الإجهاض: ما الذي نعرفه عن الوثيقة المسربة في الولايات المتحدة وما هي تبعات ما حدث؟
أثارت تسريبات تشير إلى أن المحكمة الأمريكية العليا قد تلغي قرارا أصدرته عام 1973 يحمي حق النساء في الإجهاض، احتجاجات من قبل مؤيدي حق المرأة في الاختيار وأولئك المعادين لحق الاجهاض، أو من يعرفون بـ “مؤيدي الحياة”.
وأظهرت الوثيقة المسربة، التي نشرها موقع بوليتيكو الأمريكي، وكتبتها قاضي المحكمة العليا المحافظ صموئيل أليتو، أنه يعتبر أن الحكم الذي أصدرته المحكمة في عام 1973 في القضية المعروفة بقضية “رو ضد ويد” مثل “خطأ فاضحا” يجب رده.
وتتم في الوقت الحاضر مراجعة ذلك الحكم في قضية أخرى تتعلق بولاية ميسيسيببي ينظر فيها حاليا في المحكمة العليا.
ومن المنتظر ان تصدر المحكمة قرارها المتعلق بالحكم الصادر عام 1973 في يوليو/تموز المقبل. وفي حال قررت المحكمة إلغاء الحكم، سيصبح الإجهاض غير قانوني في 22 من ولايات الاتحاد بشكل فوري.
فما الذي قد يحصل لاحقا؟
ما الذي تم تسريبه؟
حسب ما نشره موقع بوليتيكو يوم الاثنين، فإن القاضي أليتو دوّن “رفضا قاطعا لا عودة عنه” لحق الإجهاض، وذلك في مسودة رأي، تهدف إلى تبرير قرار المحكمة برد القرار.
وحسب ما جاءت به بوليتيكو، فإن القاضي أليتو كتب بأن “رو (أي حكم رو ضد ويد) “كان خطأ فاضحا منذ البداية”.
وأضاف القاضي أليتو في المسودة المسربة، “علينا العودة إلى الدستور، وإعادة مسألة الإجهاض إلى ممثلي الشعب المنتخبين.”
وتأتي هذه التسريبات غير المسبوقة في تاريخ المحكمة الأمريكية العليا كصدمة كبيرة، إذ أنها تشير إلى احتمال أن تقوم أغلبية القضاة بقلب الأحكام السابقة التي أصدرتها المخكمة في موضوع الإجهاض
وتشير التقارير إلى أن أربعة قضاة آخرين قرروا التصويت إلى جانب أليتو، وهم كلارينس ثوماس ونيل غورساتس وبريت كافانا وإيمي كوني باريت.
وكل هؤلاء عينوا من قبل الحزب الجمهوري. ولم تتضح إلى الآن كيفية تصويت القاضي السادس جون روبرتس – المعين من قبل الجمهوريين أيضا.
وتقول بوليتيكو إن ثلاثة من القضاة الذين عينهم الديمقراطيون – وهم ستيفن براير وسونيا سوتومايور وإلينا كاغان – يعكفون على تحرير نص مخالف.
من هو صموئيل أليتو؟
القاضي صموئيل أليتو هو واحد من ستة قضاة رشحهم رؤساء جمهوريون لعضوية المحكمة الأمريكية العليا.
وأليتو محام وقاض سابق في ولاية نيو جيرسي، ورشح من قبل الرئيس السابق جورج بوش الابن لعضوية المحكمة العليا في 2005.
وكان بوش قد وصف أليتو، وهو من خريجي جامعتي ييل وبرينستون، بأنه “عادل وصاحب فكر ومبادئ.”
ويعد أليتو واحدا من أكثر القضاة محافظة في المحكمة العليا الأمريكية.
فهو من أقوى المنتقدين لزواج المثليين، وكان قد هاجم بشدة قوانين حقوق الإنجاب، وقال، في مؤتمر للمحافظين عقد في نوفمبر / تشرين الثاني 2020 إن الاجراءات المتخذة لمكافحة وباء كوفيد تمثل تهديدا لحرية التعبير وحرية العبادة.
