شمال إفريقيا: هل يهدد “المسار السياسي المتعثر” في دول المنطقة حرية الصحافة بشكل مثير للقلق؟

لافتة عن حرية الصحافة في تونس

Getty Images

من شرفة نقابة الصحفيين التونسيين، وسط العاصمة، وقفت نائبة رئيس النقابة التونسية للصحفيين أميرة محمد ترمق المارة بقلق. قائلة: “إنّ وضع الصحفيين، في البلاد، بات الأخطر، منذ ثورة 2011″، التي أطاحت بالرئيس الراحل، زين العابدين بن علي.

في حديقة المبنى، تجمّع عشرات الصحفيين للتعبير عن تضامنهم مع نور الدين بوطار، مدير إذاعة “موزاييك أف أم”، أكبر محطّة خاصّة في تونس.

وذكرت دليلة بن مبارك، وهي إحدى محاميات بوطار، أنّ موكّلها الموقوف على ذمّة التحقيق في قضيّة اصطلح على تسميتها بقضيّة “التآمر على أمن الدولة”، قد سُئل عن الخطّ التحريري للإذاعة أثناء التحقيق معه.

وأطلق الرئيس التونسي، قيس سعيد، في منتصف فبراير/شباط الماضي، حملة اعتقالات طالت، إلى جانب بوطار، ناشطين سياسيين ورجل أعمال وقضاة.

“التهديد بالقانون”

وقالت نقابة الصحفيين، في تقريرها السنوي الصادر الثلاثاء، إنّها سجّلت أكثر من 250 اعتداء على الصحفيين، خلال العام الماضي.

وقالت نائبة رئيس النقابة التونسية للصحفيين أميرة محمد، لبي بي سي نيوز عربي: “بعض هذه الاعتداءات أخد شكل العنف المادّي وبعضها الآخر العنف اللفظي، إلى جانب التهديد والحرمان من الوصول إلى المعلومة”.

وأضافت: “عمل الصحفيين بات مفتوحا على كل السيناريوهات”.

واعتبرت المسؤولة النقابية أن “المرسوم 54، الذي أصدره سعيّد في سبتمبر/أيلول الماضي تحت شعار (مكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال)، أخطر تهديد، منذ الإطاحة ببن علي، إذ يمثّل سيفا مسلّطا على رقاب الصحفيين”.

نقابة الصحافيين التونسيين

Getty Images

وقالت أميرة: “معظم القضايا التي أثيرت ضدّ صحفيين يقف وراءها أصلا أعضاء في الحكومة”.

وتراجع تصنيف تونس في المؤشر السنوي لحرية الصحافة، الذي تصدره منظمة “مراسلون بلا حدود”، إذ خسرت 27 مقعدا لتحتلّ المرتبة الـ 121.

منطقة خطيرة على الصحفيين

ولا تمثّل تونس استثناء في منطقة شمال إفريقيا، إذ تراجعت الجزائر بمقعدين إلى المرتبة 136والمغرب بتسعة مقاعد إلى المرتبة 144وليبيا بستة مقاعد إلى المرتبة 149، ووحدها موريتانيا التي قفزت من المرتبة 97 إلى المرتبة 86.

وفسّر مسؤول المناصرة في منظمة “مراسلون بلا حدود” بشمال إفريقيا، سمير بوعزيز، التراجع المقلق لحرية الصحافة في المنطقة بـ”تراكمات السنوات الماضية، حين غابت الإرادة السياسية لإصلاح ما يمكن إصلاحه”.

وأضاف لبي بي سي نيوز عربي: “هناك منحى استبداديا يؤثر بشكل مباشر على العمل الصحفي”.

ولم تُصدم الصحفية المغربية، هاجر الريسوني، بتقهقر بلادها إلى ذيل المؤشر، إذ ذكّرت بأنّ هناك “الكثير من الصحفيين الذين يقبعون وراء القضبان بسبب عملهم الصحفي”.

وقالت الريسوني، التي استقرت في العاصمة الفرنسية، باريس، في لقاء مع بي بي سي نيوز عربي: “معظم التهم الموجّهة للصحفيين السجناء تتعلّق بقضايا أخلاقية لتشويههم، أوّلا، وللتغطية على الخلفية الحقيقية لتوظيف القضاء ضدهم”.

وقالت الريسوني إنها وإن لم تعد ملاحقة قضائيا، فإنّها تتعرّض بشكل مستمرّ لحملات تشويه على “مواقع مقرّبة من السلطة الحاكمة”، على حد قولها.

