اليوم العالمي للمرأة: اليوم الذي بدأت فيه “معركة النساء في إيران مع آية الله”

Montage of Women's protests in Iran in 2022 and in 1979

Getty Images

في أعقاب وفاة الشابة البالغة من العمر 22 عاما مهسا أميني بينما كان محتجزة من قبل الشرطة، خرجت آلاف النساء والفتيات إلى الشوارع للتظاهر. كانت مهسا قد اعتقلت بزعم أنها لم تكن ترتدي الحجاب “بالشكل اللائق”. لكن هذه لم تكن المرة الأولى التي تخرج فيها حشود من النساء والرجال في البلاد للاحتجاج على أوامر السلطات بشأن ما يجب أن ترتديه النساء وكيف ينبغي أن يتصرفن.

كان من المفترض أن يكون تجمعا صغيرا للاحتفال باليوم العالمي للمرأة، وهو يوم كان يعتبره المرشد الأعلى المعين حديثا آنذاك اختراعا غربيا.

لكن ما كان يفترض أن يكون احتفالية صغيرة تحول إلى مظاهرة حاشدة.

Crowds gather in Tehran, March 8th 1979

BBC
طهران، الثامن من مارس/آذر عام 1979

قبل ذلك بأربع وعشرين ساعة فقط، كان مهندس الثورة الإسلامية الإيرانية، آية الله روح الله الخميني قد أصدر قرارا جديدا يفرض على جميع النساء ارتداء الحجاب في أماكن العمل. وفي خطاب ألقاه أمام الآلاف من أنصاره في مدينة قم، قال الخميني إنه بدون الحجاب تعتبر المرأة “عارية” وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية.

خرج نحو 10 آلاف رجل وامرأة إلى الشوارع في طهران في 8 مارس/ آذار عام 1979، والذي يوافق اليوم العالمي للمرأة، للتعبير عن اعتراضهم على القرار.

تقول مهرانغيز كار، وهي محامية وناشطة إيرانية بارزة في مجال حقوق الإنسان تبلغ من العمر 78 عاما: “في ذلك اليوم، بدأت معركة بين آية الله والنساء”.

10,000 women rallied across the country in the week following International Women’s Day

BBC
تظاهرت نحو 10,000 امرأة عبر أنحاء إيران في الأسبوع التالي لليوم العالمي للمرأة

في صباح اليوم التالي لإعلان الخميني، احتشد آلاف النساء في كلية الحقوق بجامعة طهران. نظم التجمع آنذاك نقابة المحامين بطهران، والتي كانت مهرانغيز قد التحقت بها كمتدربة.

تتذكر مهرانغيز ذلك الحدث بشغف، قائلة: “كانت الأجواء ثورية. كان المبنى ممتلئا، بل وكان هناك عدد كبير من الناس المحتشدين أمامه أيضا. لم يأت أحد إلى هناك ليمنعنا. أتذكر أن سيدة توجهت إلى الطابق العلوي وألقت بحجابها من النافذة. كان شيئا رمزيا كما كان شيئا جميلا. لقد كان أول تحد لأيديولوجية الخميني”.

بوصفها طالبة حقوق شابة في طهران عام 1979، كانت مهرانغيز معتادة على الحياة المنفتحة في المدينة. كان الرجال والنساء يختلطون بحرية، وكان ارتداء الملابس الغربية كالفساتين واستخدام مستحضرات التجميل أمرا شائعا.

ومن ثم، فإن سلب تلك الحريات بين عشية وضحاها كان “صدمة”، على حد قول مهرانغيز.

“شعرنا بأن حريتنا تواجه تحديا. عليك أن تفهمي أن قبل ذلك بيومين فقط، كان الرجال والنساء يجلسون معا في المقاهي ودور السينما. كان بإمكاننا ممارسة الرياضة وتسلق الجبال جنبا إلى جنب.

أما في الوقت الراهن، فإن الرجال والنساء غير المتزوجين يجازفون بالتعرض للمضايقة والملاحقة من قبل شرطة الأخلاق إذا هم شوهدوا يمشون معا في الشارع.

Women wearing lipstick and western dresses took to the streets of Tehran to protest the compulsory Hijab law.

