جون كيري في بكين: هل ستنحي الولايات المتحدة والصين التنافس بينهما من أجل العمل المناخي؟

المبعوث الرئاسي الأمريكي الخاص للمناخ جون كيري لدى وصوله إلى مأدبة عشاء رسمية في قصر الإليزيه الرئاسي، على هامش قمة الميثاق المالي العالمي الجديد في باريس، فرنسا في 22 يونيو/حزيران 2023

Getty Images

مع وصول جون كيري إلى الصين، سيكون السؤال الرئيسي هو: هل ستكون القوتان العُظميان الأكبر في العالم، والأكثر تلويثا له، قادرتين على تبديد التوترات الدبلوماسية للتركيز على الأهداف المناخية الرئيسية.

وكيري، المبعوث الأمريكي الخاص المعني بالمناخ، هو أحدث مسؤول كبير ترسله واشنطن إلى بكين بعد زيارات أنتوني بلينكن وجانيت يلين، فيما تسعى الولايات المتحدة إلى استئناف العلاقات المتوقفة مع بكين.

وسيلتقي نظيره الصيني شيه تشن هوا ومسؤولين آخرين في رحلته التي تستغرق أربعة أيام. يقول مكتب كيري إنه يريد العمل مع الصين على “زيادة الطموحات والتنفيذ” في مجال العمل المناخي، وضمان نجاح كوب 28، وهو مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ المقرر عقده في نهاية العام.

بيد أنه من غير المتوقع أن يسفر اجتماعهم على نطاق واسع عن أي قرارات ملموسة، إذ ينظر إليه كمجرد بداية للمحادثات. ومن المحتمل أن يناقشوا فيه تحدياتهم المشتركة في مجال تسريع تحولهم إلى الطاقة النظيفة وتقليل انبعاثات الكربون.

ويعد البلدان أكبر مستثمرين في الطاقة المتجددة، وتقدم الصين وحدها أكثر من نصف إجمالي الاستثمار في الطاقة المتجددة في العالم، وفقا لأحد التقييمات.

وأشار دان كامين، أستاذ الطاقة في جامعة كاليفورنيا، بيركلي، إلى أنهما هما أيضا أكبر مصدرين لانبعاثات الكربون في العالم، في الوقت نفسه.

وقال لبي بي سي “كلاهما يتخذان خطوات كبيرة، بيد أن أي منهما لم يُظهر انخفاضا في الانبعاثات حتى الآن”.

تحركات متناقضة

من الواضح أن كلتا الحكومتين لا تزالان تكافحان لتحقيق التوازن بين مطالب النمو الاقتصادي وخفض الانبعاثات، مما يؤدي إلى تحركات متناقضة أثارت انتقادات من دعاة حماية البيئة.

ولم يمض وقت طويل على بدء الصين في إظهار حرصها على تقليل اعتمادها على الفحم.

في عام 2020، أعلن الرئيس شي جينبينغ عن أهداف رئيسية لتحييد الكربون بعد زيادة مطّردة في السنوات السابقة في البنية التحتية للطاقة النظيفة. وأثارت سنوات من تفاقم الضباب الدخاني في بكين ومدن أخرى قلقا عاما واسع النطاق، مما دفع السلطات إلى إغلاق محطات الطاقة التي تعمل بالفحم بشكل تدريجي وخفض إنتاج الفحم.

لكن منذ ذلك الحين، عانى البلد من انقطاع التيار الكهربائي، ويعزى ذلك على نحو رئيسي إلى تقليل الاعتماد على الفحم في توليد الطاقة أو الجفاف الشديد الذي يؤثر في إنتاج الطاقة الكهرومائية. شهد الاقتصاد الناشئ في مرحلة ما بعد كوفيد، على الصعيدين المحلي والعالمي، زيادة الطلب على الطاقة مع زيادة المصانع الصينية للإنتاج. كما أدت موجات الحر الشديدة – مثل تلك التي شوهدت هذا الصيف – وموجات البرد إلى زيادة استهلاك الكهرباء.

تحوّلت الصين الآن إلى إعطاء الأولوية لأمن الطاقة لديها. وهذا يعني العودة إلى طاقة الفحم، لأنها أكثر موثوقية عند مقارنتها بتقطع طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

يتم تحميل الفحم على شاحنات لتسليمه إلى محطات توليد الطاقة، بعد تفريغها من السفن في الميناء في ليانيونغانغ بمقاطعة جيانغسو شرقي الصين في 12 يوليو/تموز 2023

Getty Images
لطالما اعتمدت الصين على حرق الفحم لتلبية احتياجاتها من الطاقة

في العام الماضي، وافقت الصين على زيادة كبيرة في إنتاج الطاقة من الفحم، وهو ما يعادل الموافقة على محطتين كبيرتين لتوليد الطاقة بالفحم في الأسبوع، وفقا لأحد التحليلات.

ووجد تحليل آخر أنه في حين أن الطاقة المتجددة تشكل الآن حصة أكبر من إنتاج الطاقة في الصين، فإن الطاقة التي تعمل بالفحم لا تزال ترتفع من حيث القيمة المطلقة بسبب الطلب الهائل.