وشكك كثيرون من منتقديه في حياديته.
وكان الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، الذي كان عضوا في مجلس الشيوخ عند ترشيح أليتو، وصوّت ضد الترشيح، قد قال “إن أليتو برهن دائما أنه يقف إلى جانب الأقوياء ضد المستضعفين.”
وأضاف في حينه، “إذا كانت هناك قضية تتعلق بموظف ورب عمله، ولم تدل المحكمة العليا برأي في الموضوع، فسيقضي أليتو لصالح رب العمل حتما.”
معلقا “لقد شاهدت توجها ثابتا من جانب القاضي أليتو يخالف الدور التقليدي الذي ينبغي أن تقوم به المحكمة العليا باعتبارها صرح المساواة والعدالة للمواطن الأمريكي.”
ما هو حكم رو ضد ويد؟
“رو ضد ويد” هي القضية التي نجم عنها إصدار قرار المحكمة العليا الأمريكية بمنح النساء حق الإجهاض في كافة الولايات المتحدة.
ودارت القضية حول سيدة تدعى نورما مكورفي – والتي سميت بجين رو – كانت حبلى بطفلها الثالث في عام 1969.
كانت مكورفي ترغب في اجهاض طفلها، ولكن القوانين التي كان معمولا بها في ولاية تكساس التي كانت تقيم قبها، كانت تحظر هذا الأمر، ما حدا بها إلى إقامة دعوى قضائية ضد المدعي العام المحلي المدعو هنري ويد.
وكان لقرار المحكمة أن منَح للنسوة الحق المطلق في الإجهاض في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل.
وعلى الرغم من هذا القرار، سعى مشرعون في عدد من الولايات الأمريكية المحافظة إلى إصدار قوانين من شأنها وضع عوائق تقيد قدرة النساء على الحصول على الإجهاض.
وفي عام 1992، حكمت المحكمة العليا بأنه ليس من حق الولايات وضع “قيود غير محتملة” على النسوة اللواتي يسعين للحصول على الإجهاض, قبل مرور 24 أسبوعا من الحمل، وهي الفترة التي يصبح الجنين بعدها قادرا على العيش خارج الرحم.
كيف يتم تحدي هذه القرارات في المحاكم؟
يتعرض الحكمان لمحاولات للنقض من جانب قانون سار في ولاية ميسيسبي يحظر الإجهاض بعد الأسابيع الـ 15 الأولى من الحمل، بما في ذلك الحمل الناتج عن الاغتصاب والعلاقات الجنسية بين الأقارب من الدرجة الأولى.
صدّق على هذا القانون في عام 2018، ولكنه لم يطبق نظرا لطعن تقدمت به منظمة جاكسون لصحة المرأة.
وتطالب ولاية ميسيسبي بنقض حكم رو ضد ويد ومعه حق النساء الدستوري في الإجهاض في الولايات المتحدة.
وإذا نجحت ولاية ميسيسبي في مسعاها، سيشجع ذلك ولايات محافظة أخرى على التحرك بسرعة لوضع شروط أقسى للإجهاض، قد تشمل منعا شاملا حتى قبل مرور مدة 24 أسبوعا التي يكون الجنين بعدها قادرا على الحياة خارج الرحم.
فولاية تكساس على سبيل المثال سنت قانونا يحظر الإجهاض حال التمكن من سماع ضربات قلب الجنين، وهو موعد قد يسبق معرفة الكثير من النسوة أنهن حوامل أساسا.
ويقول مراسل بي بي سي في أمريكا الشمالية أنتوني زورشر إن من شأن ذلك جعل الإجهاض غير قانوني في 22 من الولايات الأمريكية.
