«الحب من النظرة الأولى».. جرعة مهدئة للأعصاب

الحب من النظرة الأولى

للسينما مواسم تواكب مواسم السنة وتَبدل الطبيعة وما يرافقها من مناسبات اجتماعية وأعياد وإجازات حددها البشر واختاروا مواكبتها سنوياً بشيء من الاحتفال الذي يعيشون طقوسه بطرق مختلفة، مثل موسم «الهالويين» حيث تنتشر أفلام الرعب والقتل والجرائم منها الجاد ومنها الكوميدي، وأعياد رأس السنة المصحوبة دائماً بأفلام عائلية رومانسية وأفلام مناسبة للأطفال ترافق إجازتهم الشتوية.. ويبقى الإجماع الأكبر للمشاهدة العائلية في المنزل على اختيار هذه النوعية من الأفلام الرومانسية الناعمة، وهو ربما دفع «نتفليكس» إلى زيادة هذه الجرعة وعرض فيلم «الحب من النظرة الأولى» حديثاً، والذي تتوقع عادة أن تشاهده في موسم الكريسماس ورأس السنة لأنه يجمع بين الرومانسية والقصة الاجتماعية، وتحب مشاهدته لكثرة سلاسته وكأنه جرعة مهدئة للأعصاب.

هل هناك رومانسية حديثة ورومانسية قديمة؟ كلما شاهدنا ما تنتجه السينما «الطبيعية» أي تلك التي تسير باتجاه «الحياة الاجتماعية الطبيعية» دون أن تحيد بقصصها نحو الشذوذ بمختلف أشكاله وأنواعه، وتلك التي لا تتعمد لي ذراع الطبيعة البشرية التي خلقنا عليها الله، ندرك أن مسار الدراما في مجمله واحد منذ الأزل، لذلك ليس من السهل أن يكتب أحدهم رواية أو قصة يبتكر فيها أحداثاً لم تمر على الشاشة من قبل، إنما الابتكار يكون في التجديد والتطوير والبحث عن نقطة معينة يبرزها الكاتب ليبني عليها أحداثه ويسرد الحوار في سياق مشوق منطقي واقعي قدر المستطاع، و«لاف أت فيرست سايت» يشبه أفلام هذا العصر، ليس خالداً ولكنه يصيب الهدف، يجذب الجمهور خصوصاً الشباب ويرضيهم كعمل رومانسي ناجح غير مبتذل، يركز على فكرة أن الحب ليس من المفترض أن يكون منطقياً، لا يقاس بالحسابات والأرقام، ولا يمكن توقع حدوثه وقتما نشاء، وأن الحياة لا بد أن تفاجئ الإنسان دائماً، مهما كان حذراً وكارهاً للمفاجآت ويفضل تغليب العقل والمنطق على المشاعر والعواطف، وأن الحياة تجعل المرء يواجه مخاوفه وأن يعترف بمشاعره مهما حاول الهروب منها ومهما كان بارعاً بالحسابات والأرقام ولا يؤمن بالحب من أول نظرة.

1
جينيفر سميث هي مؤلفة ثمانية كتب للشباب، لاقت نجاحاً عند نشرها وعند تحويلها إلى أفلام سينمائية، منها «هذا ما تبدو عليه السعادة» الكتاب الذي صدر عام 2013، وسبقه «الاحتمالية الإحصائية للحب من النظرة الأولى» عام 2011، والذي أخذ عنه هذا الفيلم وكتبته للسينما مع كاتي لوفجوي صاحبة رواية «إلى جميع الأولاد: دائماً وإلى الأبد» (2021)، وتم اختصار اسمه ب «لاف أت فيرست سايت» أو «الحب من النظرة الأولى»، ويمكن القول إنه فيلم بقيادة نسائية بين التأليف والكتابة السينمائية والإخراج، حيث تولته المخرجة التلفزيونية المخضرمة فانيسا كاسويل.

1
بساطة الفيلم

ما يزيد إحساسك ببساطة الفيلم أنه يدور في يوم وليلة، لا إبهار في التصوير رغم بعض اللقطات الرائعة والذكية، مثل مشهد تصوير البطلة من أسفل لتبدو واقفة في الشارع في لندن ومن فوقها تحلق طائرة في السماء، مشهد معبّر جداً وفق سياق الأحداث.. كذلك الأزياء بسيطة وبالكاد يبدل البطلان ملابسهما مرة واحدة هي ترتدي فستاناً للعرس شكله مضحك، وهو يرتدي زياً شكسبيرياً.. الأحداث تبدأ من مطار جون كينيدي في نيويورك يوم 20 ديسمبر، حيث نرى الشابة هادلي (هالي لو ريتشاردسون) ابنة العشرين ربيعاً تسرع للحاق بطائرتها المتجهة إلى لندن، لكنها تأخرت أربع دقائق ما اضطرها إلى حجز مقعد على متن الرحلة التالية ولكن بدرجة رجال الأعمال.