تغير المناخ: المبعوث الأمريكي جون كيري يقول إن الرئيس جو بايدن قد يعلن حالة طوارئ مناخية

المحادثات الأمريكية-الصينية “خطوة إلى الأمام” رغم وجود “خلافات كبيرة”

انتقد النشطاء العودة إلى الفحم باعتباره طريقة كسولة لحل المشكلة، بحجة أن هناك سياسات السوق وحلول البنية التحتية التي يمكن أن تجعل إمدادات الطاقة النظيفة أكثر اتساقا.

أما بالنسبة للولايات المتحدة، فقد أقرت مؤخرا تشريعين من شأنهما ضخ مليارات الدولارات في الطاقة النظيفة. لكنها وافقت أيضا على أحد أكبر مشاريع التنقيب عن النفط والغاز في السنوات الأخيرة في ألاسكا.

كما زادت انبعاثات الكربون في الولايات المتحدة في عام 2022 حيث استهلكت البلاد المزيد من الغاز الطبيعي خلال الطقس القاسي في ذلك العام، وفقا لوكالة الطاقة الدولية.

ويقول البروفسور كامين: “الولايات المتحدة ليست أفضل حالا… لذلك كل واحد أمامه طريق طويل ليقطعه، وكل واحد يحتاج إلى تحفيز الآخر، والأهم من ذلك أن البلدان جميعها تراقب إلى أي درجة تكون الولايات المتحدة والصين جادتين تماما بشأن المناخ”.

وضع قوائم رغباتهم

يقول المحللون إن كيري قد يحاول إقناع الصين بالاستفادة الكاملة من مواردها من الطاقة النظيفة وتحقيق الحياد الكربوني بسرعة أكبر.

وتهدف الصين إلى بلوغ ذروتها في انبعاثات الكربون بحلول عام 2030، وأن تصبح محايدة كربونيا بحلول عام 2060، وهي أهداف يقول البعض إنها بعيدة جدا، وتمنحها مساحة كبيرة جدا. كما اعترض آخرون على حقيقة أن الصين لا تزال تعتبر “دولة نامية” في تصنيف الأمم المتحدة، مما يعني أنها تخضع لمعايير مختلفة عن الولايات المتحدة والقوى الكبرى الأخرى.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، حثّت يلين بكين على التبرع لصناديق المناخ الدولية التي أنشأتها الدول الغنية لمساعدة الاقتصادات الفقيرة التي تكافح مع تغير المناخ. وقد رفضت الصين مثل هذه الطلبات في الماضي، مستشهدة بوضعها في الأمم المتحدة.

وقد تتضمن قائمة الرغبات الخاصة بالصين إزالة التعرفة الأمريكية المعاد تطبيقها مؤخرا على الألواح الشمسية المصنعة في الصين. وقد تعترض أيضا على ضرائب أمريكية مقترحة على الصلب والألمنيوم الأجنبي على أساس انبعاثات الكربون، الأمر الذي سيضر الصادرات الصينية بشدة.

يتحدث المبعوث الصيني الخاص للمناخ، شي جينهوا، خلال بيان مشترك للصين والولايات المتحدة حول إعلان لتعزيز العمل المناخي في عشرينيات القرن الحادي والعشرين في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 في غلاسكو، اسكتلندا

Getty Images
سيكون المبعوث الصيني الخاص للمناخ شيه تشن هوا من بين المسؤولين الذين يرحبون بكيري

ويمكن للجانبين أيضا استخدام قضايا المناخ كورقة مساومة في مفاوضاتهما التجارية والسياسية الأوسع.

فقد حذّر لي شو، كبير مستشاري السياسة العالمية في شبكة “السلام الأخصر” فرع شرق آسيا ومقرها بكين، من أن الصين ستتردّد في أن يُنظر إليها على أنها تستسلم للولايات المتحدة بالنظر إلى الوضع الحالي لعلاقتهما.

وقال لبي بي سي إن هناك فرصة أمام كيري وشي “للاستفادة من هذه الفترة الهادئة نسبيا… لفصل علاقتهما الثنائية عن محادثتهما بشأن المناخ”.

التغير المناخي: تقرير استخباراتي أمريكي يحذر من احتدام التوتر في الشرق الأوسط وحول العالم

التغير المناخي: انبعاثات الصين من الغازات تفوق تلك الصادرة عن البلدان المتقدمة مجتمعة

بعبارة أخرى، يحتاج كلا البلدين إلى تنحية التنافس بينهما جانبا على وجه السرعة لمعالجة أزمة المناخ، كما يقول الخبراء. ثمة أمل في العودة إلى الصداقة التي شهدها اجتماع كوب 2021، عندما أعلنا عن اتفاقية مشتركة مفاجئة لتسريع خفض الانبعاثات.

ورأى “لا يزال بإمكانك تقديم حجة لفصل تجارتك، طالما أنك على استعداد لتحمل التكلفة. لكن لا يمكنك أبدا تقديم حجة لفصل المشاركة المناخية لأن… هذه المشكلة لن يتم حلّها بمفردها من قبل الولايات المتحدة أو الصين.

وقال لي “إنها حقا قضية عالمية تتطلب الأيدي كلها على الأرض”.

وافقه البروفيسور كامين. وقال “دعونا ندرك أنه إذا لم نصلح هذا، فإن كل خلافاتنا حول حقوق الإنسان والأشياء مهمة، لكنهم لا يقومون بعمل مجد”.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.
مواضيع تهمك

Comments are closed.