محمد رمضان “ليس أول” من تعرض أفراد عائلته للتحيز على أساس اللون
لا تنحصر السلوكيات العنصرية في التفرقة على أساس العرق أو القبيلة أو الدين بل تتدخل بحسب كثيرين في تحديد معايير الجمال وكأن هنالك بروتوكولا خاصا بالشكل الخارجي.
Getty Images
“أنا فخور بلوني ولون أبي وأولادي .. ومبسوط أن ولادي هيطلعوا ضد العنصرية والدليل أن أمهم وأباهم من لونين مختلفين عن بعض”.
هكذا رد الفنان المصري محمد رمضان على تعليق، على صورة جمعته بابنه الصغير، أثار ضجة كبيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
كعادته شارك رمضان جمهوره كواليس أغنيته الجديدة، إلا أنه فوجئ بمتابعة تسخر من لون بشرة ابنه وشعره المجعد، إذ كتبت: “المصيبة أن محدش من عياله في جمال أمهم ولا لونها”.
وعلى إثرها، أعاد رمضان نشر التدوينة مع تغطية اسم صاحبتها، معربا عن فخره بلون بشرته.
https://www.facebook.com/Ramadan/posts/2756741377940438
نظرة جماعية إزاء ما هو “جميل”
لاقى رد رمضان إعجاب الكثيرين وحظيت تدوينته بتفاعل واسع، إذ تم تداولها 15 ألف مرة، وسجلت أكثر من 30 ألف تعليق.
وجاءت التعليقات في مجملها متضامنة مع الفنان المصري ومتغنية بوسامته وجمال طفله.
واستدعى البعض أبيات شعرية ومقاطع من الأغاني لمساندة رمضان على غرار “أسمر وحلو ” و”صحيح أنا أسمر وكل البيض يحبوني يا لالالي”.
غير أن آخرين رأوا في تلك “العبارات والمديح عنصرية وتنمرا من نوع آخر”.
أولا محمد رمضان مش اسود ، هو ميكس لطيف بين الاتنين و ف أمريكا النسل اللي زي علي ابنه أو تمارا بنته ده من علامات الجمال و يارب تبطلوا عنصرية يا متخلفين . https://t.co/rUNUttaF0p
— JAMES (@gemy_gad) June 7, 2020
من ناحية أخرى، شكك معلقون في صحة التدوينة المسيئة لرمضان ووصفوها بالمفتعلة.
فقد رأى البعض أنها جزء من خطة يهدف من خلالها الفنان لكسب التعاطف مستفيدا من التضامن العالمي مع الاحتجاجات ضد العنصرية التي تشهدها الولايات المتحدة.
و تلاقي الهانم اللي كاتبة كده علي صورة محمد رمضان مع ابنه متعاطفة مع الامريكان و كاتبة Black life matters
هو ازاي احنا في ٢٠٢٠ وفي ناس تفكيرها عنصري و لسه بيبصوا ل لون الشخص؟!!! pic.twitter.com/iCEbJsqVxy— تبولة التويتي 🇪🇬 🇱🇧 (@taboula_tweety) June 6, 2020
ما الواد اسود زي ابوه فعلا…اللي هيشوف ده علي انها بتعايره يبقي هو اللي عنده مشكلة مع اي حد لونه مختلف
— David (@itsdaveid) June 6, 2020
لكن ذلك لا ينفي تعرض رمضان لشتائم ولحملات تحط من شكله وتسخر من لون بشرته.
وقد نالت تلك الحملات من شقيقته العروس، إذ قارنها مدونون بعريسها الذي وصفوه بالوسيم. بل إن بعضهم اعتبروا أنها لا تليق به.
والملفت أن ما تعرض له رمضان وأفراد عائلته من تنمر بسبب الشكل الخارجي، يأتي بعد أيام من حادثة مشابهة تعرض لها نجم كرة القدم المصري محمود عبد الرازق الملقب بشيكابالا.
وسبق أيضا أن واجهت ملكة جمال الجزائر، الخديجة بن حمو، ومن قبلها ملكة جمال السعودية، ملاك يوسف، انتقادات قاسية طالت لون بشرتهما ومظهرهما.
فالمعترضون على اختيار الشباتين آنذاك انبروا في تقديم رؤيتهم لمقاييس الجمال الصرف. فالشابتان يناقضان بسمرتهما وملامحهما الجمال المتجذر في أذهان كثيرين.
كل الناس في مصر تضامنت مع جورج فلود و فضلو يتكلمو عن العنصرية و ازاي علشان اسمر ..
و هم هم اللي قعدو يتريقو على ابن شيكبالا الطفل اللي ما لوش اي ذنب علشان اسمر و هم هم برضو اللي اتريقو على اخت محمد رمضان و ضيعو فرحتها
شعب خنزيييييييير 👌🏻 pic.twitter.com/faC7Zwkrjc— Abdelrahman ⁷⁴ ✘ ✘🇵🇸❤ (@urfavdealer_74) June 5, 2020
دول عايرونى وقالولى يا اسمر اللون يا لالالى
صحيح انا اسمر وكل البيض يحبونى يا لالالى
❤❤👑 pic.twitter.com/lsNVsY2ZOu— Rashad🇦🇹 (@resha1911) June 7, 2020
ليست عنصرية
في المقابل، هب قطاع واسع من نشطاء فيسبوك وتويتر للدفاع عن شيكابالا ومن قبله الشابتين.
