الانتحار: السبب الرابع للوفاة بين اليافعين ومصر الأولى عربيا
ضحاياه يقدرون بنحو 700 ألف شخص حول العالم كل عام، وشخص واحد يفقد حياته، بسببه كل ثانية، وذلك بحسب منظمة الصحة العالمية.
هل يمكنكم التخمين عما نتحدث ؟ هؤلاء ليسوا ضحايا وباء فتاك ولا حرب ضروس وإنما أشخاص وقعوا فريسة للانتحار.
عناوين الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي في مختلف الدول العربية تكشف عن تنامى ظاهرة الانتحار بشكل كبير خاصة بين اليافعين.
ففي الشهور القليلة الماضية شاهدنا مقطعا مصورا لطالبة في كلية طب الأسنان تنتحر داخل مركز تجاري بمصر، ثم قرأنا عن شابين جامعيين ينتحران داخل فندق في الإسكندرية شمال البلاد، كذلك تابعنا أخبار من ألقى بنفسه في النيل بعد ترك رسالة غامضة لأبيه، فضلا عن من ألقى بنفسه تحت عجلات القطار.
في الأردن أيضا تداولت المواقع الإلكترونية أخبار حوادث مشابهة، ففي يوم واحد من شهر سبتمبر / أيلول الماضي، راح خمسة من الشباب ضحية الانتحار.
الأخبار نفسها يمكن متابعتها في المغرب ولبنان والعراق، والقاسم المشترك بين كل هذه الأخبار هو عمر المقبلين على الانتحار ومعظمهم بين 18-25 عاما.
الانتحار في أرقام
تحصر إحصاءات منظمة الصحة العالمية فقط عدد من انتحروا بالفعل ، في حين يتجاوز عدد المحاولات الفاشلة هذا الرقم بكثير.
وبحسب المنظمة، يعد الانتحار رابع سبب للوفاة بين اليافعين من الفئة العمرية بين 15 – 19 عاما.
وتحل مصر في المرتبة الأولى عربيا من ناحية معدلات الانتحار، متفوقة في ذلك على دول تشهد نزاعات مسلحة وحروبا أهلية. وتليها السودان ثم اليمن فالجزائر.
ففي عام 2019، انتحر في مصر وحدها 3022 شخصا، بحسب إحصاءات المنظمة.
وتشكك المؤسسات الحكومية المصرية في هذه الأرقام وتصفها بالتقديرات غير الدقيقة، لكنها لا تنفى الظاهرة.
فمركز البحوث الاجتماعية والجنائية أصدر تقريرا في عام 2020 أشار فيه إلى أن معدل الانتحار لا يتجاوز 1.29شخصا لكل 100 ألف نسمة خلال عام 2018 .
ورصد التقرير انتشار الانتحار بين سكان الريف وليس فقط سكان المدن المكتظة.
الدراسة أم الحياة؟
تواصلت مع مركز البحوث الاجتماعية والجنائية لسؤاله عن تفاصيل التقرير وأسباب الظاهرة بشكل عام، لكنهم رفضوا التعليق.
لكن الدكتورة هالة حماد استشاري نفسي للأطفال و المراهقين عزت تنامي ظاهرة الانتحار بين اليافعين المصريين والعرب عموما إلى اطلاع الجيل الأصغر من اليافعين على مواقع إلكترونية تشجعهم على التفكير في الانتحار وتقدم لهم معلومات وتجارب لمجايليهم في دول أخرى.
كما أشارت حماد إلى الضغوط التي تضعها الأسر على المراهقين لتحصيل درجات دراسية أفضل للحصول على وظائف مرموقة في المستقبل. فضلا عن الخوف المبالغ به عليهم في تلك المرحلة العمرية ما يجعلهم يشعرون بأنهم محاصرون ويريدون التخلص من هذه القيود.
وتساءلت أيهما أهم للأسرة، الدرجات العلمية أم حياة أبنائهم و نموهم العقلي والنفسي؟
وحذرت حماد من أن بعض الأسر لا تنتبه عادة لإصابة اليافعين من أبنائها بالاكتئاب باعتبار أنهم ما يزالون صغارا وليست لديهم مسؤوليات أو أعباء وضغوط، مؤكدة أن الاكتئاب والمرض النفسي عموما لا سن له. ويصيب المراهقين بل و الأطفال كما يصيب كبار السن.
وترى الاستشارية النفسية أن الوصم المجتمعي المرتبط بالعلاج النفسي يحول دون علاج الكثيرين، مما يعرقل جهود إنقاذهم.
ويمكن حماية هؤلاء الشباب – بحسب حماد – من الإقدام على الانتحار أو حتى التفكير به إذا تدخلت أسرهم مبكرا.
ولضمان حصول ذلك، حددت حماد علامات إذا ظهرت على أي مراهق، ينبغي التوجه فورا للطبيب النفسي وعلى رأسها عزلة المراهق وميله للجلوس بمفرده، النوم لساعات طويلة أو قلة النوم، الإفراط في الأكل أو قلة الأكل، قلة التركيز، عدم المذاكرة، التوقف عن ممارسة الرياضة، الابتعاد عن المشاركة والظهور في المناسبات العائلية.
