روسيا وأوكرانيا: ما الذي جناه نائب رئيس مجلس السيادة السوداني من زيارته إلى موسكو؟
في الوقت الذي كان كثيرون يحاولون الخروج من موسكو، قبل ساعات من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، حطت طائرة في العاصمة الروسية تحمل على متنها نائب رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق محمد حمدان دقلو الشهير بـ (حميدتي) وبرفقته وفد وزاري رفيع، يضم وزراء المالية والطاقة والزراعة وممثل عن رجال الأعمال السودانيين.
“زيارة ناجحة”
وبعد ساعات من وصوله، ومع انطلاق الغزو الروسي لأوكرانيا، أدلى دقلو بتصريح لوسائل إعلام روسية قال فيه إن من حق روسيا الدفاع عن أراضيها وشعبها، لينطلق بعدها في عقد سلسلة من اللقاءات مع مسؤولين روس، من بينهم وزير الخارجية سيرغي لافروف ونائب رئيس الوزراء ونائب وزير الدفاع.
ثمانية أيام أمضاها دقلو في موسكو ليعود بعدها إلى الخرطوم، ويصف في مؤتمر صحفي عقده لدى وصوله إلى مطار عاصمة بلاده الزياة بأنها “ناجحة”وحققت الغرض المرتجى منها.
وعندما سأله الصحفيون عن أهم الفوائد الاقتصادية التي جناها السودان من الزيارة، اكتفى بالقول إن الروس مستعدون للاستثمار في السودان. وأضاف “المشكلة فينا نحن السودانيين وعلينا تحسين بيئة الاستثمار لتشجيع الروس وغيرهم للاستثمار عندنا”.
“غير موفقة”
في واقع الأمر، لم يتم توقيع أي اتفاق تجاري أو استثماري بين الجانبين خلال الزيارة، وإنما اقتصر الأمور على وعود من الجانب الروسي بتفعيل اللجان الوزارية المشتركة.
في هذا الصدد يقول الخبير الاقتصادي طاهر المعتصم في تصريح لبي بي سي إن زيارة حميدتي إلى روسيا لم تحقق أي فائدة اقتصادية للسودان. بل يضيف أن الزيارة وتوقيتها سيؤثران سلبا في الأوضاع الاقتصادية والسياسية في السودان مستقبلا.
يبرر المعتصم تقييمه هذا بأن “روسيا الآن في أضعف حالاتها بعد العقوبات الشديدة من أمريكا والغرب عليها، وبالتالي لا يمكنها أن تقدم مساعدة لأي دولة، وهي في الأساس لا تفعل ذلك”.
ويؤكد “كان الجميع يتوقع – مثلا- اتفاقية لتوريد القمح للسودان، وحتى هذه لم تحدث.. أعتقد وبكل المقاييس أن زيارة حميدتي إلى موسكو في هذا الظرف غير موفقة إطلاقا “.
“بحث عن ملاذ آخر”
منذ أكتوبر/ تشرين أول الماضي يدير البلاد مجلس عسكري، بعد أن أطاح قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان بحكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في خطوة قوبلت برفض شعبي وإدانة دولية، خاصة من الدول الغربية وواشنطن.
وقد أوقفت تلك الدول مساعدات مالية تقدر بمليارات الدولارات كانت قد تعهدت بتقديمها للسودان لمساعدته على الخروج بشكل سلس من المرحلة الانتقالية التي شهدها بعد الإطاحة بنظام عمر البشير في أبريل/نيسان 2019.
- البنك الدولي يعلق مساعدات للسودان بعد سيطرة الجيش على السلطة
- ماذا خسر السودان اقتصاديا بسبب انقلاب البرهان؟
ورأى كثيرون في زيارة حميدتي إلى موسكو وتصريحاته المثيرة للجدل، محاولة لحشد الدعم من روسيا، وإنقاذ الوضع الاقتصادي المتردي في ظل استمرار انخفاض سعر صرف العملة المحلية مقابل العملات الصعبة.
ووصف تجمع المهنيين السودانيين، الذي ينظم الاحتجاجات المناهضة للانقلاب العسكري، الزيارة بغير الواقعية، قائلا إنها ستعيد السودان إلى سنوات العزلة، وذلك في إشارة إلى سنوات الرئيس المعزول عمر البشير التي كانت الخرطوم تعيش -خلالها- تحت صنوف من العقوبات الدولية الصارمة والقاسية.
“سوء تقدير”
بدوره يجادل “حميدتي” بأن زيارته كانت مرتبة سلفا، وأنه لم يسعَ إلى البحث عن منحة. ويؤكد “نحن في السودان لسنا بحاجة إلى منح.. البلد فيها خير كثير لو تم استغلالها بشكل أفضل.. ذهبنا من أجل توقيع الشراكات مع واحدة من أقوى دول العالم”.
لكن المحللة الاقتصادية سمية سيد ترى أن تقديرات دقلو كانت خاطئة جدا، إذ توضح لبي بي سي أن “روسيا اليوم في أمس الحاجة للمساعدات.. انخفضت قيمة الروبل بشكلٍ متسارع وهناك ضغوط اقتصادية رهيبة عليها. ليس من الحصافة البحث عن شراكات في الوقت الحالي مع موسكو وخاصة أن غبار الحرب لا يزال يغطي الأجواء ولا يُعرَف إلى أين تتجه الأمور”.
“قاعدة روسية”
في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي وافقت الحكومة السودانية على إقامة قاعدة عسكرية روسية في منطقة فلمنجو الاستراتيجية على ساحل البحر الأحمر. وشرع الروس فعليا في عمليات إنشاء القاعدة بعد موافقة رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين على المشروع “للحفاظ على السلم والاستقرار الإقليمي”.
غير أن المشروع توقف دون سابق إنذار، وإن كانت تقارير تحدثت عن أن حكومة رئيس الوزراء المقال عبد الله حمدوك كانت متحفظة عليه، وترى أن الأمر يجب أن يترك لحكومة منتخبة.
ويبدو أن لحميدتي أو المجلس العسكري الحالي رأيا مختلفا ، فقد أكد نائب رئيس المجلس العسكري أن من حق السودان الاستفادة من موقع البحر الأحمر الاستراتيجي.
وليس من الواضح ما إذا كانت الاتفاقيات العسكرية التي وقعها “حميدتي” مع العسكريين الروس، خلال زيارته الأخيرة، مرتبطة بالقاعدة. إلا أن حميدتي قال إن من حق روسيا إقامة قاعدة عسكرية فيها إذا كان في مصلحة السودانيين، إلا أنه عاد واستدرك قائلا “هذه القضية يجب أن يقرر فيها وزير الدفاع لوقوعه ضمان صلاحياته”.
Comments are closed.