1
يرافقنا صوت الراوي أو بالأحرى الراوية (جميلة جميل) لتخبرنا بأن يوم 20 ديسمبر هو أسوأ يوم في العام في المطار، حيث يصل ويغادر أكثر من 193000 مسافر، مما يتسبب في تأخير متوسط قدره 23 دقيقة عند تسجيل الوصول ووقت انتظار يصل إلى 117 دقيقة عند جوازات الأمن، تلاحظ أن التركيز على الأرقام ونسبة معظم الأشياء إلى الإحصائيات مرده إلى أن البطل شاب مهووس بالرياضيات، كل شيء في الحياة محسوب بالأرقام والمنطق من وجهة نظره، إنه أوليفر (بن هاردي) البريطاني الذي يدرس الإحصاء وعلوم البيانات في جامعة ييل، ويعود اليوم إلى لندن ليشارك عائلته مناسبة لم يفصح عن طبيعتها.

تبحث هادلي عن شاحن لهاتفها الخلوي الذي تفرغ بطاريته باستمرار، فيعرض عليها الشاب أن تأخذ مكانه، تلتقي العيون فتبدأ الحكاية.. حين يعرفها باسمه أوليفر، وتجيبه مازحة «مثل أوليفر تويست»، يعلّق ساخراً «ويقولون إن الأمريكيين غير مثقفين»، في تلميح تقليدي للعنصرية الدائمة بين «البريطانيين» و«الأمريكيين».. حوار ظريف، كوميديا خفيفة، يتناولان الطعام معاً ثم يسرعان إلى الطائرة كي لا تفوتهما، ليواجه أوليفر أول مفاجأة غير متوقعة حيث يكتشف أن حزام الأمان مكسور في مقعده ما يضطر مضيفة الطيران إلى نقله إلى المقعد الخالي الوحيد والذي «يصادف» أن يكون في درجة رجال الأعمال وبجانب هادلي.

خوف البطلين

فرصة أكبر لاستكمال التعارف بين البطلين دون أن يتعمّدا التقرّب من بعضهما بعضاً، كل يعترف بنقاط ضعفه وخوفه الثلاث، كلاهما لا يحب المايونيز، هي تخاف الأماكن المغلقة والطيران، وهو يخاف من المفاجآت ولا يؤمن بالقدر لأن كل شيء محسوب ويجب أن يكون متوقعاً، ويعود كرهه وخوفه من المفاجآت منذ أن اكتشف أن والدته تعاني مرض السرطان قبل 14 عاماً وتمكنت من الانتصار عليه ثم عاد مجدداً. هادلي تحب قراءة تشارلز ديكنز، وتلفتها عبارة له «أيهما أفضل، امتلاك شيء ثم فقدانه أم عدم امتلاكه من الأساس؟»، هذه العبارة يكون لها دور ومعنى وأثر خلال مجرى الأحداث لاحقاً.

هادلي مسافرة إلى لندن للمشاركة في حفل زفاف والدها، تحكي بشكل عفوي عن طفولتها وحزنها من طلاق والديها محملة المسؤولية لوالدها لأنها لم تفهم سبب تركها وأمها وحدهما، إذ لم تشعر سابقاً بأي خلافات أو مقدمات لهذا الطلاق؛ عند الوصول يفترق البطلان مع وعد بأن تحاول هادلي الاتصال بأوليفر على الرقم الذي يسجله لها على هاتفها، لكن القدر يشاء أن يقع من يدها الهاتف وكالعادة «تموت البطارية»، هنا تشعر هادلي وتشعر أنت معها بأن لقاءهما سيكون مستحيلاً فهي غريبة ولا تعرف اسمه بالكامل ولا مكان إقامته، كذلك هو لا يعرف كيف يصل إلى مكان الزفاف.

المخرجة تقدم لنا مشهد خروج هادلي وكيف استقلت سيارة تاكسي ووصلت قبل أربع دقائق فقط من بدء الزفاف، ولاحقاً تعيد الشريط إلى الوراء لنرى الطرف الآخر من القصة، أي ماذا فعل أوليفر كيف انتظر خروج هادلي واضطر للمغادرة مع أخيه دون أن يراها.. ثم نرى أن ما جاء من أجله أوليفر هو المشاركة في حفل تأبين والدته التي اختارت أن يكون قبل وفاتها وهي تحتضر، لأنها لا تحب أن يقول الأهل والأصدقاء الكلام الجميل عنها بعد رحيلها بل تفضل أن تسمعه بنفسها.

ثنائي منسجم

المضحك أن الراوية والتي تؤديها بخفة ظل جميلة جميل، ترافقنا وتظهر بجانب البطلين في مختلف المراحل وبشخصيات متعددة، مرة مضيفة طيران ومرة سائقة حافلة وثالثة نادلة في مطعم.. هالي لو ريتشاردسون (بطلة «فايف فيت أبارت» (2019) التي أحببنا أداءها وتأثرنا برقة مشاعرها وبراءة ملامحها) وبن هاردي هما ثنائي منسجم يمنح العمل سبباً إضافياً ومهماً للنجاح، فنقضي ساعة ونصف الساعة متأثرين بالأحداث التي تنساق بانسيابية خلف لعبة القدر، لتثبت أن العقل والحسابات والرياضيات لا تستطيع التحكم بكل شيء في الحياة.

مارلين سلوم – الخليج

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.
مواضيع تهمك

Comments are closed.