الخصوصيّة الليبية

وحذّرت منظمة “مراسلون بلا حدود” من استمرار تغول التنظيمات المسلحة في ليبيا التي تقوض العمل الصحفي في بلاد لا تزال تكابد من أجل توحيد مؤسساتها السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية.

وأجمع عدد من الصحفيين الليبيين الذين فضلوا عدم كشف هوياتهم أنّ التنظيمات المسلحة تشكل تهديدا مباشرا لحياتهم، مضيفين أنّ الانقسام يُعقد وصولهم للمعلومة وتدقيقهم في صدقية الأخبار، بسبب تعدد المصادر غير الرسمية.

صورة متداخلة تعبر عن قيود حرية الصحافة في ليبيا

Getty Images
اضطر عشرات الصحفيين إلى مغادرة ليبيا، بالتوازي مع نشأة تجارب صحفية عدة في الخارج

وثمة قناعة راسخة لدى معظم الصحفيين الذين تحدثت إليهم بي بي سي نيوز عربي بأنّ “مصير مهنتهم متعلق بشكل مطلق بالمسار السياسي المتعثر، إذ سيمُكن التوصل إلى حل دائم من خفض حدة الاحتقان بسبب الاستقطاب الخطير” الذي تعيشه البلاد.

واضطر عشرات الصحفيين إلى مغادرة ليبيا، بالتوازي مع نشأة تجارب صحفية عدة في الخارج، ولو أن بعضها ارتبط بدول إقليمية مؤثرة في المشهد الليبي.

“الصحفيون ليسوا فوق القانون”

وتشترك معظم دول المنطقة في تفنيد ملاحقتها الصحفيين أو عرقلة عملهم، مع تشديدها على أن جميع القضايا لا تتعلق بصفتهم المهنية بل بجرائم حق عامّ.

وقال الرئيس التونسي، قيس سعيّد، الثلاثاء، إنّ “من يريد أن يشكك في الحريات في الداخل أو الخارج فهو إما عميل أو شخص مصاب بغيبوبة فكرية عميقة لن يفيق منها أبدا”، وذلك بعد سحب كتب من المعرض الدولي للكتاب بتونس.

وشوهد سعيّد يتجول في أروقة مكتبة الكتاب الشهيرة، وسط العاصمة، ويمسك “فرنكشتاين تونس”، أحد المؤلفات الذي حُظر في المعرض.

الرئيس التونسي قيس سعيد

Getty Images
أطلق الرئيس التونسي، قيس سعيد، في منتصف فبراير/شباط الماضي، حملة اعتقالات طالت ناشطين سياسيين ورجل أعمال وقضاة

ونقلت وكالة الأنباء الرسمية التونسية عن سعيد، في فبراير/شباط الماضي، قوله: “يتحدثون عن حرية القلم، فهل تمّ حجب صحيفة واحدة أو منع برنامج واحد؟”

لكنّ مجموعة من الصحفيين في الوكالة ذاتها أثارت “سلسلة من عمليات الرقابة التي فُرضت على عدد من البرقيات”.

نظرة تشاؤم

وفي الجزائر، تمسّك الحاج بلغوثي، رئيس حزب المستقبل المقرب من السلطة الحاكمة، بأنّ حرية الصحافة مضمونة بمقتضى الدستور، معتبرا أنّ القضايا المُثارة بحق صحفيين تعود أساسا لتجاوزهم القانون.

لكنّ الحكم بالسجن خمس سنوات في حق الصحفي المخضرم، إحسان القاضي، أثار موجة تعاطف واسعة داخل الجزائر وخارجها.

ووجهت للقاضي تهم “عرض منشورات ونشرات للجمهور من شأنها الإضرار بالمصلحة الوطنية والحصول على تمويل خارجي”.

محكمة سيدي محمد

Getty Images

وقضت محكمة سيدي محمد، وسط العاصمة الجزائرية، بحل شركة إنترفاكس، التي تدير موقعي “راديو إم” و”مغرب إيمريجون”، ومصادرة كل ممتلكات الشركة وعتادها، وإلزام القاضي بدفع غرامة مالية كبيرة تعادل نحو 54 ألف دولار.

ويرى مقربون من الصحفي أنّ السبب الحقيقي وراء ملاحقته يعود أساسا إلى “نشره مقالا يثير الجدل الدائر داخل المؤسسة العسكرية بشأن مصير الرئيس، عبد المجيد تبّون”، الذي تنتهي ولايته العام المقبل.

وتخشى نائبة رئيس النقابة التونسية للصحفيين، أميرة محمد، تدهور أوضاع الصحفيين بشكل أكبر.

وتختتم الصحفية كلامها بأن “لا شيء يبشّر بخير”.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.