وفي عام 2021 لوحده، تم سن أكثر من 600 قانون مقيد للإجهاض في أرجاء الولايات المتحدة دخل 90 منها حيز التنفيذ – وهو عدد فاق ما تم إصداره في أي سنة منذ صدور حكم رو ضد ويد.
“صراع سياسي”
يقول زورشر إن الجدل حول قانونية الإجهاض قد يتحول إلى معركة سياسيبة حامية الوطيس، في فترة تستعد فيها البلاد لخوض الانتخابات النصفية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
ويؤكد أن “المعارك السياسية وتسريب وثيقة مهمة قد “تهشم” سمعة المحكمة العليا.”
وبحسب زورشر فإنه بينما لا يزال تأثير هذا الموضوع على شرعية النظام القضائي الأمريكية غير معروف، يبدو أن التعاضد الكبير الذي كان سائدا بين أعضاء المحكمة العليا قد تبخر.
يضيف: “في زمن تكسرت فيه المعايير السياسية كقطع الفخار في زلزال، يبدو أن قطعة كبيرة أخرى قد تهشمت.”
وكانت القاضية سوتومايور قد حذرت خلال المرافعات التي جرت ضمن قضية ميسيسيبي في ديسمبر/ كانون الأول الماضي من تسييس المحكمة.
وخلال مرافعتها سألت سوتومايور زملاءها في المحكمة، “هل يمكن لهذه المؤسسة أن تبقى على قيد الحياة رغم هذه الفضيحة السياسية التي تضرب بتصور الجمهور للدستور؟ لا أرى أن هذا ممكن.”
ما الفئات التي ستكون أكثر تأثرا في حال فرض مزيد من القيود على الإجهاض؟
مما لا شك فيه أن تقييد حق الحصول على الإجهاض سيؤثر على النسوة الفقيرات بشكل أساسي – وهن النسوة اللواتي قد يكن الأكثر حاجة للقيام بالإجهاض بالأساس.
وستتأثر النسوة السوداوات وذوات الأصول الإسبانية بهذه القرارات بشكل خاص، إذ أن 61 في المئة من اللواتي يخضعن للإجهاض في الولايات المتحدة ينتمين إلى أقليات عرقية.
وتشمل هذه الفئة النساء في العقد الثاني من عمرهن بشكل محدد، إذ كانت هذه الفئة تشكل 57 في المئة من اللواتي خضعن لعمليات إجهاض في الولايات المتحدة في عام 2019.
وحسب بيانات مركز الولايات المتحدة للسيطرة على الأوبئة والأمراض، شهدت البلاد 630 ألف حالة إجهاض عام 2019، وهو تراجع بنسبة 18 في المئة مقارنة بعام 2010.
وبعد نشر الوثائق المسربة، تظاهر العديد من “مؤيدي الاختيار” والمعادين للإجهاض “مؤيدي الحياة” خارج مقر المحكمة العليا في العاصمة الأمريكية واشنطن.
وبينما هتف المؤيدون للقرار المسرب بوجوب التخلص من حكم رو ضد ويد، هتف معارضون لهم “ما أفعله بجسدي عائد لي”.
وقالت إيما هويسنر، وهي احدى المحتجات، إنها “متحمسة جدا لكونها مع الحياة (أي ضد الإجهاض) وإنها شاركت في المظاهرة “ليكون لها دور في التاريخ.”
وأضافت “هذا أمر مهم، فقد تم تسريب وثائق المحكمة العليا لرؤية نقض رو ضد ويد.”
أما المرشحة الديمقراطية لمجلس النواب ويندي هاميلتون، وهي من السلك الكهنوتي، فقالت إنها مصممة على الدفاع عن حق النساء في اختيار ما إذا كن يرغبن بالإجهاض أم لا.
“لن ينجحوا فيما يسعون إليه..لن ينجحوا في فعل ذلك لأمريكا… عددنا أكبر منهم، ونحن مصممون على القتال،” رددت بعزم.
Comments are closed.