تصميم الأزياء: لماذا يستثمر مليارديرات الهند في دور الأزياء الراقية للمصممين المحليين؟
باتت الشركات الكبرى في الهند منذ وقت ليس بالبعيد تحرص على استحواذ حصص وأسهم في دور الأزياء الراقية للمصممين المحليين في محاولة لمساعدتها على التوسع والانطلاق نحو العالمية.
يقول الخبراء إن هذا التوجه يشير إلى أن سوق الأزياء الرائجة باتت على أعتاب النضج.
وفي إطار هذا التوجه أعلنت ريلاينس براندز ليمتد (RBL)، وهي شركة تابعة لمجموعة (ريلاينس من النفط إلى الاتصالات) أنها ستشتري 40 في المئة من أسهم مصمم الأزياء الشهير مانيش مالهوترا.
وبعد أسبوع فقط من هذا الإعلان، اشترت الشركة أيضا أكثر من 50 في المئة من أسهم ريتو كومار، أحد أقدم دور الأزياء في الهند.
وقد أطلق مالهوترا، الذي كان يصمم ملابس أكبر نجوم بوليوود على مدار الثلاثين سنة الماضية، علامته التجارية الخاصة منذ حوالي 15 عاما، ووفقا لمجلة فوربس، تبلغ إيراداته السنوية في هذا المجال نحو 30 مليون دولار (22 مليون جنيه إسترليني).
قال مالهوترا إن الدعوة إلى الشراكة مع شركة مثل ريلاينس كانت مدفوعة جزئيا بقراره التركيز على أول ظهور له في بوليوود، لكنها كانت أيضا نتيجة طموحه في التوسع عالميا.
وقال لبي بي سي في ورشة التصميم الخاصة به في ضاحية سانتا كروز بمدينة مومباي: “لدي المعرفة العملية، لكن بالنسبة لشخص لم يدرس تجارة الأزياء، فإن أحلامي وطموحاتي تحتاج إلى هذا الدعم لتصبح عالمية”.
“وأضاف علامتنا التجارية بحاجة إلى أن تكون أكثر تنظيما، إنها ما زالت عائلية للغاية”.
ويرى أنكور بيسين، أحد الشركاء الأساسيين في شركة تكنوباك لاستشارات البيع بالتجزئة، أنها خطوة منطقية وتتماشى مع التوجهات العالمية.
ويشير إلى أن العديد من شركات الأزياء العالمية الكبرى مثل ديور Dior وشانيل Chanel وهيوغو بوس Hugo Boss وسان لوران Saint Laurent سارت على نفس النهج عبر “إضفاء الطابع المؤسسي” من خلال تجاوز الشخص الذي بدأ تلك الدور التي تحمل الاسم نفسه.
وقال بيسن: “العديد من المصممين في الهند هم الآن في الخمسينات والستينات من العمر، ويتعين عليهم الاستجابة لهذا النداء نحو العالمية”.
تحرص شركة ريلاينس على إنشاء المزيد من المتاجر الرئيسية لمالهوترا، وكذلك تسريع دخول الشركة في مضمار التجارة الإلكترونية.
وتضم مجموعة دور الأزياء الحالية لشركة ريلاينس براندز ليمتد، علامات تجارية عالمية بارزة مثل أرماني إكستشينج Armani Exchange وبوتيغا فينيتا Bottega Veneta وجيمي تشو Jimmy Choo وكيت سبيد Kate Spade New York ومايكل كورز Michael Kors وتيفاني أند كو Tiffany & Co وغيرها.
لكن ريلاينس ليست الشركة الأولى أو الوحيدة التي تستثمر في العلامات المحلية، فقد عملت شركة أديتي بيرلا فاشن للأزياء المملوكة لمجموعة أديتي بيرلا غروب متعددة الجنسيات ومقرها الهند، بنفس المنهج، إذ استحوذت في السنوات الأخيرة على حصص وأسهم في كبريات دور الأزياء مثل سابيا ساتشي، وتارون تاهيلياني ونيكيل أند شانتانو.
ويقول الخبراء إن تركيز الاهتمام على المصممين المحليين أمر قد طال انتظاره.
وقالت نونيتا كالرا، رئيسة تحرير موقع تاتا كليك لاكشري: “العلامات التجارية العالمية لن تروق للجمهور الهندي، وقد جرت محاولات كثيرة في هذا المجال”.
وأضافت “الملابس في الهند تبقى متمسكة بخصوصيتها الهندية من حيث الذائقة، لذا إن كنت تريد النمو في سوق الموضة، فسيتعين عليك مراعاة خصوصية تلك الأذواق الهندية”.
ومضت للقول إنه نظرا لأن تسوق الأزياء الراقية في الهند مرتبط إلى حد كبير بحفلات الزفاف والمهرجانات الدينية، فإن جاذبية العلامات التجارية المحلية تكمن في تركيزها على أزياء الزفاف والأزياء التي تتسم بطابع من التقليدية.
