الأفكار القومية دائمة الحضور في السياسة الأوروبية، لكن المستويات المرتفعة من التأييد التي باتت تحظى بها أحزاب أقصى اليمين وما تروجه له من أفكار شعبوية متشددة أمر حديث العهد نسبيا.

سمات مشتركة

في إشارة إلى هذا التحول، استخدم رئيس المفوضية الأوروبية السابق جون كلود يونكر آخر خطاباته حول حالة الاتحاد (عام 2018 ) لانتقاد ما وصفها بـ”القومية غير الصحية” في القارة، مضيفا أن “حب الوطن فضيلة. ولكن النزعة القومية الخارجة عن السيطرة مليئة بالسم والخداع”.

من الصعب وضع تعريف محدد لليمين المتطرف، ولكن السمة الرئيسية الغالبة على الجماعات والأحزاب المنضوية في إطاره، سواء كانت راديكالية تعمل في إطار عملية ديمقراطية أو أخرى معارضة لها، هي الخطاب الذي يتحدث باستمرار عن وجود تهديد عرقي أو ثقافي ضد مجموعة “أصلية” من قبل مجموعات تعتبر دخيلة على المجتمع، وعن ضرورة الحفاظ على الهوية الوطنية – من ثم تأتي معارضة اليمين المتطرف للهجرة.

وتشترك جماعات اليمين المتطرف في بعض السمات الرئيسية، كالنزعة القومية – أو ما يمكن وصفه بالشعور بأن بلدا ما وشعب هذا البلد أرقى من غيره. ولدى تلك الجماعات شعور قوي بالهوية الوطنية والثقافية إلى درجة اعتبار أن اندماج ثقافات أخرى يشكل تهديدا على تلك الهوية، ومن ثم فإنها ترفض فكرة التنوع. وعادة ما يستميل زعماء تلك الجماعات الأفراد من خلال إعطائهم شعورا بالانتماء والفخر. وكثيرا ما يكون ذلك أداة دعائية قوية، ولا سيما في المناطق الفقيرة التي تعاني من نسبة بطالة مرتفعة، والتي يشعر سكانها بالتهميش من قبل المؤسسة السياسية.

وفي أغلب الأحيان تكون لدى تلك الجماعات تحيزات دينية، إذ يعتبر أعضاؤها أنفسهم مدافعين عن الدين المسيحي، ويستخدمون ذريعة الحفاظ على القيم المسيحية لإثارة صراعات مع أديان أخرى كالإسلام واليهودية مثلا.

ورغم التأييد الذي يحظى به اليمين المتطرف من قبل رجال دين ومتدينين مسيحيين، إلا أن هناك من يرى أن مبادئه تتعارض مع قيم التسامح المسيحية – وعلى رأسهم البابا فرانسيس بابا الفاتيكان الذي تحدث مرارا عن أهمية أن يشترك الجميع في تقديم العون للاجئين الذين “يفرون من الحرب والفقر، ويصلون إلى شواطئ القارة [الأوروبية] وغيرها من الأماكن ويقابلون، لا بالحفاوة، وإنما بالعداء، بل والاستغلال. إنهم إخواننا وأخواتنا”.

البابا فرانسيس

EPA
أدان البابا فرانسيس ما سماه “المصلحة القومية والذاتية الضيقة” في الطريقة التي تتعامل بها أوروبا مع المهاجرين

إسلاموفوبيا

تزامن صعود تيار اليمين المتطرف في أوروبا، مع تصاعد العداء للمسلمين، أو ما بات يعرف بـ”الإسلاموفوبيا”، وهي ظاهرة فكرية تستند إلى تنميط للمسلمين المهاجرين، وتروج لفكرة أنهم غير مندمجين في مجتمعاتهم، وأنهم يشكلون بؤرا للإرهاب.

على سبيل المثال، ثار جدل حول موقف اليمين الأوروبي المتطرف من الإسلام والمسلمين في أبريل/نيسان الماضي مع نشر السياسي اليميني الهولندي المتطرف، “خيرت فيلدرز” زعيم حزب الحريات اليميني، مقطع فيديو على حسابه على”تويتر” عنون له بعبارة “لا للإسلام لا لرمضان..حرية ، لا للإسلام “.

ومما يزيد من مخاوف الجاليات المسلمة في أوروبا، هو سعي بعض الحكومات وأحزابها السياسية، للمزايدة على ما تطرحه أحزاب اليمين المتطرف، عبر تبني خطاب يتماهى مع خطاب تلك الأحزاب، بهدف كسب مزيد من الأصوات الانتخابية، وهو ما يدفع الحكومات إلى اتخاذ خطوات ضد الجاليات المسلمة لتعزيز موقعها في الشارع الانتخابي.

