المصحف والرسم العثماني: جدل بسبب مقال في صحيفة سعودية دعا لإعادة كتابة القرآن الكريم
Getty Images
اجتاحت موجة من الغضب مواقع التواصل الاجتماعي بسبب مقال نشرته صحيفة سعودية حمل عنوان “دعوة إلى إعادة كتابة القرآن الكريم من جديد”، دعا فيه كاتب المقال، جرجيس كوليزادة، إلى “إعادة النظر في كتابة القرآن”، بدعوى أن “الرسم العثماني المكتوب به لا يصلح لأمة الإسلام في العالم المعاصر” على حد وصفه.
بدأ الكاتب مقاله مستشهدا بالواقع الحالي الذي يمر به العالم جراء جائحة كورونا وما أفرزت من تغييرات، ومشيرا إلى ما وصفها بـ”المرونة في العبادات الإسلامية في ظل الجائحة”، وبأنها بادرة مشجعة جدا “لإعادة النظر في النصوص الإسلامية”.
كما دعا إلى “رؤية معاصرة تخدم المسلمين والإنسانية كافة قائلا إنه “حان الوقت لإعادة النظر في الأصول الشرعية والفقهية التي تخص الإسلام”.
وحمل كوليزادة عاتق هذه المهمة على المملكة السعودية لتبنيها خلال السنوات القليلة الماضية خططا وبرامج عمل لتحديث المملكة من جميع أوجهها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياحية الدينية،
وختم مقاله مؤكداً أن “الزمن قد حان للتعامل على أساس المنطق والعقل مع النصوص الدينية والخروج من عالم الغيبيات، وغربلة النصوص الدينية من الأخطاء النصية والفكرية التي وقعت فيها بفعل أخطاء بشرية وممارسات آدمية، وبسبب عدم تطور الكتابة قبل ألف وألفين سنة”.
Getty Imagesاستنكار واسع
وقد جاءت أغلب ردود الفعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي مستنكرة لما جاء في المقال واعتبرته “استخفافا وتطاولا على كتاب الله”.
موقع #إيلاف السعودي الذي يديره @OthmanAlomeir ينشر لشخص اسمه جرجيس كوليزادة مقالاً يشكّك فيه بدقّة ألفاظ القرآن، داعياً إلى تصحيح الرسم العثماني الذي جعل "مكة" "بكّة" كما قال، زاعماً أن القرآن مليء بالأخطاء اللغوية، مشيراً إلى أن الوقت قد حان للتعامل العقلي مع كتاب ﷲ!
ماذا بقي؟ pic.twitter.com/vINkew2B2c— أحمد بن راشد بن سعيّد (@LoveLiberty_2) July 21, 2020
دعوة الى اعادة كتابة القران الكريم من جديد، مقال في صحيفة سعودية إيلاف "يقدم لك طريقة تفكير"، قال الرسم العثماني المكتوب به القرآن لا يصلح لأمة الإسلام في العالم المعاصر وخاصة (للمسلمين من غير العرب) … أصبح الآن يهمهم امر المسلمين الغير العرب… pic.twitter.com/8niS9P5mbh
— QN (@RehabRabah) July 23, 2020
موقع ايلاف الذي يديره الصحفي السعودي عثمان العمير يدعو لاعادة كتابة القرآن الكريم لتلافي "الاخطاء الكثيرة" في الرسم العثماني !
هل وصل بهم الاستخفاف الى هذه الدرجة للتعدي على كتاب الله ؟
لا حول ولا قوة الا بالله pic.twitter.com/gyHgmiUPen— د. احمد الذايدي (@DrAlthaidi) July 22, 2020
موقع "إيلاف"لصاحبه السعودي عثمان العمير،ينشر مقالا بعنوان: "دعوة إلى إعادة كتابة القرآن من جديد"
يبرر الدعوة بوجود "أخطاء إملائية"في الرسم العثماني
ثم يدعو لاستثمار ما جرى للمساجد إثر كورونا لأجل"إعادة النظر في الأصول الشرعية والفقهية"
الوقاحة تبلغ ذروتها وسنتابع المزيد@YZaatreh— نجوى (@NajwaaAli) July 22, 2020
Getty Images”قراءات مغلوطة ومضللة”
وأشارت بعض التغريدات إلى أن اختيار كاتب “من خلفية غير عربية ومسلمة، أدت إلى قراءات مغلوطة ومضللة” وعزوا ذلك إلى “ضعف في دور علماء الفقه ومؤسساته” في السعودية. وأن الأجدر بالكاتب أن “يركز على كتاب الإنجيل وأن يترك القرآن لأهله”.
في موقع إيلاف التي يشرف عليه عثمان العمير؛ يطرح رجل غير مسلم دعوة مغلوطة مضللة توضح الجهل بالعلم بالقراءات والرسم العثماني للمصحف وتشير إلى نوايا خبيثة من وراء هذه الدعوة، هكذا تصل الأمور عندما يضعف دور العلماء ومؤسساتهم. pic.twitter.com/8KXrPKc3kw
— عبدالكريم الشعيل (@Aboammarsh) July 22, 2020
نشر موقع #إيلاف مقالاً لجرجيس كوليزادة يدعو فيه إلى تصحيح رسم كتابة القرآن، ويقول إنّه مليء بالأخطاء اللغوية.
