كيف يمكن للتسلسل الجينومي اكتشاف المتحور التالي؟
في الأسابيع الماضية، تم التعرف على متحور جديد من فيروس كورونا يجمع بين عناصر المتحور دلتا والمتحور أوميكرون، وفقا لمنظمة الصحة العالمية والمبادرة التي تتتبع تحور الفيروسات “جي آي إس إيه آي دي”. يؤكد اكتشاف هذا المتحور، كما يقول خبراء، الدور المهم الذي تلعبه المراقبة الجينومية.
تم اكتشاف المتحور في عدة مناطق في فرنسا والدنمارك وهولندا وألمانيا. لقد كان المتحور – الذي لم يسميه العلماء بعد لكن أطلق عليه اسم دلتاكرون في بعض التقارير الإعلامية – ينتشر منذ كانون الثاني (يناير). قالت منظمة الصحة العالمية إنه لم يتضح بعد ما إذا كان المتحور مختلفا عن المتحورات التي سبقته من حيث العدوى أو الشدة، لكن الدراسات جارية.
بعد عامين من إعلان منظمة الصحة العالمية أن كوفيد -19 جائحة، بدأت الحالات العالمية بالانحسار لكن الفيروس لا يزال يقتل 50 ألف شخص أسبوعيا. توفي نحو ستة ملايين شخص في الجائحة، وفقا للبيانات الرسمية من الحكومات، على الرغم من أن دراسة حديثة تشير إلى أن العدد الحقيقي للوفيات المرتبطة بكوفيد -19 قد يكون أعلى بثلاث مرات.
حث مسؤولو الصحة العامة على عدم التساهل حيث ألغت دول في جميع أنحاء العالم القيود التي كانت مفروضة لوقف انتشار المرض. قال سجيد جافيد، وزير الصحة البريطاني، الأسابيع الماضية، “لا زلنا نواجه تهديد ظهور متحورات من كوفيد جديدة التي يمكن أن تكون أكثر حدة، وقد تكون أكثر قابلية للانتقال أو من الممكن أن تفلت حتى من حماية اللقاحات الحالية”.
يتفق علماء الأوبئة على أن ظهور متحورات فيروسية سيكون أهم عامل يوجه مسار الجائحة. سيكون للاكتشاف السريع للمتحورات المثيرة للقلق دورا رئيسا في منع أزمات الصحة العامة في المستقبل.
كيف يكتشف العلماء المتحورات الجديدة ويتتبعونها؟
الطريقة الرئيسة هي عبر “التسلسل الجينومي” للعينات المأخوذة من اختبارات تفاعل البوليميراز المتسلسل “بي سي آر” للكشف عن كوفيد. يتم تخزين الشفرة الجينية لسارس-كوف-2 – مجينة – كسلسلة من أربعة “أسس” كيميائية حيوية مصفوفة على طول جزيء طويل من الحمض النووي الريبوزي.
لقراءة المجين، يحول العلماء الحمض النووي الريبوزي إلى حمض نووي، وهو جزيء مرتبط ارتباطا وثيقا يخزن المادة الوراثية في الخلايا الحية. يمكن بعد ذلك قراءة التسلسل الجينومي للفيروس بوساطة الآلات التي تستخدم أيضا لفك تشفير الحمض النووي للإنسان والحيوان والبكتيريا والنبات.
في معهد ويلكوم سانجر، أكبر مركز للتسلسل في المملكة المتحدة، يستغرق عادة نقل العينات من معامل الاختبار في جميع أنحاء البلد إلى آلات التسلسل خمسة أيام تقريبا ثم يومين لقراءة جميع “الأحرف” البيوكيميائية البالغ عددها 30 ألف من الشفرة الجينية الفيروسية في كل عينة.
قال إيوان هاريسون، المتخصص في علم الجينوم الميكروبي في المعهد، “إنها عملية لوجستية كبيرة”.
يعد علم الجينوم الجماعي بديلا لتحليل الفيروسات المأخوذة من الأفراد المصابين، وذلك باستخدام عينات من الصرف الصحي التي تحتفظ بآثار فيروس كورونا مما يفرزه الناس. أصبحت هذه التكنولوجيا حساسة بدرجة كافية لتمييز المتحورات الفيروسية المختلفة بدلا من مجرد تمييز وجود سارس-كوف-2 في المنطقة.
قال هاريسون، “لقد أحرزت مراقبة الصرف الصحي بعض القفزات خلال الجائحة وستكون جزءا من المراقبة في المستقبل، لكن لا يمكن أن تخبرنا أبدا بقدر التسلسل الجينومي للأفراد إلى جانب بيانات المرضى التي يمكن أن تخبرنا عن بيولوجيا المتحور”.
لماذا تعد المراقبة مهمة جدا؟
قال بيتر بوجنر، مؤسس”جي آي إس أيه دي”، إنه يجب الحفاظ على المراقبة من خلال إجراء تسلسل جينومي على مستوى فاعل عالميا لتحديد المخاطر الجديدة مع تقليص الحكومات لفحوص كوفيد.
