زلزال أفغانستان: حرمان النساء من العلاج بسبب النقص في عدد الطبيبات

دكتورة ليلى تفحص ضغط الدم لإحدى المريضات

Laila Moqbal
دكتورة ليلى تقول إن عملها تضاعف بعد الزلزال

تعاني المناطق الريفية في أفغانستان بشكل عام من نقص في الطبيبات، ومع وجود بيئات محافظة في هذه المناطق، وسيطرة عقلية تقليدية ترى أن فحص الطبيب لمريضة أنثى أمر مرفوض، فإن الكثير من النساء والفتيات، لا يحصلن على الرعاية الطبية التي يحتجنها.

تقول الدكتورة ليلى مقبل “الناس هنا لا يقبلون بأن يقوم أطباء رجال بمعالجة النساء. وهذه العقلية تؤدي إلى تعريض النساء والفتيات إلى قدر أكبر بكثير من المعاناة”.

وكانت الدكتورة ليلى تتحدث بشكل خاص عن مقاطعة باكتيكا الجبلية النائية في أفغانستان، والتي تصدرت عناوين الصحف في أنحاء العالم عندما ضربها زلزال مدمر في 22 يونيو/حزيران، وحوّل العديد من القرى إلى أكوام من الأنقاض.

الحداد يُخيم على الشوارع في أفغانستان

قصص عن معاناة الأفغان بعد زلزال مدمر

وبحسب وكالات الإغاثة العاملة في المنطقة، فإن أكثر من ألف شخص لقوا حتفهم جراء الزلزال، كما أصيب كثيرون بجروح خطيرة.

وتضيف الدكتورة ليلى “لقد عملنا لساعات طويلة، لأن النساء يعتمدن علينا بشكل كبير، ويطلبن أن تتم معالجتهن من قبل طبيبات، لأن هذا ما يريده الرجال”.

وبسبب هذه العقلية السائدة، تبرز الحاجة الملحة لوجود مزيد من الطبيبات في المحافظة، كما تؤكد الدكتورة ليلى، التي تقول “نحن بحاجة ماسة إلى المزيد من الطبيبات هنا لمعالجة المرضى من الإناث”.

ووفقا لتقدير وكالات إغاثة مختلفة فإن عدد الذين يعيشون في هذه المنطقة يتراوح ما بين 400000 و700000 شخص. ولكن عدا عن الدكتورة ليلى مقبل، هناك طبيبة واحدة أخرى فقط في المحافظة.

الإصابات والصدمات

تعمل ليلى طبيبة في مستشفى بكتيكا المركزي منذ حوالي 15 عاما. لكن عقب الزلزال تضاعف حجم عملها.

امرأة مصابة مع طفل في المستشفى

Getty Images
بعض المصابين من الرجال والنساء لم يصلوا إلى المستشفى إلا بعد يومين أو أكثر من وقوع الزلزال

وفي اليوم الذي ضرب فيه الزلزال المنطقة هرعت الدكتورة ليلى إلى المستشفى، وتمكنت من الوصول إليه نحو الساعة 4 صباحا، أي بعد ساعات قليلة من حدوث الزلزال.

وقع الزلزال في ليلة ممطرة. وقتل العديد من الأشخاص تحت ركام أسقف منازلهم التي انهارت وهم في الداخل. كما قُتل كثير من الأشخاص وبينهم العديد من النساء أثناء النوم.

قصة المحامية التي كافحت 16 عاما لتقاضي قتلة والدها

ونقلت النساء اللواتي انتشلن وهن على قديد الحياة إلى المستشفى عبر طرق وعرة غير معبدة، وقد تعرضت إلى تخريب كبير بسبب الزلزال.

وتقول الدكتورة “عالجت صباح اليوم الأول حوالي 20 امرأة مصابة، تم نقلهن إلى مستشفانا. وفي غضون أسبوع، ارتفع العدد إلى أكثر من 85 امرأة، وكن مصابات بجروح خطيرة”.

وكان على ليلى أن تتعامل مع مجموعة واسعة من الإصابات والأمراض. فكانت تعالج كسورا وإصابات في الرأس وجروحا وكدمات، والكثير منها تسبب في نزيف حاد. في بعض الأحيان كان عليها أن تقدم المساعدة النفسية أيضا.