وقالت إنه من خلال الشراكة مع الشركات التجارية الكبرى، يمكن للمصممين “صقل” منتجاتهم حتى يتمكنوا من الوصول إلى سوق أكبر من خلال الملابس الفاخرة ذات الأسعار المعقولة.
وبالفعل في وقت سابق من هذا العام، أصبح سابياساشي أول مصمم هندي يطلق مجموعة أزياء بالشراكة مع شركة الأزياء السويدية العملاقة إتش أند إم H&M.
أما راهول ميشرا، مصمم الأزياء الراقية الصاعد، فقد تعامل مع علامة تجارية هندية شهيرة يسيرة التكلفة وهي – W – لإطلاق مجموعة أزياء قبل موسم المهرجانات.
ووفقا لبيانات شركة ماكينزي الأمريكية للاستشارات الإدارية، ستبلغ قيمة سوق الأزياء في الهند 60 مليار دولار في عام 2022، مما يجعلها سادس أكبر سوق في العالم، مقارنة بالمملكة المتحدة وألمانيا.
وتشغل الأزياء الراقية جزءا صغيرا منها حاليا، ولا تزال متواضعة الحجم، مقارنة بنظيراتها العالمية، كما يتراوح حجم المبيعات السنوية في أكبر 10 دور للأزياء الراقية في الهند بين 25 و 100 مليون دولار، وفقا لصحيفة إيكونوميك تايمز.
وقالت بايسن إن الاهتمام بها “ليس مغزاه ما تشكله تلك العلامات التجارية ودرو الأزياء حاليا، ولكن ما يمكن أن تكون عليه مستقبلا، كما أن البديل لبائعي التجزئة، الذي يتمثل في تطوير علامتهم التجارية، وبناء مواهب التصميم وبناء سمعة علامة تجارية بعينها، مكلف للغاية ويستغرق وقتا طويلا”.
وهذا يعني أنه من الأسهل الاستثمار في علامة تجارية تحقق بالفعل تلك الشروط مسبقا.
لكن الحلم بصنع اسم عالمي باستخدام الأزياء الراقية التي تتسم بخصوصية معينة تعكس الذائقة المحددة لبلد ما، قد يكون أكثر سهولة من تحقيقه على أرض الواقع، إذ يمثل كل من العرض والطلب تحديا كبيرا.
وفي عالم يتم فيه تحديد اتجاهات الموضة، إلى حد كبير، في أوروبا وأمريكا، وفي سوق قائم على المستهلكين من الصين والشرق الأوسط، فإن ترويج الملابس الهندية أمر صعب. كما أنه من الصعب أيضا تقديم سلسلة إمداد تناسب النموذج الصناعي العالمي للأزياء الهندية، والتي لا تزال تعتمد على النساجين والأعمال اليدوية ومجموعة كبيرة من أصحاب المواهب الهواة.
وفي حين أن جائحة كورنا مثلت نكسة مؤقتة، يقول مراقبو الصناعة إن الانتعاش كان سريعا بفضل التجارة الإلكترونية.
وقد سهلت التجارة الإلكترونية أيضا على المصممين المحليين سبل الاستفادة من الأثرياء الهنود داخل البلاد وخارجها، البالغ عددهم 18 مليونا.
قال دارشان ميهتا، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة ريلاينس: “إن الزبائن الذين يتسمون بالعالمية في منظورهم، والذين تتنامى أعدادهم يوما بعد يوم، قد أعادوا صياغة وتشكيل نهجنا في النظر إلى الزبائن بطريقة حيادية جغرافيا”.
ومع انفتاح العالم بعد الوباء، يحرص المصممون الهنود على التوسع في الخارج.
كان الوصول إلى رأس المال عائقا كبيرا لهذه العلامات التجارية، لكن ذلك لم يعد عقبة، وبعد الاستثمار من قبل شركة أديتيا بيرلا فاشن، أعلن سابياساتشي أنه سيفتتح متجرا مترامي الأطراف بمساحة 60 ألف قدم مربع (5574 مترا مربعا) في نيويورك في عام 2022. وفي فبراير/ شباط من هذا العام، عرض مجموعة مختارة من الملابس والحلي التقليدية في متجر برغدورف غودمان الفخم متعدد الأقسام.
وبالنظر إلى موجة التصريحات عن الاستثمارات القادمة، يعتقد الخبراء أن القطاع تجتاحه موجة من التفاؤل.
قالت كالرا: “الرفاهية والفخامة تحتاج إلى الدعم”.
وأضافت “أعتقد أننا سنشهد معدلا متسارعا للغاية للتغيير والنمو، وبطبيعة الحال لن يكون الأمر سهلا دائما، لكنني أعتقد أن الأشياء كما اعتدنا عليها ستتغير إلى الأبد”.
Comments are closed.