لماذا تستضيف الجزائر حوار الفصائل الفلسطينية، وما فرص نجاحه؟
بعد سنوات مما بدا ركودا شاب الدبلوماسية الجزائرية، يبدو أن حكومة الرئيس عبد المجيد تبون تريد أن تلعب دورا أكثر نشاطا في قضايا عربية وإقليمية.
وقد استهلت ذلك الدور العام الماضي باستضافة اجتماع “دول الجوار” لبحث حل للأزمة الليبية، ثم دخلت على خط أزمة سد النهضة الناشبة بين إثيوبيا من جهة ومصر والسودان من جهة أخرى.
ومؤخرا، أبدت الجزائر انخراطا نشطا في الملف الفلسطيني، حيث استقبلت الرئيس محمود عباس وقدمت منحة مالية للسلطة الفلسطينية الشهر الماضي، وها هي الآن تستضيف حوارا جامعا للفصائل الفلسطينية، التي وصلت وفودها بالفعل إلى العاصمة الجزائرية.
فما أسباب دخولها على خط الملف الفلسطيني، وما فرص نجاح وساطتها؟
دعم مستمر
العلاقات الجزائرية الفلسطينية قديمة ومترسخة منذ زمن بعيد، ويعتبر دعم القضية الفلسطينية منذ وقت بعيد من الثوابت الجزائرية على المستويين الرسمي والشعبي.
تقول الدكتورة داليا غانم الخبيرة في الشأن الجزائري بمركز كارنيغي إن الجزائر “لطالما ساعدت الفلسطينيين سواء على الصعيد الدبلوماسي، أو على الصعيد الاقتصادي، من خلال تقديم ملايين الدولارات كل عام. ففي عام 2021 على سبيل المثال، تعهدت بمنح فلسطين 100 مليون دولار أمريكي، ومن ثم يأتي قرار استضافة الفصائل الفلسطينية استمرارا لهذا الدعم”.
وقد سبق واستضافت الجزائر فصائل فلسطينية على أراضيها، وعلى رأسها حركة فتح، كما أن لها تاريخا من احتضان المؤتمرات الفلسطينية، ومن أبرزها ذلك الذي أفضى إلى إعلان استقلال دولة فلسطين من قبل منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1988.
لكن بعض المراقبين تحدثوا عن بعض العوامل الملحة التي ربما أدت إلى اضطلاع الجزائر بهذا الدور الدبلوماسي النشط في القضية الفلسطينية، نظرا للتوقيت الذي جاء فيه.
ما الذي يميز اتفاق التطبيع بين المغرب وإسرائيل؟
رد على التقارب المغربي-الإسرائيلي؟
استؤنفت العلاقات بين الرباط وتل أبيب في أواخر عام 2020، في أعقاب القرار الأمريكي بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، في حين أن الجزائر تدعم جبهة البوليساريو التي تنادي بحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.
وتم منذ ذلك الحين توقيع 12 اتفاقا بين المغرب وإسرائيل، أهمها اتفاق أمني عسكري غير مسبوق عربيا خلال زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس إلى الرباط في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وهي الزيارة التي اعتبرت الجزائر أنها “هي المقصودة” منها، كما جاء على لسان رئيس مجلس الأمة الجزائري صلاح قوجيل.
وفي حين لا ترى الدكتورة داليا غانم علاقة بين التقارب المغربي-الإسرائيلي والانخراط الجزائري النشط مؤخرا في الملف الفلسطيني، يقول ريكاردو فابياني مدير مشروع شمال أفريقيا بمجموعة الأزمات الدولية إن سبب ذلك الانخراط يعود في الغالب إلى ما وصفه بالتحالف الوليد بين المغرب وإسرائيل، وتنامي التوترات بين الرباط والجزائر.