بعض النساء كن يصرخن من الألم ويبكين. والبعض منهن فقدن أطفالهن. كما عالجت ليلى مصابات فقدن أزواجهن. وكان هناك عدد من النساء اللواتي قتل جميع أفراد أسرتهن المباشرة جراء الزلزال.

فتاتان خارج أحد المنازل المدمرة

Getty Images
العديد من المنازل دمرت بالكامل جراء الزلزال

وتقول الدكتورة ليلى “كانت النساء مصابات بصدمات نفسية. أخبرتني امرأة فقدت العديد من أقاربها أنها لم تعد تريد أن تعيش”.

وبذلت الدكتورة ليلى وفريقها المكون من ثماني عاملات صحيات بين ممرضات وقابلات، قصارى جهدهن، وبقدر ما تسمح به المعدات والأدوية المحدودة المتاحة لهن.

لكن بعد أيام من وقوع الزلزال، بدأ المزيد من المساعدات يصل إلى المحتاجين. وتقول الدكتورة ليلى إن لديها الآن ما يكفي من الأدوية لعلاج الجريحات والمصابات.

حامل في غيبوبة

كان هناك العديد من المصابات اللواتي لم يتلقين أي إسعافات أولية، ولم ينقلن إلى المستشفى إلا بعد مرور يوم أو يومين على الزلزال.

وتقول الدكتورة ليلى “أحضرت امرأة شابة إلى هنا وهي في حالة حرجة للغاية. كان يإمكاني رؤية الطين على ملابسها وجسمها. كانت حاملا في الأسبوع الثامن عشر. وكان طفلها لا يزال على قيد الحياة أما هي فكانت في غيبوبة”.

بعض النساء كن وحيدات لم يرافقهن أحد من أقربائهن إلى المستشفى

Getty Images
بعض النساء كن وحيدات لم يرافقهن أحد من أقربائهن إلى المستشفى

أدركت الدكتورة ليلى أن الشابة بحاجة إلى تدخل طبي خاص، فأحالتها إلى مستشفى أكبر في العاصمة كابل. كانت سيارة الإسعاف التي نقلت فيها قديمة وغير مزودة بالمعدات اللازمة لانقاذ الحياة، وتحتاج إلى عدة ساعات لكي تقطع مسافة الرحلة التي تبلغ 200 كيلومتر.

ولا تدري الدكتورة ليلى ماذا كان مصير المرأة الشابة، وتقول “لا أعرف ما إذا تمكنت من النجاة”.

أسماء النساء لا تكشف!

تمكن العديد من النساء من الوصول إلى المستشفى، بفضل فرق الإنقاذ التي رتبت سبل نقلهن.

“بعض النساء قام أقارب بعيدون لهن بنقلهن إلى المستشفى. في حين أن أخريات لم يكن بصحبتهن أحد ليعتني بهن”، كما تقول الدكتورة ليلى.

لكن بالنسبة للنساء الناجيات من الزلزال، يبدو أن الحواجز التي تفرضها ثقافة المجتمع تشكل عقبة كبيرة في تلقي العلاج.

فعدا عن تجنب الحصول على العلاج من قبل طبيب، ترفض نساء كثيرات في باكتيكا الكشف عن أسمائهن للغرباء، فهذا يعتبر تبعا للعادات السائدة عملا مخزيا لا يجدر بالمرأة أن تقوم به.

كما كانت نساء عديدات يطلبن بإصرار أن تكتب الدكتورة ليلى الوصفات الطبية الخاصة بهن باسم أبنائهن، أو باسم أحد أقربائهن الذكور، تهربا من الكشف عن أسمائهن.

من المسؤول؟

تلقي حركة طالبان، التي استولت على السلطة في البلاد العام الماضي بعد انسحاب القوات الدولية وسط حالة من الفوضى، باللوم على الإدارة السابقة المدعومة من الولايات المتحدة في عدم وجود طبيبات بشكل كاف في إقليم باكتيكا، كما في أماكن أخرى كثيرة من أفغانستان.

ويقول مسؤولون من طالبان في بكتيكا إن الإقليم يوجد فيه حاليا ثلاثة مستشفيات مركزية وحوالي 80 عيادة. وبعد وقوع الزلزال قامت وكالات الإغاثة بإحضار فرق طبية إضافية.

