مبادرة “م مسلم”: حملة تستعين بالتراث للتوعية بحقوق المثليين المسلمين

يحكي أنّ رجلاً صوفيّاً ذاع صيته في بغداد لأنه أحبّ جندياً. وكان المتصوّف يترصّد مرور موكب الجندي كلّ ليلة، من سطح بيته، كي يراه من بعيد.

ذات مرة، وبينما كان يتعبد سمع صوت حوافر حصان الجندي، فوقع من على السطح، وضحك عليه غلمان في حيّه كانوا يعرفونه. سألهم الجندي عن سبب ضحكهم، فأخبره أحدهم أن الصوفيّ يهواه منذ زمن. فقال الجندي: “بئس المرء الذي لا يعرف من أحبه”.

هذه الحكاية واحدة من المرويات التراثية التي يزخر بها الموروث الشعبي في المجتمعات العربية والإسلامية وتتناول قصص حبّ بين أشخاص من الجنس ذاته، بعضها موثّق وبعضها الآخر تداوله الناس في أقاصيصهم الشعبيّة.

من هذه المرويات، استقت مبادرة “م مسلم” موضوع حملتها على مواقع التواصل بعنوان “منذ قديم الأزمان”، بدعم من منظمة “بداية” المعنية بحقوق ذوي التوجهات والهويات الجنسية المختلفة في مصر والسودان.

تسعى مبادرة “م مسلم” إلى نشر التوعية حول حقوق “أفراد مجتمعات الميم المسلمات والمسلمين”، من خلال الاستعانة بالتاريخ، “للتأكيد على أنّ الميول الجنسية المختلفة لم تكن دوماً تقابل بالوصم والنبذ في بيئة المجتمعات العربية والإسلامية، بل كانت في بعض المراحل، شأناً عادياً”.

تاريخ ملوّن

قصّة الصوفيّ والجندي المشار إليها، واحدة من عدّة قصص نشرتها صفحة “م مسلم” على فيسبوك، لأنّ “حكايات قيس وليلى، وعنتر وعبلة، لم تكن قصص الحبّ الوحيدة في الجاهلية أو ما بعد الإسلام”.

https://www.facebook.com/meem.muslim/photos/a.796773280504194/1694827720698741/

من تلك القصص، حكاية امرأة عربية تدعى رغوم وحبيبتها نجدة، اللتين عاشتا قبل الإسلام، وشاعت قصة حبّهما بين العرب. وحين علم أخ رغوم بالأمر، قتل حبيبتها. أضمرت رغوم له الحقد، وحرّضت عليه قبيلة نجدة، فقامت حرب بين القبيلتين.

تستكمل سلسلة “منذ مئات السنين” تجربة مماثلة أطلقتها “م مسلم” سابقاً بعنوان “تاريخنا الملوّن”، وتعود فيها إلى شخصيات تاريخية عرفت بميولها المثلية، ومن بينها الخليفة العباسي محمد الأمين (787-813)، ابن هارون الرشيد.

https://www.facebook.com/meemmuslim.org/photos/a.107447504456201/108527261014892/

وبحسب المصادر التي تستند إليها المبادرة، أحبّ الأمين غلاماً يدعى كوثر، ونظم فيه الشعر، ما أثار غضب والدته زبيدة بنت جعفر التي أرادت تزويجه. وفي محاولة من الأم لتحبيب ولدها بالنساء، طلبت من الجواري في القصر ارتداء زيّ الذكور.

أدّى شيوع زيّ الذكور بين الجواري، إلى انتشار ظاهرة الغلاميات، ويعتقد أنّهن كنّ من العابرات جنسياً اللواتي ساعدهنّ الظرف السياسي حينها في التعبير عن جنسانيتهنّ بحريّة.

حين كانت المثلية أمراً “عادياً”

يعود القيّمون على المبادرة إلى التاريخ لأنه يستخدم دوماً لإلصاق صفة “الشذوذ” بالمثليين، عبر وصفهم بأنّهم “ظاهرة غريبة على تاريخ العرب والمسلمين”.

برأي سامر (اسم مستعار)، أحد القيّمين على “م مسلم” من مصر، فإنّ “المثلية لم تكن مفهوماً غريباً عن البيئة العربية عبر التاريخ، لا قبل الإسلام ولا بعده، إذ أنّ عدداً من الفقهاء المسلمين، والقضاة، والشعراء، في عصور إسلامية مختلفة كانوا مثليين، أو يتناولون موضوع الميول المثلية بأريحية”.

ويرى سامر إنّ النقطة الفاصلة في التجريم المجتمعي للميول الجنسية، كانت تاريخية سياسية، قبل أن تكون دينية. “قبل حقبة الاستعمار، ألغت الخلافة العثمانية تجريم المثلية، وبالنظر إلى التاريخ والقصص المتداولة شعبياً عن العصر العباسي مثلاً، لم تكن الميول المختلفة تثير الدهشة أو التعجب، بل كانت جزءاً عادياً من الحياة اليومية”.

ويشير سامر في هذا السياق إلى كتابات المستشرقين الذين لطالما “كانوا يشعرون بالاندهاش من جرأة العرب وحديثهم المنفتح عن المواضيع الجنسية (…)، فالموقف السلبي من الجنس ليس متأصلاً في التعاليم الدينية، بل كان من نتائج الاستعمار الذي فرض تغيير أنماط التفكير المحليّة لتتناسب مع مفهوم المستعمر عن الحداثة”.