ويضيف:”من وجهة نظر الجزائر، روابط المغرب الوثيقة بإسرائيل تشكل خطرا على أمنها القومي، وتعتقد السلطات الجزائرية أن المغرب أصبحت موطئ قدم لإسرائيل في شمال أفريقيا، وأنه على المدى الطويل، سيؤدي هذا التحالف إلى قلب ميزان القوى بين البلدين لصالح الرباط. في هذا السياق، سعت الجزائر إلى تعزيز علاقاتها مع الفصائل الفلسطينية لموازنة الوجود الإسرائيلي في المنطقة، ولتذكير الإسرائيليين بأنها تستطيع أيضا أن تكون شوكة في خاصرتهم”.
“مساحة مزدحمة”
تحدث مراقبون عن أن مبادرة الرئيس تبون لدعوة الفصائل الفلسطينية لحوار وطني برعاية مباشرة منه ربما لن تروق لدول أخرى كمصر والسعودية وقطر التي لعبت في السابق دور الوساطة بين تلك الفصائل.
لا يرجح فابياني أن ترحب القاهرة على وجه الخصوص بمشاركة الجزائر في الملف الفلسطيني ” لأنها من المحتمل أن تضعف نفوذها في القضية، ولكن السؤال الحقيقي هو كيف ستتمكن الجزائر من إيجاد دور لها في هذه المساحة المزدحمة (والضيقة)، إلا إذا كانت مستعدة للتعهد بتكريس موارد ضخمة لقضية هي في نهاية المطاف على هامش مصالحها الرئيسية”.
أما مدير مركز التقدم للدراسات في لندن محمد المشارقة فيرى أن مصر غير قلقة من الدور الجزائري. فحسب رأيه، “العاصمة الوحيدة التي تعرف تفاصيل الملف الفلسطيني كافة هي القاهرة”، وبالتالي هي تدرك تماما أن كل هذه الجهود لا تؤثر على دورها في الملف الفلسطيني.
ويضيف المحلل الفلسطيني أن مصر تعي أنه إذا توفرت عوامل الاتفاق، فإن الفصائل الفلسطينية “تعلم أن العنوان الحقيقي لعقد اتفاق هو القاهرة”.
جدير بالذكر أن الوساطة المصرية بين الفصائل الفلسطينية أسفرت عن توقيع الفصائل “اتفاقية الوفاق الفلسطيني” عام 2011، وتوقيع حركتي حماس وفتح اتفاقا للمصالحة عام 2017 في القاهرة، ولكن الاتفاقين لم يسفرا عن رأب الصدع في البيت الفلسطيني.
عزلة حماس في تزايد بعد القرار البريطاني بحظرها
قمة عربية مهمة
استضافة الجزائر للحوار الجامع للفصائل الفلسطينية تأتي قبيل القمة العربية المزمعة في مارس/آذار القادم، والتي أعلنت أن القضية الفلسطينية ستكون على قمة جدول أعمالها. فقد أوضح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أن القمة ستسعى إلى تجديد الالتزام الجماعي العربي تجاه القضية الفلسطينية، وتأكيد التزام الدول بمبادرة السلام العربية التي أطلقها العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز في عام 2002.
وتسعى الجزائر للحصول على الدعم المصري في إنجاح القمة العربية، حيث من المقرر أن يزور تبون القاهرة في وقت لاحق هذا الشهر للقاء نظيره عبد الفتاح السيسي.
ويرى محللون أن ذلك يأتي وسط تخوف جزائري من فشل القمة وسط التوترات القائمة بينها وبين المغرب، ووسط مؤشرات على احتمال أن يكون التمثيل الخليجي هزيلا بسبب وجود معارضة من بعض البلدان الخليجية لعودة سوريا إلى الحاضنة العربية وحضورها القمة.
وربما يتجلى ذلك التخوف في المساعي الدبلوماسية الأخيرة لوزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة الذي زار كلا من مصر والسعودية، واتصل هاتفيا بنظيره القطري محمد عبد الرحمن آل ثاني.