BBC
خرجت النساء اللاتي يضعن مستحضرات التجميل ويرتدين الفساتين الغربية إلى شوارع طهران للاحتجاج على قانون الحجاب الإلزامي

تقول مهرانغيز إنها أيقنت الآن فقط أن النساء لم يكن يدركن آنذاك أن ما حدث كان مجرد بداية لمعركتهن من أجل المساواة في الحقوق مع الرجال في إيران.

في الأعوام التالية، شمل الفصل بين الذكور والإناث المنشآت التعليمية وأماكن العمل. وأصبحت قواعد الزي والسلوك التي على النساء الالتزام بها أكثر صرامة وتقييدا لهن.

تضيف مهرانغيز: “كانت لدينا آمال عريضة في تلك الفترة. كنا نجهل نطاق العنف الذي ستتسم به المعركة. كنا نظن أنهم سيتخلون عن قراراتهم بعد تظاهرنا”.

اليوم العالمي للمرأة، 2023

بعد مرور 50 عاما على تلك التظاهرة، لا تزال النساء الإيرانيات يناضلن من أجل الحقوق ذاتها.

وقد أخذ بزمام المعركة جيل جديد ولد في عهد نظام يفرض قيودا تزداد صرامة.

Zara has had to hide her identity so faces a white wall

BBC
تدير زارا ظهرها للكاميرا وتقف أمام حائط لإخفاء هويتها أثناء المقابلة

تسجل زارا، وهي طبيبة نفسية في الثلاثينات من عمرها، شهادتها لـ بي بي سي بينما تجلس في مواجهة حائط أبيض في موقع سري.

شاركت زارا في عدة مظاهرات في أعقاب وفاة مهسا أميني العام الماضي، وتخشى أنها قد تواجه الاعتقال إذا ما تحدثت علانية عن تلك المظاهرات.

نساء بحاجة إلى شهادات تُثبت عذريتهن لكي يتزوجن

المعروف أن محاكم العاصمة طهران أصدرت أحكاما بالسجن يصل بعضها إلى 10 سنوات ضد 400 شخص، وأعدمت أربعة رجال منذ بدء حركة التظاهر في سبتمبر/ أيلول الماضي.

لكن رغم المخاطر، تقول زارا إنها لن تستسلم.

“ليس لدي أدنى شك في أنني سأستمر. أخشى الاعتقال منذ شهور، وأشعر بعدم الأمان حتى في بيتي. لكنني لن أتوقف عن النضال حتى الموت”.

وبالنسبة لزارا، تعد نساء مثل مهرانغيز مصدرا للإلهام والشجاعة.

تقول زارا: “إذا كنا نحن، الجيل التالي، نعرف حقوقنا ونعرف كيف نحارب من أجلها، فإن الفضل في ذلك يعود للنساء اللاتي حاربن من قبلنا.”

School girls remove their hijabs in protest

BBC
طالبات مدرسيات ينزعن حجابهن أثناء إحدى المظاهرات

أما بالنسبة لمهرانغيز، فقد عاش جيلها حقبة الحرب الإيرانية-العراقية بعد أن عاصر فترة الثورة الإسلامية.

تقول مهرانغيز إن مسألة حقوق النساء فقدت أهميتها بعدما بدأت الحرب في تدمير البلاد.

تشرح قائلة: “في أوقات الحرب، عندما تضطر إلى تغطية أنفك بوشاحك لتجنب رائحة جثث الموتى في الشارع، لا يتبقى هنالك أي مساحة للمحاربة من أجل الحقوق المدنية”.

وترى كل من مهرانغيز وزارا أن هناك بارقة أمل في المستقبل. وحتى الآن على الأقل، لم يتلاشى بعد زخم مساندة النساء داخل إيران وخارجها في معركتهن من أجل المساواة بين الجنسين.

وتقول زارا إن التصرفات التي تهدف إلى تحدي السلطات تحدث كل يوم:

“وجود نساء لا يرتدين الحجاب في الشارع لم يتوقف أبدا. أعتقد أنه أشجع تصرفات التحدي التي صدرت عن النساء. الآن، أصبح العالم كله يدرك أن النساء في إيران يتعرضن للتفرقة، وأنهن سوف يناضلن من أجل حقوقهن حتى الموت”.

“هذا البلد لن يكون حرا إلا عندما تنال نساؤه حريتهن”.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.
مواضيع تهمك

Comments are closed.