“ربنا أمرنا بالتفكّر”

في وقتنا الراهن، تعلن المرجعيات الدينية المسلمة، على اختلاف توجهاتها، رفضها للمثلية، باعتبارها “شذوذاً واعتداءً على القيم الإسلامية”.

لذلك فليس من الشائع أن يكون المثليّ متديناً، بل يوضع غالباً أمام خيار صعب: أن ينكر حقيقة ميوله، أو أن يتخلّى عن إيمانه.

نشأ سامر في عائلة متدينة، وكان الدين، ولا يزال، يمثّل “قيمة كبيرة جداً”، في حياته. لذلك كان بحاجة ليعرف رأي الدين بميوله، ما أن أدرك وجودها.

منذ صغره، تلقّى سامر تعليماً دينياً في علوم الحديث والقرآن والتفسير، ما ساعده على البحث والخوض في المصادر، ليجد فيها ما حثّه على التصالح مع نفسه.

يخبرنا: “حين بدأنا باكتشاف ميولنا، كنا بحاجة ماسة إلى منصة تقدّم معلومات مماثلة. كنت أحتاج لمن يقول لي إنّي لست (غلط)، وإنّ ربنا ليس ظالماً”.

بعد مجهود بحثي كبير، بدأ سامر بنشر أبحاثه في مجموعات مغلقة، وأشرك دارسين في الأزهر في النقاش. وبعدما وجد أنّ الاهتمام كبير، أطلق مبادرة “م مسلم” عام 2017، ويقتصر عملها اليوم على ناشطَين فقط، يصبان جهدهما على الانترنت ومواقع التواصل.

يقول: “ربنا أمرنا بالتفكر والتدبر، وأن ننظر في الآيات والنصوص لنرى أي الآراء توافق العقل السليم لأن الجمود ليس ما نصحنا به القرآن”. ويضيف: “لم أجد سورة أو آية تقول مباشرةً إن المثلية جريمة، ووجدت أنّ الأحاديث المشار اليها لإدانة المثليين ضعيفة أو ضعيفة جداً”.

أئمة مثليون

يتذكر سامر صدمته حين شاهد على التلفزيون، للمرة الأولى، إماماً يتحدث عن مثليته بصراحة.

ضمن الحملة، شاركت صفحتا “م مسلم” و”بداية” معلومات جديدة عن أئمة ورجال دين مسلمين، يعلنون مثليتهم، أو يزوّجون مثليين.

https://www.facebook.com/meem.muslim/photos/a.796773280504194/1705868102928036/

من بين هؤلاء إمام مسجد التوحيد في كندا، فاروق خاكي، المتزوج من رجل مسلم. وكذلك الإمام الجنوب افريقي محسن هندريكس، وكان أحد أول الأئمة المسلمين المعاصرين الذين أعلنوا أنهم مثليون، وأسس جمعية الفطرة في جنوب إفريقيا لدعم المسلمين من مجتمع الميم.

يقول سامر إنّ المبادرة لا تهدف إلى تفسير النصوص الدينية بما يخدم مصالح أصحابها، ولا إلى استفزاز المجتمع، بل تتوجه إلى من يمرون بالتجربة ذاتها.

هكذا، تستلهم الصفحة قصص مثليين مسلمين من حول العالم، وتجارب جمعيات تعنى بحقوق مجتمع الميم المسلم في دول عدّة، لتقدّم نصائح للشباب والشابات المسلمين الذين يصارعون لفهم ميولهم الجنسية.

https://www.facebook.com/meem.muslim/photos/a.796773280504194/1705901202924726/

في كتيّب بعنوان “دليل تقبّل الذات”، تشدّد المبادرة على مفاهيم الحبّ والرحمة. ويرد فيه: “يحبك الله كما أنت، وترك الإيمان به فقط بسبب هويتك هو أسوأ خيار يمكنك اتخاذه”. وأيضاً: “تذكر/ي أن الله قد خلق جميع مخلوقاته بالجمال والحب، كونك كويريًا/ـة لا يجعلك أقل إسلاماً أو أقل تديناً”.

يخبرنا سامر أنّ صفحة “م مسلم” على فيسبوك، تتلقى عشرات الرسائل التي تحتوي شتائم وأدعيةبدخول للنار وتهماً بالعمالة. “لكن في الوقت ذاته يتواصل معنا كثيرون لشكرنا لأن ما قدمناه أحدث فرقاً في حيواتهم، وأكثر ما يفرحني ويترك أثراً طيباً في نفسي، حين تصلني رسالة من شخص يقول إنّ منشوراتنا أثنته عن الانتحار”.

في أحدث اصداراتها، نشرت صفحة “م مسلم” على فيسبوك دليلاً جديداً موجهاً للمسلمين العابرين جنسياً، لمساعدتهم على قبول هويتهم الجندرية، وفهمها. يتضمّن الدليل إرشادات ونصائح، لمساعدة الحائرين في التعبير عن هويتهم.

كذلك يتضمّن الدليل شهادات لعدد من العابرين المسلمين، منها شهادة لحسنين (19 عاماً)، يقول فيها: “أنت حلال، هويتك حقيقية، الله يحبك. والإسلام دين مرن وشامل بإمكانه أن يناسب أصحاب كلّ الهويات”.

الصور المرفقة بالتقرير من مجموعة فوتوغرافية بعنوان “زيارة ذهب” للفنان البنغالي العابر جنسياً نبيل فيغا، ومستخدمة بإذن منه. عرضت المجموعة في معرض بعنوان “المسلم الثالث: روايات كويرية وعابرة مسلمة عن المقاومة والصمود”.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.