يا جرجيس، القرآن الكريم محفوظٌ بأمر الله، وعلماء الأمّة لم يتركوا شاردة ولا واردة فيه إلا أشبعوها دراسة وتمحيصا.
عليك بالإنجيل فهو أولى باهتمامك واترك القرآن لأهله.— عبدالعزيز التويجري A. Altwaijri (@AOAltwaijri) July 22, 2020
https://twitter.com/d_iplo/status/1285662461446828033
https://twitter.com/hureyaksa/status/1285672032420737027
Getty Images”هجمة ضد الإسلام”
ومع استنكار البعض عبًر آخرون عن غضبهم من ما وصفوها بهجمة تشن ضد الإسلام من خلال الاستخفاف بالثوابت وبأصول الدين وبالدعوة إلى تحريف القرآن، وتساءل البعض عن ما هو قادم؟
ماهذا يا هذا
صحيفة إيلاف #السعودية 🇸🇦 المقربة من الديوان المهلكي تقرر إعادة كتابة القرآن من جديد
السبب لانها مكتوبة بالخط العثماني<< لم اصدق يوما ان الاسلام سيحارب من المسلمين >> pic.twitter.com/rlAfm1D7FJ
— موجودة💪 (@nada12317031217) July 22, 2020
لا استبعد ان يطالب بعض الشيوخ بعودة أصنام قريش إلى أم القرى .. والأزلام والميسر بين الحطيم وزمزم .. والأزهر الشريف يصدر فتوى بحرية عبادة الأوثان في الحجاز والتسامح مع الوثنيين في الحرمين .. والذي بعث موسى بالحق ان هؤلاء ما يحاربون إلا مسلماً و يدعون أنهم مسلمين .. !!! pic.twitter.com/9WBtJ6ZgTS
— إيدي كوهين אדי כהן 🇮🇱 (@EdyCohen) July 22, 2020
https://twitter.com/TurkiShalhoub/status/1285676924686213120
موقع "إيلاف" لصاحبه السعودي عثمان العمير، ينشر مقالا بعنوان: "دعوة إلى إعادة كتابة القرآن من جديد".
يبرر الدعوة بوجود "أخطاء إملائية" في "الرسم العثماني".
ثم يدعو لاستثمار ما جرى للمساجد إثر كورونا لأجل "إعادة النظر في الأصول الشرعية والفقهية".
الوقاحة تبلغ ذروتها وسنتابع المزيد.— ياسر الزعاترة (@YZaatreh) July 22, 2020
وهناك من اتخذ من هذا الجدل ليعرب عن موقفه المؤيد لأحد معسكري الصراع القطري السعودي.
دع عنك صحيفة إيلاف ودع عنك إعادة كتابة القرآن الكريم من جديد، وحدثنا عن الحرية لدى خليفتكم #أردوغان الماسوني البائس،في إباحة اللوطية والدعارة والسكر ومساجد القبور وإحياء تراث العلماني مصطفى أتاتورك، حدثنا عن ولاء #حمد_بن_خليفة لإسرائيل وبناؤه للمستوطنات الإسرائيلية لو كنت صادقا. https://t.co/aUCiKVWMik
— د.إبراهيم المطلق dr.ibrahim almutlaq (@almutlaq1_i) July 22, 2020
Getty Images
رسم القرآن توقيفي أم اجتهادي
الدعوة إلى تغيير رسم بعض كلمات القرآن ليست جديدة، بل تعود إلى العصور الأولى لانتشار الإسلام، بل امتدت إلى عصرنا هذا، فقد تناولها العديد من الكتاب والمؤرخين والمتخصصين في اللغة والدين بالبحث والتدقيق.
ومن علوم القرآن المختصة بذلك “علم الرسم”، الذي يبحث في معرفة خط المصاحف العثمانية وطريقة كتابتها والقواعد المتبعة فيها خلافا للرسم القياسي الإملائي.
وخلص المتخصصون في علوم القرآن إلى أن هناك ست قواعد في رسم المصحف استنبطها العلماء عن طريق الاستقراء والتتبع، وأنها غير لازمة أو مطردة في كل كلمة قرآنية كتبت، وبذلك “يثبت أن طريق كتابة المصحف هو النقل وحده”.
وهناك أيضا “علم الضبط”، الذي يبحث في طريقة نقط الكلمات والحروف القرآنية، من نقط إعراب ونقط إعجام، وما يتعلق بذلك من رموز وحركات.
كما أن رسم آيات المصحف مرتبط أيضا بعلم القراءات وقواعد التلاوة المتواترة، إضافة إلى كتابة بعض آيات النص القرآني وفقا للهجات عربية نادرة.