ودعت إلى الالتزام بالعلاج النفسي المتخصص في حال اكتشاف أن المراهق مصاب بالاكتئاب، لأن “إهمال العلاج، وعدم اللجوء لمتخصصين، أو الامتناع عن تناول العقاقير قد يتسبب في كوراث وآثار نفسية قد لا يمكن علاجها في المستقبل أبدا”.
“من الحب ما قتل”
أمجد علي من الأردن كان واحدا من الأشخاص الذين حاولوا الانتحار في سنين مراهقته.
“كان مجرد وسيلة للضغط على عائلتي للقبول بالفتاة التي أحب”، يقول الشاب الجامعي الآن عن تجربة انتحاره الفاشلة قبل خمس سنوات.
ويروي أمجد لبي بي سي أنه حاول الانتحار مرتين، إحداهما عندما كان في الـ 17 من عمره بعد أن رفضت عائلته زواجه من فتاة تكبره بـ 7 سنوات.
وفي المحاولتين تم إنقاذ أمجد في اللحظة الأخيرة وهو الآن يقيم التجربة ككل بشكل مختلف ويقول “بعد أن التحقت بالجامعة اتسعت مداركي وقابلت أصنافا مختلفة من البشر وتغيرت نظرتي للحياة وللحب و للارتباط”.
ولم يعد أمجد يفكر في الانتحار نهائيا ووصف هذه الطريقة في التعامل مع المشكلة وقتها بأنها كانت مجرد “مراهقة وتفكير طفولي”.
“المرض النفسي المتهم الأول”
ويقول الدكتور حسين خزاعي أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنية إن “المرض النفسي مسؤول عن انتحار نحو 50% من الشباب الأردني تحت سن 25 عاما”.
وبحسب إدارة المعلومات الجنائية في الأردن، ارتفع معدل الانتحار خلال العام الماضي.
ويشهد الأردن حالة انتحار كل يومين، وهى النسبة الأعلى منذ 10 سنوات في البلاد.
وفي عام 2020 وحده انتحر نحو 169 شخصا، بزيادة تقدر ب 45.7 % مقارنة مع معدلات الانتحار في عام 2019.
اصطحبنا خزاعي إلى جسر عبدون في وسط عمان، وهناك أشار إلى أن معظم الشباب يختار الجسر الكائن وسط عمان لتنفيذ مخططه الانتحاري، حتى بات يعرف بـ “جسر المنتحرين”.
ويشتكي خزاعي من أن جهود التعامل مع أولئك الذين يحاولون الانتحار في مكان عام، تقتصر على منعهم من الإقدام على الخطوة في حين يتم تركهم دون علاج نفسي يساعدهم في التعامل مع الأحاسيس التي أوصلتهم إلى لحظة الإقدام على الانتحار.
ودعا الجهات المعنية إلى تحويل اليافعين مباشرة إلى الطبيب النفسي بعد منعهم من الانتحار. وأكد أن “العلاج النفسي ضرورة واجبة حتى بعد مجرد التفكير في الانتحار خصوصا أن هذه الأفكار تراود اليافعين أكثر من مرة عادة”.
ولا يقتصر الأمر على اليافعين، فقبل 3 شهور من لقائنا بالدكتور خزاعي هدد مخرج وممثل مسرحي أردني يدعى إياد الريموني بالانتحار عبر موقع التواصل الاجتماعي ” فيس بوك” وذلك بعد استثناء اسمه من الترشح لمسابقة عالمية من جانب الجهات الأردنية المسؤولة وهو ما اعتبره “ظلم و تجاوز على حقوقه كفنان أردني”.
تواصلت مع إياد البالغ من العمر 30 عاما، والذي قال لبي بي سي “كنت أحاول الضغط على صانعي القرار الأردنيين، فبعد رفض مسرحيتي شعرت بالدونية والاحتقار وتساوى الحياة والموت بالنسبة لي، فقررت الانتحار”.
صور إياد محاولة انتحاره عبر خاصية فيسبوك مباشر، قبل أن يتدخل رجال الأمن ويمنعوه من الانتحار لكنه لا يزال يتذكر تلك اللحظة ويقول “لا يزال ابني وأسرتي يتذكرون هذه اللحظة ولا تفارق أذهانهم أبدا رغم مرور وقت”.
ويضيف الريموني “لايزال ابني الصغير يتألم عندما يتذكر أنى كنت سأتركه وحيدا، هذا أقسي ما أشعر به الآن”.
مصر والأردن مجرد دولتين في قائمة طويلة من الدول العربية التى تعانى من ارتفاع معدلات الانتحار بين شبابها، وفي غياب دارسات جامعة وشفافة عن أعداد المنتحرين وأسباب الانتحار، ستظل الأرقام المتاحة موضعا للتأويل بين الجهات التي تصدرها والحكومات المعنية.
Comments are closed.