ويعطي مراقبون مثالا على ذلك تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أوائل أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2020، التي أشار فيها إلى أن مسلمي فرنسا، يمكن أن يشكلوا “مجتمعا مضادا”، وأن الإسلام يواجه “أزمة” في جميع أنحاء العالم، وإعلانه عن خطة لمعالجة ما اعتبره “مجتمعا موازيا” في فرنسا.

إيطاليا ومخاوف من إحياء الفاشية

تتوقع استطلاعات الرأي حصول حزب اليمين المتطرف إخوان إيطاليا على نسبة 24 في المئة من الأصوات في الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في 25 سبتمبر/أيلول الحالي، ما سيعطي الفرصة لرئيسته جورجيا ميلوني لتزعم حكومة ائتلاف يميني.

وقد وُجهت انتقادات إلى حزب إخوان إيطاليا بسبب أصوله التي تعود إلى الحركة الاجتماعية الإيطالية التي أسسها فاشيون سابقون في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ولسياساته المعادية بشدة للهجرة. ولا يزال رمز الحزب يحتوي على شعار الحركة (الشعلة ثلاثية الألوان)، وكان بعض أحفاد موسيليني من بين مرشحي الحزب في الانتخابات البرلمانية السابقة.

وسعت جورجيا ميلوني المرشحة الأوفر حظا لرئاسة وزراء إيطاليا إلى النأي بنفسها عن أصول حزبها التاريخية. فقد رفضت مزاعم أن يؤدي تزعم حزبها للحكومة إلى إحياء الفاشية، قائلة إن قيم حزبها مشابهة لقيم حزب المحافظين البريطاني والحزب الجمهوري الأمريكي وحزب الليكود الإسرائيلي.

يشار إلى أن ميلوني أعربت عن رغبتها في إغلاق الموانئ الإيطالية أمام المهاجرين القادمين من ليبيا. ولميلوني روابط بأحزاب اليمين المتطرف في أروربا، كحزب التجمع الوطني الفرنسي وحزب فوكس الأسباني، وكذلك اليمين الأمريكي، وسبق وأن أعربت عن إعجابها برئيس وزراء المجر الشعبوي فيكتور أوربان.

وقد دخل حزب ميلوني، إخوان إيطاليا، في تحالف مع حزب فورتزا بزعامة رئيس الوزراء السابق سيلفيو برلسكوني، وحزب الرابطة اليميني المتطرف بزعامة وزير الداخلية السابق المناهض للهجرة ماتيو سالفيني.

وقد تحدث كل من سالفيني وميلوني مرارا عن أن هدفهما هو حماية تراث أوروبا المسيحي من خلال حماية حدودها من تدفق المهاجرين.

سالفيني وميلوني

Getty Images
جورجيا ميلوني وحليفها ماتيو سالفيني

“بديل” لسياسة الباب المفتوح في ألمانيا

قوبلت سياسة الباب المفتوح التي انتهجتها المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل مع اللاجئين السوريين عام 2015 بانتقادات من خارج ألمانيا وداخلها – بل ومن داخل حزبها المحافظ، الحزب المسيحي الديمقراطي.

ويرى مراقبون أن تلك السياسة أدت مع مرور الوقت إلى صعود حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي المعارض للهجرة، الذي أصبح بعد ذلك بعامين ثالث أكبر حزب في البرلمان الاتحادي الألماني “البوندستاغ”. ويرى البعض أنها أسهمت أيضا في تزايد شعبية حركة “وطنيون أوروبيون ضد أسلمة الغرب”، المعروفة اختصارا بحركة “بيغيدا”.

ولعبت الرموز الدينية المسيحية دورا كبيرا في المظاهرات التي شارك فيها أعضاء الحركة احتجاجا على سياسات ميركل، حيث رفع المحتجون صلبانا بألوان العلم الألماني – الأحمر والأسود والذهبي. ولكن الكثير من زعماء الكنيستين الكاثوليكية والبروتستانتية في ألمانيا احتجوا على ذلك، قائلين إن رمز الصليب يتخطى الحدود الوطنية ولا يجب أن يستخدم لأغراض سياسية، لا سيما تلك التي تتعارض مع القيم المسيحية.

ويقول دكتور توباياس كريمر الباحث المتخصص في العلاقات بين الدين والشعبوية اليمينية في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية في تصريح لبي بي سي إن نسبة الأشخاص اللادينيين من بين مؤيدي بيغيدا أعلى من نسبتهم بين الشعب الألماني بشكل عام، وهو ما يشير برأيه إلى أن القضية لا تتعلق بالأساس بالمسيحية كدين، بل بمعارضة الإسلام ورفض المهاجرين المسلمين. “إذا ما عرّفت الآخر على أنه مسلم، من الممكن أن تبدأ في التفكير في نفسك بوصفك مسيحيا، ولكن المسيحية هنا تعتبر ثقافة أكثر منها دينا”.

