القطاع المصرفي في لبنان: البنوك تضطر إلى تسريح موظفيها وتقليص عمليات الإقراض

يجمع المحللون والخبراء على أن القطاع المصرفي اللبناني بات الضحية الأبرز لقسوة الأزمة المالية للبلاد، بعد أن حملت عدة مؤشرات دلائل صادمة على أن البنوك بدت عالقة في دوامة التراجع على كافة المستويات، وأنها على وشك الانهيار في حال استمر الجمود السياسي طاغيا على مناحي الحياة الاقتصادية للدولة.

أُجبرت البنوك في لبنان، التي كانت محركا للاقتصاد ذات يوم عبر استقطاب ودائع بالمليارات من الدولارات من الخارج، على خفض الوظائف، وبدأت تسجل انكماشا في دفاتر القروض وتلاحق السيولة لكي تظل قيد النشاط.

وتعاني البنوك، التي تعد محورية للاقتصاد القائم على الخدمات، حالة من الشلل. وقد حالت بين أصحاب المدخرات وحساباتهم الدولارية أو أبلغتهم أن قيمة الأموال التي يمكنهم الحصول عليها انخفضت، بعد أن انهارت العملة المحلية مما زج بشريحة واسعة من السكان في براثن الفقر.

وتواجه البلاد أزمة اقتصادية عميقة بعد أن عملت حكومات متعاقبة على تراكم الديون في أعقاب الحرب الأهلية (1975 – 1990) دون أن يكون لديها ما تستند إليه مقابل انغماسها في الإنفاق.

وقال أربعة مصرفيين كبار لرويترز إن نحو ثلاثة آلاف مصرفي، أو ما يزيد عن عشرة في المئة من قوة العمل في القطاع المصرفي، استقالوا أو خسروا وظائفهم منذ اندلاع الأزمة المالية في أواخر 2019، فيما تواصل الأرقام الارتفاع.

وبينما تسري قيود فعلية على رأس المال، وحيل بين المودعين ومعظم مدخراتهم، تظهر الكشوفات أن الإقراض للقطاع الخاص هوى بشكل مطرد.

ووفقا لمذكرة صادرة عن بنك بيبلوس، فقد انخفضت القروض المصرفية في أبريل الماضي بواقع 25 في المئة على أساس سنوي لتصل إلى 33 مليار دولار.

وقال أحد المصرفيين الذي طلب عدم نشر اسمه “القطاع مات. لا يقوم بالإقراض، ولا يحقق أرباحا”.

وكان محافظ مصرف لبنان المركزي رياض سلامة قد قال الشهر الماضي في تصريحات صحافية لقناة العربية مبررا متانة البنوك إن “النظام المصرفي صحيح أنه غير فعال لكنه لم ينهار لأنه لم تحدث إفلاسات”.

وتواجه البنوك أكبر تحد منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها في الفترة بين 1975 و1990، وهو الصراع الذي أسفر عن أضرار أقل للبنوك وفقا لبعض المعايير.

وكبدت الأزمة القطاع خسائر بقيمة 83 مليار دولار، كما أشار إلى ذلك تقرير حكومي في العام الماضي، وهو رقم يتضاءل إلى جانبه الناتج المحلي الإجمالي للبنان البالغ 55 مليار دولار في 2019.

وقال توفيق كاسبار الخبير الاقتصادي الذي عمل مستشارا لصندوق النقد الدولي ووزير مالية سابق إن “الأزمة في لبنان بالأساس انهيار مصرفي في المقام الأول”.

وشكل قطاع الخدمات المالية في لبنان، الذي كان يصور نفسه في وقت ما على أنه سويسرا الشرق الأوسط، قرابة تسعة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2018.

وبدعم من مصرف لبنان المركزي الذي يعرض أسعار فائدة مغرية للدولارات الجديدة لخدمة الدين الآخذ في الانفجار في البلاد، استقطبت البنوك الودائع، على الأخص من اللبنانيين في المهجر. وحينما انهار ذلك الهيكل في 2019، تداعى الاقتصاد وتضرر النظام المصرفي.

