رياض سلامة حاكم مصرف لبنان الذي حصد الجوائز ثم الملامة
اً ف ب
بعدما كان على مدى سنوات عرّاب استقرار الليرة وانتعاش الاقتصاد ما بعد الحرب الأهلية، يجد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة نفسه اليوم محور تحقيقات قضائية في لبنان والخارج، وتحوم حوله شبهات بتهم مالية عدّة.
وبدأ محققون أوروبيون الخميس الاستماع إلى سلامة في بيروت بإشراف قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا، في إطار تحقيقات حول مصدر ثروته وشبهات غسل أموال في لبنان وتحويلها إلى حسابات في الخارج.وسلامة (72 عاماً) هو أحد أطول حكام المصارف المركزية عهداً في العالم، إذ يشغل منصبه منذ العام 1993، وكان مهندس السياسات المالية في مرحلة تعافي الاقتصاد ما بعد الحرب الأهلية (1975-1990).إلا أنه مع بدء ظهور ملامح الانهيار الاقتصادي وانطلاق تظاهرات شعبية غير مسبوقة في تشرين الأول/أكتوبر 2019 ضد الطبقة السياسية المتهمة بالفساد وبتغليب منطق الصفقات في إدارة البلاد، اتهم محللون ومراقبون زعماء سياسيين ومسؤولين بينهم سلامة، بتحويل مبالغ ضخمة من حساباتهم إلى الخارج.وتحمّل جهات سياسية ومحللون ومواطنون في لبنان سلامة الذي كان يعدّ عراب استقرار الليرة، مسؤولية انهيار العملة الوطنية، وينتقدون بشكل حاد السياسات النقدية التي اعتمدها طيلة السنوات الماضية، باعتبار أنها راكمت الديون، إلا أنه دافع مراراً عن نفسه بتأكيده أن المصرف المركزي “موّل الدولة ولكنه لم يصرف الأموال”.ومنذ قرابة عامين، تشكّل ثروة سلامة محور تحقيقات في لبنان وأوروبا. ويصرّ الرجل الذي نال جوائز إقليمية ودولية وأوسمة شرف تقديراً لجهوده في منصبه وكان أول حاكم مصرف مركزي عربي يقرع له جرس افتتاح بورصة نيويورك، على أنه جمع ثروته من عمله السابق طيلة عقدين في مؤسسة “ميريل لينش” المالية العالمية ومن استثمارات في مجالات عدة بمعزل عن عمله على رأس حاكمية مصرف لبنان.- “هروب إلى الأمام” -ويقول اقتصادي مخضرم وخبير في الأسواق المالية، متحفظاً عن ذكر اسمه، لفرانس برس “لقد كان تاجراً ووسيطاً طيلة حياته، وهذه هي المشكلة. هناك حاجة الى شخصية اقتصادية لإدارة مصرف مركزي، لا الى شخص مقرّب من النظام المصرفي ويودّ حمايته”.منذ توليه منصبه، حافظت الليرة على استقرارها بعدما ثبّت سعر صرفها على 1507 ليرات، وهو ما كان يبرره بوجود “احتياطات مهمة بالدولار الأميركي” لدى المصرف المركزي، سرعان ما نضبت منذ بدء الأزمة وشحّ السيولة.ويرى الخبير الاقتصادي نيكولا شيخاني أن سلامة “عرِف كيف ينعش الاقتصاد ويكسب ثقة المستثمرين”.وتمكّن لبنان بالفعل طيلة سنوات من جذب رؤوس أموال من الخارج، مقابل منح فوائد مرتفعة للغاية للمودعين. وبات القطاع المصرفي ركيزة رئيسية في الاقتصاد اللبناني.ومنذ تعيينه، تم التجديد لسلامة أربع مرات، وتراكمت الجوائز والتقديرات التي حظي بها. فنال جائزة أفضل حاكم مصرف مركزي في العالم من مجلة “يورو موني” عام 2006 ثم من مجلة “بانكر” عام 2009 وحاز أوسمة شرف فرنسية.ومع اندلاع الحرب في سوريا المجاورة بدءاً من العام 2011، “بدأت تتراكم الإشارات الحمراء”، وفق شيخاني. وتأثر الاقتصاد اللبناني سلباً بينما كانت الديون الرسمية تتراكم.ورغم إحجام الحكومات المتعاقبة عن إعادة هيكلة الاقتصاد وإجراء إصلاحات ملحة، واصل سلامة تمويل الدولة بغطاء سياسي، متبعاً، وفق شيخاني، سياسة “الهروب الى الأمام”.وبغطاء سياسي، انخرط سلامة منذ العام 2016 في هندسات مالية هدفت إلى الحفاظ على قيمة الليرة ورفع احتياطي المصرف المركزي ورسملة المصارف، لكن خبراء اقتصاديين يعتبرونها من بين الأسباب الرئيسية التي ساهمت في تعميق أزمة البلاد المالية.- “الليرة بخير”-يتكلّم سلامة بصوت منخفض ومن دون أي انفعالات. ولا يبتسم إلا نادرا.مع بدء أزمة شحّ السيولة وفرض المصارف قيوداً مشددة على سحب الودائع خصوصاً بالدولار في خريف 2019، أصرّ في الأشهر الأولى على أن “الليرة بخير”. اليوم وبعد أكثر من ثلاث سنوات على انهيار صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850، فقدت العملة المحلية أكثر من 98 في المئة من قيمتها أمام الدولار.ورغم الانتقادات التي طالت أداءه، وشبهات الاختلاس وغسل الأموال والإثراء غير المشروع التي تلاحقه في لبنان والخارج، بقي سلامة في منصبه، مستفيداً من حماية سياسية توفّرها له قوى رئيسية في البلاد.ويرى الخبير في الأسواق المالية إنه كان لدى سلامة طموح للوصول الى رئاسة الجمهورية، ما يبرّر “عدم رفضه لأي طلب من الطبقة السياسية”، وكذلك “حمايته للمصارف التي يُعد السياسيون من مساهميها الرئيسيين”.ومع قرب انتهاء ولايته في تموز/يوليو المقبل، يقول مصدر دبلوماسي غربي لفرانس برس إن الدول الغربية حذّرت السلطات اللبنانية من مغبة التمديد له، بعد أنباء عن وجود اتجاه لذلك، باعتبار أن التمديد له “سيشكّل رسالة سلبية للمانحين الدوليين”.لكنّ سلامة أعلن في مقابلة أخيراً أنه سيترك منصبه عند انتهاء ولايته التي يبدو أن الأشهر الأخيرة منها ستكون حافلة على وقع الشبهات التي تلاحقه محلياً وأوروبياً، وتتنوّع بين غسل أموال واختلاس وإثراء غير مشروع وتهرّب ضريبي.ولطالما رفض سلامة التهم الموجهة إليه، متحدثا عن “بيانات مزورة” وخلفيات “سياسية”. وفي مقابلة مع فرانس برس في كانون الأول/ديسمبر 2021، أبدى سلامة استعداده للتعاون مع كل التحقيقات، مضيفاً بتهكّم “سيتبين بعد قليل أنني أخذت كل أموال لبنان ووضعتها في جيبي”.
Comments are closed.