مظاهرات لحركة بيغيدا ترفع صليبا بألوان العلم الألماني في مدينة دريسدن في 5 يناير/كانون الثاني عام 2015

Getty Images
مظاهرات لحركة بيغيدا ترفع صليبا بألوان العلم الألماني في مدينة دريسدن شرق البلاد

التجمع الوطني الفرنسي و”طوفان” الهجرة

شهدت الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة التي أجريت في أبريل/نيسان منافسة حادة بين إيمانويل ماكرون ومارين لوبن زعيمة حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف المعارض لنفوذ الاتحاد الأوروبي والهجرة. ورغم فوز ماكرون بنسبة 58.5 في المئة من الأصوات، فقد فازت لوبن بنسبة لا يستهان بها هي 41.5 في المئة.

ولجون ماري لوبن، والد مارين لوبن والرئيس السابق للتجمع الوطني (الجبهة الوطنية آنذاك)، تاريخ طويل من التصريحات العنصرية والأفكار المعادية للمسلمين.

وقد سعى التجمع الوطني إلى الربط بين الهجرة والإرهاب في محاولة لحشد تأييد الناخبين.

من بين تصريحات مارين لوبن العديدة المناوئة للهجرة ما قالته في مقابلة مع صحيفة ذا تايمز عام 2017: “إننا نواجه طوفانا من المهاجرين يغرقنا ويكتسح كل ما في طريقه. هناك صلوات في الشوارع، هناك مقاه تحظر دخول السيدات، وهناك شابات يتلقين نظرات تهديد إذا ارتدين تنورات…لو استمر الوضع على ما هو عليه الآن سوف نتحول إلى منطقة عملاقة محظور دخولها…المجتمع متعدد الثقافات هو مجتمع متعدد الصراعات”.

مارين لوبن

Getty Images
سعى التجمع الوطني الفرنسي بزعامة مارين لوبن إلى الربط بين الهجرة والإرهاب

أوربان و”خلط الأعراق”

استقالت زسوزسا هيغدوس المساعدة المقربة من رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان مؤخرا اعتراضا على تصريحاته التي وُصفت بأنها عنصرية حول فكرة “خلط الأعراق” وانتقاده للاختلاط بين الأوروبيين وغير الأوروبيين، واصفة خطابه بأنه “نازي صرف”، وفق وسائل إعلام مجرية.

قال أوربان ضمن تلك التصريحات: “نحن على استعداد للاختلاط مع بعضنا البعض، لكننا لا نريد أن نصبح شعوبا مختلطة الأعراق”.

ورغم أن أوربان معروف بمعارضته للهجرة ورفضه استقبال المهاجرين، إلا أن خطابه الأخير “تجاوز الحدود” حتى بالنسبة لهيغدوس التي تربطها علاقة برئيس الوزراء القومي منذ 20 عاما، إذ أنه يذكّر برأي مراقبين بحقبة النازية التي يعتبرها الكثيرون في أوروبا نقطة سوداء في تاريخهم.

يشار إلى أن أوربان الذي ينتمي إلى حزب فيديس اليميني الشعبوي يحكم البلاد منذ عام 2010، حيث فاز بالانتخابات للمرة الرابعة على التوالي في وقت سابق من العام الحالي. ومنذ أزمة اللاجئين التي تفجرت عام 2015، استخدمت حكومته خطاب اليمين المتطرف ومعاداة الهجرة كمحور دعاية رئيسي.

وكغيره من زعماء اليمين المتطرف في أوروبا، يرى أوربان أن مشكلة الهجرة مرتبطة بشكل كبير بالثقافة المسيحية التي يقول إن الدفاع عنها أضحى “التزاما سياسيا”.

صعود تيار اليمين المتطرف الشعبوي في البلدان الأوروبية المشار إليها آنفا – وغيرها، كرومانيا والنمسا وإسبانيا – يمثل نمطا من التحول في الأفكار والآراء السياسية، والذي عادة ما يُعزى إلى تدفق أعداد كبير من المهاجرين على القارة الأوروبية. ويرى مراقبون أن وباء كورونا أسهم أيضا في ذلك الصعود، إذ نظم أنصار التيار في مظاهرات مناوئة للإغلاقات واللقاح المضاد لكوفيد-19، واتُهم باستغلال مشاعر الناس لتحقيق مكاسب سياسية.

ولكن بغض النظر عن الأسباب، فإن هذا الصعود أدى إلى تعميق الانقسامات في المجتمعات الأوروبية بين المعسكر “الليبرالي” والمعسكر المحافظ الذي يعارض أي شكل من أشكال التعددية ويسعى إلى الحفاظ على ما يعتبره قيما تقليدية ترسم ملامح هويته. وسوف تشكل نتيجة تلك الانقسامات، برأي مراقبين، مستقبل الهجرة إلى أوروبا، فضلا عن مستقبل الاقتصاد الأوروبي.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.