بعد مرور مئة يوم على الانقلاب في السودان، الغموض يلف المشهد السياسي في البلاد

متظاهرات في السودان

Getty Images

تقطع الطالبة الجامعية رزان عدة كيلومترات سيرا على الأقدام من منطقة الكلاكلة جنوب الخرطوم حيث تقطن، إلى منطقة الديم، حيث يتجمع المحتجون المناهضون للانقلاب العسكري قبل التوجه إلى مقر القصر الجمهوري وسط الخرطوم .

تواظب رزان على المشاركة في معظم المظاهرات المطالبة بالحكم المدني والتحول الديمقراطي بالرغم من مما تصفه بالوحشية التي تتعامل بها القوات الأمنية معهم.

وتوضح أن ما تفعله لا يقارن بما قدمه آخرون فقدوا حياتهم من أجل هذه القضية، “هناك من لقوا حتفهم وهناك من أُصيبوا بجروح خطيرة وعاهات مستديمة خلال مشاركتهم في الاحتجاجات.. وعندما أنظر إلى نفسي أقول لابد من إكمال مشوار ما بدأه الرفاق الذين فارقونا ولن نعود من منتصف الطريق”، تقول لي.

“أضاعوا كل شيء”

صبيحة الخامس والعشرين من أكتوبر/تشرين أول الماضي، تفاجأ السودانيون بإعلان قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، الإطاحة بالحكومة المدنية التي يشارك فيها، والزج بعدد من الوزراء والمسؤولين في السجون ووضع رئيس الوزراء وقتها عبد الله حمدوك قيد الإقامة الجبرية في منزله.

البرهان الذي يرأس أيضا مجلس السيادة وصف الخطوة بالتصحيحية والضرورية لمنع ما وصفه بانزلاق البلاد نحو الفوضى. ومضى أكثر من ذلك عندما أخرج قوى الحرية والتغيير- الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية – من الحكومة ومؤسساتها، مبررا ذلك بأن البلاد يجب أن تدار بواسطة حكومة كفاءات وليس حكومة أحزاب.

القيادي في تحالف الحرية والتغيير ابراهيم الشيخ

Getty Images
كان القيادي في قوى الحرية والتغيير ابراهيم الشيخ أحد الوزراء المعتقلين في الحكومة المقالة

كان ابراهيم الشيخ، رجل الأعمال والقيادي في قوي الحرية والتغيير أحد الوزراء المعتقلين في الحكومة المقالة، وقد تم الإفراج عنه بعد شهر من الانقلاب.

يقول إن الانقلاب أعاد البلاد خطوات نحو الوراء، وإن قادة الجيش أضاعوا ما تم تحقيقه خلال الفترة الانتقالية. يوضح: “السلام الذي حققته الحكومة الانتقالية بات الآن مهددا.. ولا أعتقد أن الفصائل الأخرى ستوقع اتفاق سلام مع الانقلابيين.. عدنا سنوات للوراء وكأن قدر السودانيين أن يعيشوا في كنف الانقلابات”.

“استقرار سياسي”

ولكن الصورة التي رسمها الشيخ تبدو مغايرة بالنسبة لمبارك أردول ومجموعته التي انشقت عن التحالف الحاكم قبل الانقلاب. ويرى أردول الذي يدير حاليا شركة حكومية معنية بالتعدين أن ما حدث في أكتوبر الماضي فتح الطريق نحو الاستقرار السياسي.

ويقول: “بعد ذهاب الأحزاب التي كانت مسيطرة على السلطة وتريد تجييرها لمصلحتها أصبح الوضع جيدا وهناك استقرار سياسي واضح”.

ويضيف أن الحكومة أنجزت الكثير من الأمور منذ أكتوبر الماضي من بينها إكمال هياكل السلطة الانتقالية بتعيين رئيس للقضاء والنيابة العامة.

ويؤكد أردول أن السودان بدأ يشهد تحسنا اقتصاديا مع توفر السلع الأساسية خاصة الوقود والخبز، مشيراً إلى وجود خطط حكومية طموحة للتغلب على الصعوبات الاقتصادية.

“مئة يوم”

عبد الفتاح البرهان.

EPA

بعد مرور يوم على الانقلاب العسكري لا تزال وعود كثيرة أطلقها البرهان بتحسين الأوضاع الأمنية والاقتصادية في البلاد غير متحققة على الأرض.

فعلى سبيل المثال لا تزال مناطق عدة في دارفور وغيرها تشهد نزاعات مسلحة ذات طابع قبلي، كما أن مستوى المعيشة لم يتحسن في ظل تجميد المجتمع الدولي لمساعدات مالية وعينية كانت قد بدأتها في عهد حكومة رئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك.

الأكثر من ذلك، فإن مجموعة غاضبة من المزارعين لا تزال تغلق طريقا رئيسا يربط السودان بمصر احتجاجا على الزيادات الكبيرة التي طبقتها السلطات على تسعيرة الكهرباء والتي وصلت إلى خمسة أضعاف.

“شبح الربيع العربي”

سياسياً، لا يبدو التفاعل كبيرا مع المبادرة السياسية التي أطلقتها الأمم المتحدة عبر مبعوثها في الخرطوم. فالأطراف السياسية الفاعلة في المشهد السياسي في البلاد لا تزال متمسكة بمواقفها. فمن جهة يقول قادة الجيش ومناصروهم إن الانتخابات هي الوسيلة الأفضل لحل الأزمة بينما يرى رافضو الانقلاب أن الحل يكمن في ابتعاد الجيش عن السلطة وتشكيل حكومة مدنية”.

ومع هذه الضبابية في المشهد السياسي يرى المحلل السياسي ضياء الدين بلال أن هناك إمكانية في التوصل إلى رؤية أفضل إذا جلست الأطراف على طاولة الحوار مع تقديمها للتنازلات الممكنة، لكنه في الوقت ذاته يحذر من مغبة تحول الوضع إلى فوضى وتكرار التجارب الفاشلة فيما ما عرف بالربيع العربي في السودان وانزلاق البلاد إلى حرب أهلية.

“قمع مفرط”

شهدت المظاهرات المناهضة للانقلاب سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى وسط اتهامات لقوى الأمن باستخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين، وهو أمر ظلت السلطات المسؤولة تنفيه.

ولا يبدو أن قمع الاحتجاجات سيمنع رزان ومن معها من مناهضي الانقلاب من الاستمرار بالمطالبة بالحكم المدني، وليس أدل على ذلك من إعلانهم تواريخ جديدة للتظاهر خلال الفترة المقبلة.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.
مواضيع تهمك

Comments are closed.