وبرى المتخصصون في علوم القرآن أن رسم المصحف ليس مرجعا لقواعد الإملاء ولا تسري قواعدها عليه، بل هو رسم خاص فقط بالقرآن الكريم.
وقد اختلف العلماء في حكم الرسم العثماني، أهو توقيفي من النبي محمد (لا يصح فيه التغيير ولا التبديل، بل هو تنزيل من التنزيل كألفاظ القرآن الكريم سواء بسواء) أم اجتهادي من الصحابة، على ثلاثة آراء ورجحوا أنه اصطلاح ارتضاه الصحابة ولا يجوز مخالفته.
وأشاروا أيضا إلى أن رسم المصحف كان له أثر واضح في تفسير الآيات القرآنية وبيان معانيها .
https://www.facebook.com/aliftaajo/posts/1139529416062045/
لكن، ما الذي اختلف هذه المرة؟
Getty Images”مشروع التحديث السعودي”
كما ذهب بعض المغردين إلى أن الهدف من وراء هذا المقال “مشروع لإرساء أساس لدولة علمانية والتطبيع مع إسرائيل”.
موقع إيلاف الذي يديره السعودي عثمان العمير يدعو لإعادة كتابة القرآن الكريم بحجة وجود أخطاء في الرسم العثماني !؟ والله راح نشوف العجب العجاب عندما يصبح محمد بن سلمان ملكا على السعودية . قال دولة التوحيد قال . pic.twitter.com/uxHeHtIRQY
— حسين صالح السبعاوي (@husein_alsabawi) July 22, 2020
وصل الحال بأتباع #محمد_بن_سلمان أنهم باتوا يجاهرون بأهداف ولي نعمتهم التي يطمح لتحقيقها خدمة لمشروع التصهين. كاتب كردي ينشر في موقع إيلاف السعودي مقالاً يدعوا فيه لإعادة كتابة القرآن الكريم بحجة أن الرسم العثماني فيه أخطاء و«يقترح» بأن تبادر #السعودية لذلكhttps://t.co/yaCVolFUk7 pic.twitter.com/RQJ6kabL6N
— Ali Mourad (@alihmourad) July 22, 2020
Getty Imagesجمع القرآن
- كان النص القرآني ينزل مفرقا على النبي محمد لأكثر من عشرين سنة فيأمر بحفظه وكتابته.
- كان يكتب على أشياء تبدو بدائية، مثل الجلد وصفائح الحجارة والسعف وغيره من قبل من سموا بـ”كتّاب الوحي”، إلا أنه لم يكن مجموعا في مكان واحد.
- بعد وفاة النبي محمد في عام 632 ميلادية، ومع استمرار الحروب ووفاة بعض حفظة القرآن، لزم الأمر بتجميع هذه القطع في عهد أبي بكر الصديق ثاني خلفاء النبي محمد وجمع في مصحف واحد. وكتب حينها بأحد الخطوط العربية القديمة وهو “الكوفي”.
- في عهد الخليفة الثالث، عثمان بن عفان، امتدت حركة الفتوحات الإسلامية فاختلط العرب بغيرهم من القوميات، وبدت الحاجة ماسة لجمع المصاحف في نسخة واحدة.
- اتفق الكل وقتها على رسم واحد وهو الرسم العثماني، وكان ذلك في السنة الخامسة والعشرين من الهجرة.
- نسخ عثمان منه سبع مصاحف، أرسلت إلى مكة المكرمة، والشام، والبصرة، والكوفة، واليمن، والبحرين، وأبقى عنده نسخة في المدينة المنورة.
- كان المصحف خاليا من النقاط والتشكيل والأرقام، إلى أن اتخذ له أبو الأسود الدؤلي نقطا بتوجيه من الخليفة الرابع علي بن أبي طالب.
Getty Imagesأقدم نسخ قرآنية
- أثار اكتشاف في برمنغهام البريطانية عام 2015 جدلا عندما عثر باحثون على صفحات من مصحف كانت حفظت مع مجموعة أخرى من وثائق للشرق الأوسط في مكتبة الجامعة لمدة قرن.
- فبعد الفحص عليها بتقنية الكربون المشع تبين أنها أقدم نصوص القرآن المحفوظة في العالم، ويعود النص الذي كتب بخط حجازي، وهو من الخطوط العربية الأولى، على الجلود إلى الفترة ما بين 568 و645 ميلادية، أي لعقد أبي بكر الصديق.
- وسبق أن أعلنت جامعة “توبينغن” في ألمانيا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، أنها عثرت على بقايا من نسخة أقدم مصحف في العالم.
- وفي عام 2005 كشف باحث روسي عن أن أقدم وأكمل نسخة للقرآن الكريم والمعروفة بـ”مصحف عثمان” موجودة في روسيا.
- وفي عام 2011 أعلن صينيون متخصصون في الثقافة الإسلامية بمقاطعة قانسو ذات الأغلبية المسلمة شمال غرب الصين، اكتشافهم “أقدم نسخة نادرة للقرآن الكريم بخط اليد تعود إلى عام 1912”.
Getty Images
Comments are closed.