فيروس كورونا: ما سرُ الغموض المرتبط بتفشي الوباء في كوريا الشمالية؟
مرّت ثلاثة أسابيع على إعلان كوريا الشمالية عن أولى حالات الإصابة بكوفيد على أراضيها. ورغم إعلان السلطات عن احتواء الوباء، لا تزال التفاصيل يكتنفها الغموض.
وفي محاولة لكشف هذا الغموض، عكفت بي بي سي على جمع معلومات، وذلك عبر التحدث إلى أشخاص تمكنوا من التواصل مع آخرين يعيشون في كوريا الشمالية، فضلاً عن استخدام معلومات متاحة للعلن.
وتشير البيانات التي أعلنت عنها الحكومة الكورية الشمالية في خطوة غير مسبوقة، إلى أن الفيروس سجّل انتشارا سريعا بكل المحافظات في أنحاء البلاد.
أصوات من داخل كوريا الشمالية
من العاصمة الكورية الجنوبية سيول، يقول كيم هوانغ-سون الكوري الشمالي الهارب منذ عشر سنوات إن عائلته التي لا تزال تعيش في كوريا الشمالية تخبره عبر مكالمات هاتفية قصيرة أن “أناسا كثيرين للغاية مرضى بالحُمّى”.
يقول هوانغ-سون لبي بي سي: “بلغني أن الوضع سيء للغاية. وأن الناس يسألون بعضهم بعضا عن دواء أو عن أي شيء يخفف أعراض الحمى، لكن لا أحد بيده شيء”.
ولم يجرؤ هوانغ-سون على سؤال أفراد عائلته عن أعداد الوفيات، لأن ذلك يمكن النظر إليه باعتباره انتقادا للحكومة، وهو يخشى على حياة أفراد عائلته.
وبحسب ما أعلنته السلطات في كوريا الشمالية، أصيب حتى الآن 15 في المئة من سكان البلاد بـ “حمى” – هكذا تُشخّص الحالات في غياب وسائل الفحص.
وأقرّ الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ-أون بنقص الدواء، معطيًا أوامره للجيش بتوزيع مخزونه الاحتياطي.
ويقول هوانغ-سون إن المستشفيات والصيدليات في كوريا الشمالية لم تحصل على أدوية منذ سنوات. وإن الأطباء يصفون العلاج ويتركون أمر الحصول عليه للمريض سواء من شخص يبيعه بشكل مباشر من منزله، أو من سوق محلية.
يقول هوانغ-سون لبي بي سي: “إذا احتجت عقارا مخدرا لإجراء عملية جراحية، عليك أن تذهب إلى السوق وأن تُحضر العقار إلى المستشفى. لكن في الوقت الراهن، حتى البائعين في السوق ليس بحوزتهم أي شيء”.
ونقل هوانغ-سون عن أفراد عائلته في كوريا الشمالية القول: “الحكومة تنصحنا بغلي أوراق الصنوبر وشربها”. كما تنصح تقارير يبثّها التليفزيون الرسمي الناس بالغرغرة بالماء المُملّح في محاولة لتخفيف أعراض المرض.
وفي ذلك يقول ناجي شفيق، الذي يعمل منذ عام 2001 في قرى كوريا الشمالية ضمن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف): “ذلك هو ما يحدث عندما لا يجد الناس الدواء؛ يتحولون إلى الطب التقليدي”. ويستدرك شفيق قائلا: “ثمة بعض الأدوية، ولكنها قليلة. بل نادرة”.
وتستورد كوريا الشمالية كل أدويتها تقريبا من الصين. وقد حال إغلاق الحدود خلال العامين الأخيرين دون دخول هذه الأدوية.
إغلاقات شاملة
فرضت الحكومة الكورية الشمالية إغلاقا شاملا في يوم الإعلان عن تفشي الفيروس. وقد أثار ذلك مخاوف من عدم قدرة الناس على تأمين غذاء، وقد يتضورون جوعا. لكن البعض على الأقل لا يزال يبدو قادرا على الخروج من منزله والذهاب للعمل وللمزرعة.
وفي صور التُقطت عبر الحدود من كوريا الجنوبية ونشرها موقع إن كي نيوز الإخباري، يظهر عمّال زراعيون كوريون شماليون في الحقول في الأيام التالية لفرض الإغلاق.
لكن في الأماكن التي تشهد ارتفاعا في معدلات العدوى، بما في ذلك العاصمة بيونغ يانغ، تفيد تقارير بأن الناس ممنوعون من الخروج من منازلهم.
