غياب شرط قانوني في السندات اللبنانية سيُعّقِّد أي عملية إعادة هيكلة محتملة

رويترز: في ضوء إشارات الإنذار التي تطلقها سندات لبنان التي تعاني من أزمة ديون سيادية تلوح في الأفق، فإن أي إعادة هيكلة محتملة ستزداد تعقيدا على الأرجح، في غياب شرط قانوني شائع يمنع حملة السندات من عرقلة المفاوضات في المحاكم.


ولبنان من بين عدد قليل من الدول – إلى جانب البهاما وأذربيجان ومقدونيا وبولندا – لا تستخدم ما يسمى بـ»شروط العمل الجماعي المُحَسَّن»، في الإطار القانوني الحاكم لمبيعات سنداته في الآونة الأخيرة.
فقد أصدر لبنان المأزوم سندات دولية بنحو 15 مليار دولار منذ أكتوبر/تشرين الأول 2014 دون استخدام تلك الشروط – أي أكثر من أي بلد آخر، وفقا لتقرير من «صندوق النقد الدولي» صدر في مارس/آذار.
وتُيسر مثل تلك الشروط التي يشجع عليها صندوق النقد المضي قدما في إعادة هيكلة ديون الدول، عن طريق تمكين غالبية الدائنين من الاتفاق على تعديل شروط السداد في العقد أو إعادة هيكلة الدين، متجاوزين أي عقبات قد يضعها دائنو الأقلية الذين قد يفضلون التقاضي.
ويعني غياب هذه الشروط عمليا أن يتعين على المدين نيل موافقة بالإجماع على أي عملية إعادة هيكلة، مما يمكن أن تستغله صناديق المضاربة كثيرة التقاضي، والساعية لعرقلة أي حل عن طريق المطالبة بمدفوعات مشفوعة بأحكام قضائية.

أسس مستدامة

يعاني لبنان من أشد أزماته الاقتصادية منذ الحرب الأهلية بين 1975 و1990، وسط احتجاجات بدأت منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول. وقد أعلن مرارا التزامه بسداد أي سندات بالعملة الصعبة في موعدها، بما في ذلك 1.5 مليار دولار تستحق اليوم الخميس.
لكن مع تراجع أسعار سنداته الدولارية إلى أقل من نصف قيمتها الإسمية منذ اندلاع المظاهرات، فإن مراقبين ماليين عديدين يعتقدون ان لبنان قد يحتاج إلى عملية إعادة هيكلة ولو لجزء من سنداته القائمة البالغة 86 مليار دولار لكي يُرسي أوضاعه المالية على أسس مستدامة.
وقال أسامة هيماني، مدير الاستثمار في «باركفيو أدفيزرز»، وهي شركة لإدارة الثروات والأصول ليس لها استثمارات في لبنان «سيتعين على لبنان أن يظهر أن معاملة حَمَلة كل سند تضاهي الآخرين. وإلا، فإن ممانعات الأقلية قد تتحدى العملية قضائيا».
وتابع «إظهار أن معاملة حَمَلة كل سند تضاهي الآخرين ليس سهلا. فعلى سبيل المثال تأجيل مدفوعات للجميع لمدة عشر سنوات لن يمثل مضاهاة إذا كانت الكوبونات المُسددة مختلفة».
وفي السابق، كان غياب هذا الشرط القانوني يمثل تحديا لدول من بينها الأرجنتين التي مرت بإعادة هيكلة طويلة شابتها الفوضى بعد تخلفها عن سداد ديونها في 2001، لأسباب منها أن عددا قليلا فحسب من سنداتها في ذلك الوقت كان يتضمن مثل تلك الشروط، مما فتح الباب لصناديق التحوط ودائنين نشطاء آخرين للسير في طريق التقاضي.
ومع تأهب الأرجنتين لإعادة تفاوض جديدة بشأن ديونها، فإن غالبية سنداتها الجديدة تحوي «شروط العمل الجماعي المُحَسِّن» هذه، مما يعني إمكانية المضي في إعادة الهيكلة في حالة موافقة ثلثي حملة الدين أو ثلاثة أرباعهم.
وقال كميل أبو سليمان، وزير العمل في حكومة تصريف الاعمال في لبنان والرئيس السابق لأسواق رأس المال الدولية في شركة المحاماة «دتشيرت» الأمريكية، ان وضع لبنان شبيه بوضع الأرجنتين من الزاوية القانونية.
وأضاف ان السندات الدولية للأرجنتين كانت تشترط موافقة جميع حائزيها لإجراء أي تعديل للشروط، في حين تشترط السندات اللبنانية موافقة 75 في المئة على أساس الاقتراع لكل سلسلة إصدار من السندات على حدة.
ولم تكلل جهود لإدراج تلك الشروط في سندات لبنان في 2016 بالنجاح، بسبب التعقيدات السياسية الناشئة عن فراغ حكومي، حسبما قاله مصدر مالي مُطَّلِع.
وقال أبو سليمان «صحيح أن الاعتبارات السياسية منعت تبني بنود العمل الجماعي الأحدث التي توصي بها الجمعية الدولية لأسواق المال، والتي تسمح بتجميع السلاسل (الإصدارات) لأغراض الاقتراع والتعديل».
ويشهد لبنان أحدث نوباته من الشلل السياسي، مع قول سعد الحريري أمس الأول أنه لا يريد أن يكون رئيس الوزراء في حكومة جديدة بعد استقالته في 29 أكتوبر/تشرين الأول.

خفض تكاليف الاقتراض

وقال المصدر المالي، الذي أشار إلى عدم إصدار لبنان سندات دولية منذ 2017، ان غياب «شرط العمل الجماعي المُحَسَّن» يفرض عليه التفاوض بشأن كل من سلاسل سنداته على حدة، إذا كان له أن يمضي صوب إعادة الهيكلة.
ويشدد «صندوق النقد الدولي» على أن مثل تلك الشروط تُسهم عموما في خفض تكاليف الاقتراض، ويمكن أن تقدم مساعدة عملية للدول منخفضة التصنيف في خضم فترة صعوبات في السوق.
ونحو ثلثي الدين الأجنبي للبنان في حوزة البنوك المحلية وفقا للتقديرات، لكن البقية مع جهات أجنبية.
ومن بين حملة سندات لبنان في نهاية سبتمبر/أيلول شركات «أموندي»، و»إنفسكو»، و»ألاينس برنشتاين»، و»فيديلتي»، وبنك «جيه.بي مورغان» وفقا لبيانات «رفينيتيف». وقالت «فيديلتي» أنها ما زالت تحوز مركزا في السندات، بينما لم يرد الآخرون حتى الآن على أسئلة من رويترز إن كانوا مازالوا حائزي سندات.
ومن غير الواضح من يحمل الدَين القائم حاليا – بعد قلاقل داخلية وتراجعات حادة في أسعار السندات لأسابيع.
أما صناديق التحوط المتخصصة في التقاضي على الدَين والمعروفة بمعاركها القضائية مع الأرجنتين بسبب ديونها غير المسددة، مثل «إليوت مانجمنت»، و»أوريليوس كابيتال مانجمنت»، فلم ترد هي الأخرى حتى الآن على طلب للتعليق.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.