وكان لعمامرة قد صرح في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بأن “الذين يسعون لتقويض القمة العربية إن فشلوا في مسعاهم سيعملون على أن يكون التمثيل هزيلا”.
ويرى محللون أن تنظيم القمة العربية يشكل أهمية كبيرة للرئيس تبون، الذي يسعى لاستثمارها شعبيا، ولتأكيد مكانة الجزائر بقيادته على الصعيدين العربي والإقليمي، بعد أن وجهت لبلاده انتقادات بسبب تراجع دورها في قضايا إقليمية كالصراع في ليبيا على سبيل المثال، لصالح قوى أخرى كفرنسا وروسيا وإيطاليا وتركيا.
ويقول المحلل الفلسطيني محمد المشارقة إن الجزائر على ما يبدو “تريد أن تعزز مكانها في المشهد الإقليمي العربي من البوابة الفلسطينية”.
هل تعود سوريا لحضن الجامعة العربية؟
فرص النجاح
ردود فعل الفصائل الفلسطينية التي وصلت وفود ستة منها إلى الجزائر بالفعل خلال الأيام القليلة الماضية جاءت مرحبة بالمبادرة الجزائرية ومعلنة عن استعداها للانخراط في حوار يفضي إلى إنهاء الانقسام.
لكن التصريحات الإعلامية الإيجابية شابتها مواقف ورؤى قد تشكل حجر عثرة أمام تحقيق المصالحة.
فبحسب تصريحات لمسؤولين في حماس، تتمثل رؤية الحركة للحل في إعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية وإجراء انتخابات شاملة، مع رفض أي اشتراطات مسبقة للحوار.
في مقابل ذلك، تشير تقارير إعلامية إلى أن حركة فتح متمسكة بشرط تشكيل حكومة وحدة وطنية وفق قرارات الشرعية الدولية، ما يعني موافقة حماس على كافة القرارات ذات الصلة، بما فيها اتفاقية أوسلو، كخطوة أولى يتم بعدها إجراء انتخابات.
لا يخفي المحلل الفلسطيني المقيم في لندن محمد المشارقة تشاؤمه لدى الحديث عن فرص نجاح المبادرة الجزائرية في الوصول إلى المصالحة. ويؤكد أنه بصرف النظر عن الدوافع الجزائرية من دعوة الفصائل الفلسطينية، “لا أمل كبير من جدوى هذه اللقاءات”.
ويعزو المشارقة ذلك إلى أن الانقسام الفلسطيني الحالي أصبح “عاملا ثابتا” في المشهد الفلسطيني.
ويؤكد أن الجزائر تدرك صعوبة تحقيق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، في ضوء عمق الخلافات بينها وفشل التجارب العديدة السابقة للحوار، وهو ما انعكس برأيه في “خفض الحكومة الجزائرية لسقف توقعاتها” وقرارها عقد لقاءات مع الفصائل كل على حدة، قد تفضي في حال نجاحها إلى مؤتمر للمصالحة.
“القضية الفلسطينية قضية لها عمق كبير في الوعي الجزائري والجزائر تمتلك فهما عميقا لها، وهي التي طالما فتحت أبوابها لكل الفصائل الفلسطينية، لكنها تدرك حدود هذه المبادرة”.
بيد أن الدكتورة داليا غانم من مركز كارنيغي تبدو أكثر تفاؤلا.
فعلى الرغم من أنها صرحت لبي بي سي بأنها لا تستطيع أن تتوقع نجاح المبادرة الجزائرية من عدمه، لكنها أضافت أن الجزائر لها سجل جيد في الوساطة – على سبيل المثال ما بذلته من جهد كبير مع الفرقاء السياسيين في مالي من قبل.
كما أنها “دولة تريد أن تعود إلى الساحة الدولية والإقليمية، وسوف تلعب بأفضل ما لديها من أوراق في سبيل تحقيق ذلك”.
Comments are closed.