يقول لي سانغ-يونغ الذي يدير موقع ديلي إن كي من العاصمة الكورية الجنوبية ولديه شبكة من المصادر داخل كوريا الشمالية، إن الناس في منطقة هييسان على الحدود الصينية لم يكن يُسمح لهم بمغادرة منازلهم لمدة عشرة أيام في مايو/أيار.
وينقل سانغ-يونغ عن مصادره، أنه عندما رُفع قرار الإغلاق، عُثر على أكثر من عشرة أشخاص منهارين داخل منازلهم إعياءً من جرّاء نقص الغذاء.
وحتى الآن، أعلنت السلطات في كوريا الشمالية عن وفاة 70 شخصا فقط، بما يضع معدل الوفيات من جرّاء كوفيد في كوريا الشمالية عند 0.002% – أقل معدّل حول العالم.
ويقول مارتن وليامز، الذي يتتبع بيانات منصة 38 نورث لتحليل البيانات: “في بلد يعاني ضعفا في نظامه الصحي، حيث لا أحد تلقى لقاحا، فإن هذه الأرقام لا تعني شيئا”.
ويشير وليامز إلى مفارقة أخرى، وهو وصول عدد الوفيات إلى قمته بينما كانت إعداد الإصابات تتزايد.
وفي ذلك يقول وليامز: “نعلم أن وفيات كوفيد-19 تميل إلى أن تقع بعد الإصابات بنحو أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع. وعليه، فنحن نعرف أن هذه الأرقام غير صحيحة، لكننا لا نعرف السبب”.
ويعتقد وليامز أنه في ظل تزوير التقارير على مستوى الوطن، ربما لا يرغب مسؤولون بقطاعات الصحة المحلية في الإفصاح عن عدد الوفيات، وذلك خوفا من العقاب.
مساعدات دولية
خلال الأسبوع المنصرم، تراجعت الأعداد المعلنة عن إصابات في كوريا الشمالية، كما ادعت صحيفة مملوكة للدولة في افتتاحية لها أن السلطات تمكنت من “مكافحة الفيروس والسيطرة على انتشاره”.
وتقول منظمة اليونيسيف إن فريقها المحلي في كوريا الشمالية قد عاد الآن للعمل من مكتبه في بيونغ يانغ بعد رفع الإغلاق.
وفي إفادة لمنظمة الصحة العالمية يوم الأربعاء، قال مايك رايان مدير الطوارئ بالمنظمة، إنه يخشى من تردّي الموقف في كوريا الشمالية التي لا تتيح السلطات فيها إمكانية الوصول إلى أرقام، مما “يجعل من الصعب للغاية إعطاء العالم تقييمًا مناسبا للأوضاع”.
وقال رايان إن منظمة الصحة العالمية قد عرضت أكثر من مرة تقديم لقاحات ومساعدات لكوريا الشمالية، لكنها في المقابل تبدو معتمدة تماما على جارتها الصين في هذا الخصوص.
وتشير بيانات الجمارك الصينية إلى أن واردات كوريا الشمالية من الصين تضاعفت خلال الفترة من مارس/آذار إلى أبريل/نيسان.
وشهدت الواردات الكورية الشمالية زيادة مطّردة خلال العام الفائت بعد إغلاق لحدود البلاد استمر عامين. لكن الشهرين الأخيرين شهدا زيادة مفاجئة في واردات بيونغ يانغ من الأدوية.
وفي أبريل/نيسان، استوردت كوريا الشمالية من الصين نحو ألف جهاز تنفس صناعي – وهي أول دفعة منذ بدأ الوباء، وفقًا لبيانات الجمارك الصينية.
ونقلا عن مسؤول حكومي كوري جنوبي، بعثت كوريا الشمالية ثلاث طائرات شحن إلى الصين لنقل مساعدات يوم 17 مايو/أيار.
وأظهرت صور التقطتها الأقمار الاصطناعية يوم 24 مايو/أيار ثلاث طائرات شحن تابعة لشركة طيران كوريو (المملوكة للدولة) في مطار بيونغ يانغ تتشابه في أبعادها مع ثلاث طائرات شوهدت في مطار شنيانغ في الصين قبل أيام قليلة.
وقال مصدر لبي بي سي، إن شحنة كبيرة من الأدوات الطبية وصلت بحرًا إلى ميناء نامبو جنوبي العاصمة بيونغ يانغ يوم 13 مايو/أيار.
وحصلت بي بي سي على صور ملتقطة عبر الأقمار الاصطناعية يوم 15 مايو/أيار تكشف عن وجود عدد كبير من السفن في ميناء نامبو، لكن تعذّر التعرّف على الوجهة التي انطلقت منها هذه السفن، وعلى ما تحمله تلك السفن وذلك بسبب تعطيل أجهزة التتبع الملاحية بها.
Comments are closed.