ورغم أن العديد من المعلقين العرب أدانوا تقييم الأشخاص على أساس لونهم ومظهرهم الخارجي، غير أنهم انتقدوا ما اعتبروه تهويلا للأمور.
لدرجة أن بعضهم أنكر وجود ظاهرة العنصرية أو التحيز على أساس اللون في المجتمعات العربية بحكم وجود أعراف ونصوص دينية “لا تفرق بين أبيض أو أسود أو أعجمي إلا بالتقوى”.
كما أشار آخرون إلى الموروث الشعري والغنائي الذي يتغزل بالسمر وبجمالهم.
وقد جمعت التغريدات التالية بين منطقين متناقضين، إذ ربطت العنصرية والتنمر في المجتمع العربي بـالتقليد الأعمى للغرب حتى في نظرته لذوي البشرة السوداء والسمراء.
ويستدل هؤلاء في كلامهم بمقولة العلامة ابن خلدون “المغلوب مولع بتقليد الغالب”.
https://twitter.com/Badreah9111/status/1269484093894529024?s=20
العنصرية رسخا المستعمر في أذهان السودانيين لما صور لأبناء الوسط والشمال انهم هم متقدمين حضاريا ولما مارس سياسة فرق تسد فما اظن الموضوع دا ينتهي اصلا https://t.co/2USLwCbyPI
— A. ALRAHMAN (@aboooody567) June 7, 2020
فبالنسبة للمعلق السعودي بدر، المظاهر التي تبدو ذات صبغة عنصرية في المجتمع العربي تظل حالات فردية لا تغير من صفة المجتمع باعتباره من أقل مجتمعات العالم عنصرية.
التحيز اللوني
إلا أن آخرين يرون أن هناك رؤية مجتمعية للمظهر الخارجي وللألوان تربط السمار بالقبح وسوء الطالع، والبياض بالجمال والرفاه.
وتتجلى تلك الرؤية للجمال والألوان بحسب كثيرين في الشعر وفي أمثلة شعبية لا تزال تتردد على الألسن.
ويذكرون منها “البياض نصف الجمال” و”خبي قرشك الأبيض ليومك الأسود”.
لذا يرى كثيرون أن ظاهرة التحيز للأبيض وصاحب الشعر الأملس والعيون الملونة موجودة بقوة في المجتمعات العربية ومغروسة في العقل الباطن الجمعي.
بدت مساءلة التراث المتحيز ضد الأقليات عربيا في وقت مبكر، وكان شعر عنترة الذي اضطرته العنصرية إلى تبرير لونه قد نبهت الباحثين المعاصرين إلى ضرورة تفكيك التحيزات ولا ننسى أثر دراسات ما بعد الاستعمار، ومع طرح الغذامي انتشر الوعي خليجيا عبر جيل درس صورة الآخر وفكك التمثيلات المتحيزة. pic.twitter.com/dD0VI9fPik
— د. علي بن تميم (@3litamim) June 6, 2020
ومن هذا المنطلق، ذّكر مدونون بما عاشه الفنانان الراحلان أحمد زكي وعبد الحليم حافظ من مواقف قاسية بسبب ملامحهما السمراء في بداية مشوارهما.
وقد استطاع الفنانان بفضل موهبتهما تغيير المقاييس المعتمدة في صناعة فتى الشاشة منذ حقبة الستينات.
فعادة ما كان صناع الفن يختارون الشاب الوسيم على أنه أبيض اللون مفتول العضلات صاحب الشعر الناعم.
ولكن رغم موهبتهما ونجاحهما، ارتبط زكي بلقب “النمر الأسود” و”فتى الشاشة الأسمر”. وتكرر الأمر ذاته مع الفنان عبد الحليم حافظ حينما لقبه عشاقه والنقاد بـ”العندليب الأسمر”.
وتنقد الناشطة العراقية سماح عباس محاولة البعض الفصل بين الجمال والسمار أو التركيز على لون البشرة السمراء دون غيرها، إذ ترى أنها تعزز النظرة الدونية لأصحاب البشرة الداكنة.