لكن الحركة المتشددة تقر بأن النقص في الطبيبات في الإقليم يمثل مشكلة خطيرة، ويعيق جهود الإغاثة.

وقد قال مسؤول في الحكومة السابقة لبي بي سي إن حركة طالبان مسؤولة عن خلق حالة من عدم الاستقرار وأجواء من الخوف في البلاد، ما قاد كثير من الأطباء والطبيبات إلى اختيار المغادرة.

نقص شديد في الطبيبات

لكن جذر مشكلة النقص في الكادر الطبي النسائي في هذا الإقليم أعمق بكثير، ويعود إلى ما قبل وجود طالبان. فمنطقة باكتيكا هي واحدة من أكثر المقاطعات في البلاد محافظة وتمسكا بالتقاليد، ولا توجد بها طبيبات من المجتمع المحلي تقريبا.

ميرة التي يبلغ عمرها 30 عاما فقدت ثلاثة من أقاربها في الزلزال

Getty Images
بعض النساء مثل ميرة البالغة من العمر 30 عاما فقدن العديد من أقاربهن جراء الزلزال

وحتى وقت قريب، كان من النادر بالنسبة للفتيات في باكتيكا أن يكملن سنوات التعليم المدرسي البالغة 12عاما.

ويسود في المنطقة العديد من الأفكار التقليدية والمفاهيم المسبقة التي تمنع الفتيات من متابعة التعليم، مثل ضرورة الزواج في سن مبكرة. لذلك، من الصعب العثور على نساء من المجتمع المحلي حاصلات على مؤهلات علمية.

وعندما اضطرت ليلى إلى الالتحاق بدورة تدريبية في مستشفى ملالاي للتوليد في العاصمة الأفغانية كابل، كان عليها إقناع طبيبة أخرى بالسفر إلى الإقليم، للقيام بمهماتها في معالجة النساء أثناء غيابها.

وتقول ليلى “إنها طبيبة متخصصة مثلي، وقد وافقت على الانتقال إلى بكتيكا. ولكن بعد وصول طالبان، استقالت وانتقلت إلى مقاطعة هرات. وحلت محلها طبيبة أخرى. والآن نحن نعالج المريضات”.

طبيبة تعالج كل الأمراض والإصابات

وبسبب القيود الاجتماعية والعقلية السائدة في هذه المنطقة، فإن الطبيبتين المتخصصتين يكون عليهما معالجة أنواع عديدة من الأمراض والإصابات لإنقاذ الأرواح.

الطبيبة ليلى مع إحدى المريضات

Laila Moqbal
بعض المريضات في أفغانستان يرفضن الكشف عن أسمائهن

وتقول الدكتورة ليلى “طوال هذه السنوات، عالجت نساء مصابات بسبب انفجارات، أو بسبب القنابل كما أجريت الكثير من العمليات الجراحية. أنا حاضرة دائما لمساعدة النساء اللواتي يحتجن إلي”.

تمكين المرأة

بذلت الدكتورة ليلى طوال سنوات عملها ما بوسعها للمساهمة في تمكين المرأة في المنطقة، ويشمل ذلك تشجيع الأمهات على إرسال بناتهن إلى المدرسة.

وتوضح قائلة “أقول دائما للنساء إن تعليم المرأة شيء جيد ومهم. وهن يوافقن عادة، لكن المشكلة هي أن أزواجهن لا يتعاونون بهذا الخصوص”.

وبعد استلامها السلطة، منعت حكومة طالبان الفتيات ما بين الصف السابع والثاني عشر من الذهاب إلى المدرسة.

ولا تزال الحركة المتشددة تمنع الفتيات في تلك الأعمار من الذهاب إلى المدرسة، والالتحاق بالصفوف التعليمية رغم الإدانة الدولية الواسعة.

وبرغم التحديات الهائلة، تأمل الدكتورة ليلى بأن تدفع الكارثة التي خلفها الزلزال الناس إلى إعادة التفكير في التقاليد، ومراجعة العقلية السائدة.

وتقول “قلت لشيوخ القبائل مرارا إن عليهم الضغط على المسؤولين لبناء مدارس ثانوية للبنات في المحافظة. فمن دون تعليم لن يكون هناك مستقبل”.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.
مواضيع تهمك

Comments are closed.