وقال سليم صفير رئيس جمعية البنوك اللبنانية إن البنوك الآن تصمد بفعل عوامل من بينها السيولة الناتجة عن ‘التخلص من المديونية’، إذ ينقل الكثير من اللبنانيين أموالهم من البنوك لسداد ديون على أفراد وأخرى خاصة بالشركات.

وأوضح صفير وهو أيضا الرئيس التنفيذي لبنك بيروت “في الأوضاع العادية يكون الإقراض هو عمل البنك، لكن في مثل تلك الأوضاع يمنحنا ذلك السيولة، يمنحنا هواء جديدا لمواصلة الصمود خلال الأزمة”.

وبحسب تقديره، فإن القطاع، الذي كان يوظف نحو 28 ألفا قبل الأزمة، يعمل به الآن نحو 25 ألفا فقط، مما يؤكد مدى الضغوط التي يمر بها.

وقدم المصرفيون الكبار الثلاثة الآخرون أرقاما مماثلة لخسائر الوظائف في القطاع، ورجحوا في تقييمهم أن يواصل الرقم في الارتفاع.

وقالت المصادر إن معظم فاقد الوظائف في قطاع التجزئة المصرفية، الذي يخدم في المعتاد أنشطة مصرفية أساسية مثل استقطاب الودائع أو بيع القروض إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة التي فقدت قوة الدفع أو ببساطة انهارت.

وتراكمت خسائر الوظائف في ظل الجمود السياسي الذي ترك لبنان بلا حكومة، بعد أن استقال مجلس الوزراء في أعقاب انفجار هائل بمرفأ بيروت العام الماضي والذي ألحق أضرارا بأجزاء كبيرة من العاصمة.

وأدى الجمود السياسي إلى تأخير اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وهو عامل حيوي في خطة إنقاذ أوسع نطاقا لإصلاح النظام المالي والاقتصادي اللبناني المتضرر.

ويقول مصرفيون ومحللون إن أي إعادة هيكلة لبنوك لبنان البالغ عددها نحو 40 والتي تضخمت أصولها لتصل إلى ما يعادل 167 في المئة من الناتج الاقتصادي للبلاد في ذروتها الأخيرة عام 2015، يجب أن يكون جزءا من خطة إعادة هيكلة شاملة.

وقال مصرفي كبير آخر “لا توجد استراتيجية للقطاع المصرفي. نعمل في ظل انعدام للرؤية”، مضيفا أن البنوك قادرة على العمل فقط “في وضع الاستمرارية”.

وقالت وكالة التصنيف الائتماني ستاندرد أند بورز بعد أن تعثرت الحكومة في سداد الديون العام الماضي إن المدى الكامل للخسائر لن يتضح إلا حين تعيد الحكومة هيكلة جبل ديونها.

وأشار خبراء ستاندرد أند بورز في تقريرهم إلى أن تكلفة إعادة هيكلة النظام المصرفي قد تتراوح بين 23 مليار دولار إلى 102 مليار دولار.

وأصدر المركزي توجيهات للبنوك بزيادة رأسمالها الدفاعي 20 في المئة بحلول نهاية فبراير الماضي، كما طالبها بتعزيز السيولة بنسبة ثلاثة في المئة لدى بنوك المراسلة التي تتعامل معها.

وقال رئيس جمعية البنوك صفير إن “البنوك أكملت الزيادة وأن التوجيه الآخر كان بزيادة السيولة الأجنبية”.

وأوضح أن هذا “أكثر صعوبة إذ أنه يجب عليك تسييل بعض أصولك الأجنبية، وسيتعين على المودعين إعادة تحويل بعض ودائعهم في الخارج للبلاد”. وقال “هذا السبب في أنه يستغرق بعض الوقت”.
العرب

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.