وتقول: عبارة “سمارچ يخبل” ليست مديحا فكل ألوان البشر حلوة. لم أسمع أحدا يقول “بياضك يخبل” طبعا لأنهم يعتبرون البياض جميلا بكل حالاته”.
https://twitter.com/samahabbas89/status/1266870040680415232?s=20
في ظل الحديث عن #العنصرية، التعليقات على #محمد_رمضان ضحكتني!لاني تذكرت أن (يا أسود)كان دلع ولدي الأول! انصدمت بوجود ناس لها نظره ما اتربيت عليها!المضحك المبكي انهم كانو يعتبرو زعلي و رفضي قلة ثقه بدل عدم رغبه أن يزرع في نفوس أطفالي هذه النظره و حمايه لهم.ردي دائما اختلاف ثقافات! https://t.co/gpX9T1dywi
— Namareq Aldardeer (@Namareq88) June 7, 2020
“سمراء لكنها لطيفة”
“لسوء الحظ لقد ولدت في مجتمع يحبذ الأشقر ويتجاهل الموروث الشعبي الذي يتغنى بالأسمر. أما أسرتي الكبيرة فكانت تتفاخر بلون بشرتها الفاتح، وكان بعض أقاربي يطلقون علي لقب “الزرقة” (نعت تحقيري بالعامية يطلق على صاحب البشرة الشديدة السمار)”.
بهذه الكلمات تسترجع لطيفة ذكريات طفولة عاشتها في قرية من قرى الجنوب التونسي جل سكانها مختلطون عرقيا.
وروت لطيفة لمدونة ترند قصصا عن تصرفات، تصفها بالرجعية، صدرت من معارفها وحتى من بعض أفراد عائلتها.
وكانت تسمع همسات النساء الموجهة لوالدتها: “هذه البنت قليلة الحظ لماذا لا تشبه أختها الشقراء كيف ستجد عريسا عندما تكبر”.
الغريب في الأمر أن معظم هؤلاء النساء كن من ذوات البشرة القمحية أو السمراء، بحسب محدثتنا.
وتضيف: “لم يشعرني والدي أبدا أنني غير جميلة لأنني سمراء. بالعكس، كانت أمي تتغنى بشعري الأسود الطويل وتناديني بالعسلة في حين كان والدي يقدمني للآخرين قائلا هذه “ابنتي اللطيفة السمراء الحلوة ذات العيون الكبيرة”.
تتشابه تجربة لطيفة مع تجارب أخرى لفتيات وشبان من دول مختلفة.
ومن بين هؤلاء المدون المصري الذي تعرض للتنمر عندما كان في المدرسة لكونه من النوبة.
لو اتكلمت عن وانا طفل فالموضوع هيبقى زي بقيه الاطفال السمر ازاي اتقالهم سواء (بكار-شوكولاته-شيكابالا) even adults thought it's cute to call me that
وفاكر في مره في الصوره الجماعيه وانا طفل في ابتدائي فكانت الصوره مغمقاني جدا والمدرسة قالت انت وقعت في الطينه قبل الصوره ولا ايه— Salaح (@Kanyu88) June 1, 2020
https://twitter.com/FatmaEmam/status/1268156632527224834?s=20
https://twitter.com/ipeacefull_/status/1214113429293846530?s=20
أما لطيفة فقد اجتازت المرحلة الابتدائية بسلام، لكنها تفاجأت بمجتمع أكثر “ازدواجية” عندما انتقلت للعاصمة لإتمام تعليمها الجامعي.
وتروي بحرقة ما يتعرض له السمر أو المختلفون في الشكل من ألفاظ قد تبدو في ظاهرها دعابة إلا أنها تنطوي في الباطن على رواسب عنصرية لا تخلو من عقد التفوق، حسب قولها.
وتقول: “كلما كانت درجة بشرتك أفتح كنت تحظى بتقدير أكبر ويربطونك بالمدن الكبرى القريبة من مراكز صنع القرار في البلاد أو بطبقة الأغنياء في بلدنا”.
لجأت لطيفة إلى مستحضرات تفتيح البشرة لكي تصبح “مناسبة” لمعايير المجتمع إلا أنها شعرت بأنها ستنسلخ عن ذاتها وتتشبه بالآخرين.
وتكمل: “في شبابي كان الجميع يسعى للحصول على بشرة بيضاء خالية من الشوائب، تشبه بشرة مذيعات تلفزيون رايونو الإيطالي”.
https://twitter.com/mayarmasry3/status/1267560859376762881?s=20
وترى لطيفة أن جيل الإنترنت يختلف كثيرا عن الأجيال السابقة، وقد بات أكثر تقبلا لاختلاف اللون أو العرق.
وتردف قائلة: “لقد تغير مفهوم الجمال اليوم ولم يعد يتمحور حول بياض البشرة أو الشعر الناعم وهذا ما نلاحظه في الحملات الإلكترونية التي ترفض القوالب الجاهزة للجمال”.
“لا تزال العنصرية أو التحييز على أساس الشكل محظورات اجتماعية تخشى بعض البلدان الخوض فيها بل تعتبرها أمرا هامشيا” بحسب لطيفة التي ترى أن المناخ الديمقراطي الذي يؤسس تقبل الاختلاف يشجع على معالجة الظاهرة أيا كان حجمها”.
بتزكر أديش تعقدت وانا صغيرة من شعري الكيرلي،كانوا اللي حوليي خاصة بالمدرسة او الجيران بيعلقوا ع شعري الغريب وانه مش حلو وسشوريه زينا، سبحان الله هلأ كل الدنيا صار نفسها شعرها يكون كيرلي. https://t.co/acoMSTi3us
— أَصْالة (@AsalaSalhab) June 6, 2020
Comments are closed.