“إذا قلصنا الفحوص ككل، فهناك خطر كبير يتمثل في أننا سنفوت بعض المتحورات الجديدة. تكمن قوة الاستراتيجية الجيدة لأخذ العينات في أنه يمكن تحديد التغيرات ذات الصلة بشكل فاعل. لكن جهود المراقبة هذه يجب أن تتم على مستوى عالمي”، حسبما قال بوجنر.
الأهم من ذلك، هو أن إعادة التركيب – عندما يتبادل جزيئين من الحمض النووي أجزاء من مادتهما الجينية مع بعضهما البعض – أمر ينبغي توقعه، كما قال مسؤولو منظمة الصحة العالمية وأشخاص آخرون، ولا سيما بالنظر إلى مستويات الانتشار العالية للفيروسات في الخلفية. كما أنه شائع جدا في فيروسات الإنفلونزا.
كيف تتعامل الدول المختلفة مع الاختبارات والتسلسل؟
عادة ما تجري الدول الأكثر ثراء مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية تسلسلا جينوميا أكثر من نظيراتها الأفقر. يرجع جزء كبير من هذا الاختلاف إلى أن الاقتصادات المتقدمة لديها عدد أكبر من الموظفين المدربين وإمكانية وصول أفضل للأجهزة – الآلات والكواشف – اللازمة لإجراء تسلسل جينومي.
يقول الخبراء إن أوميكرون كشف أن عدم المساواة في التعامل مع الجائحة لم يقتصر على توفير اللقاحات أو الاختبارات، بل امتد ليشمل الأدوات الرئيسة مثل التسلسل الجينومي.
لكن إجراء التسلسل في الأماكن ذات الموارد الأقل يمكن أن يؤدي إلى نتائج قوية، كما هي الحال في جنوب إفريقيا.
قال توليو دي أوليفيرا، أستاذ المعلوماتية الحيوية في جامعة ستيلينبوش وأحد العلماء الذين اكتشفوا المتحور بيتا والمتحور أوميكرون، إن الدول التي لديها موارد كبيرة ومعدلات إصابة منخفضة، مثل الدنمارك وأستراليا، يمكنها إجراء تسلسل على “كل شيء تقريبا” قبل وصول أوميكرون. لكن هذا النهج لم يعد مجديا عندما ترتفع الحالات لأنه لا يمكن للتسلسل مواكبة عدد الحالات.
قال دي أوليفيرا إن فريقه ركز منذ آذار (مارس) 2020 على التسلسل العشوائي والنسبي كل أسبوع. هذا يعني أن باحثيه يختارون المقاطعات بشكل عشوائي ويركزون على العينات ليتم إجراء تسلسل جينومي عليها بما يتماشى مع أرقام الحالات.
ما مدى القلق الذي ينبغي أن نشعر به بسبب المتحور الجديد؟
قال دي أوليفيرا إنه لم يكن قلقا بشكل خاص من المتحور معاد التركيب، الذي يحتوي على عناصر دلتا وأوميكرون، بسبب قلة عدد الحالات وسط انخفاض إجمالي الإصابات وارتفاع معدلات تلقي اللقاح. أضاف، “نحن في حالة تأهب لكننا لا نشعر بالقلق”.
قالت ماريا فان كيركوف، الرئيسة الفنية لكوفيد- 19 في منظمة الصحة العالمية، إنه من السابق لأوانه أن يشعر الناس بالقلق. “لم نشهد أي تغيير في علم الأوبئة… (أو) في الخطورة”. مضيفة أن هناك عددا من الدراسات جارية حول هذا الموضوع.
ما احتمال ظهور متحور أكثر تسببا بالأمراض وما مدى احتمالية اكتشافه؟
أجمع علماء الفيروسات على الرأي القائل بأن متحورات جديدة ستظهر. مع ذلك، لا يمكن لأحد أن يتنبأ بتوقيت ظهورها أو مدى خطورتها.
حذرت “نيرفتاج”، مجموعة من خبراء الصحة الذين يقدمون النصائح لحكومة المملكة المتحدة بشأن الفيروسات الجديدة والناشئة، قائلة، “نحذر من أن الأعراض الأكثر اعتدالا عند البشر، والنماذج الحيوانية، المرتبطة بأوميكرون مقارنة بالمتحورات السابقة، من المحتمل أن تكون محض مصادفة. إن فقدان حدة عدوى الفيروس مع تطور الفيروسات هو مفهوم خاطئ شائع”.
قال بوجنر من “جي آي إس أيه آي دي” إن تحديد المتحور معاد التركيب “يؤكد الحاجة التي لا غنى عنها للمراقبة الفاعلة، حيث إن تقليل الاختبارات بشكل عام يحمل خطرا كبيرا يتمثل في أننا قد نفوت الفيروسات معادة التركيب مع تطور الفيروس”.
أضاف، “لكن جهود المراقبة هذه يجب أن تتم على الصعيد العالمي وباستراتيجية جيدة لأخذ العينات”.
Comments are closed.