الانتخابات العراقية 2021: ما فرص تغيير النخبة السياسية التي تحكم العراق؟

يستعد العراق لخوض خامس تجربة انتخابات منذ عام 2005 في العاشر من شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2021. وتجرى هذه الانتخابات قبل موعدها بعد نجاح الاحتجاجات والمظاهرات الواسعة التي اندلعت في أكتوبر/تشرين الأول 2019، لمطالبة الحكومة بتقريب موعدها والإطاحة بحكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، وتسلم الرئيس الحالي للحكومة مصطفى الكاظمي هذا المنصب.

ستعكس نتائج هذه الانتخابات ما حققته الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي هزت البلاد في عام 2019 من تغير على صعيد وجوه وأطراف الطبقة السياسية التي تحكم العراق منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.

وكشفت الاحتجاجات عن حجم الإحباط الواسع والعميق في أوساط العراقيين، وخاصة فئة الشباب، من النخبة السياسية العراقية الحاكمة ورغبة واسعة في التغيير.

ومع اقتراب موعد الانتخابات تراجعت حماسة وآمال القوى التي قادت الاحتجاجات، في إمكانية إحداث تغيير عبر صناديق الاقتراع ووصل الأمر بأطراف رئيسيه فيها إلى مقاطعة الانتخابات من حيث الترشيح و التصويت.

#العراق_ينتفض شعار مظاهرات حاشدة في العراق تحيي مطالب “تشرين”

“طعن وخطف وقتل ”.. عراقيون يحكون لحظات الرعب في بغداد

الفرقاء في العراق يبحثون عن رئيس وزراء جديد لا يرفضه المتظاهرون

بعد استقالة عادل عبد المهدي: إلى أين يمضي العراق؟

يذكر أن نسبة المشاركة في الانتخابات السابقة التي جرت عام 2018 بلغت 40 في المئة حسب بيانات الحكومة، لكن العديد من المراقبين يشككون فيها ويقولون إنها لم تتجاوز 20 في المئة وفي ظل يأس ولا مبالة قطاع واسع من العراقيين بالانتخابات المقبلة، قد تكون نسبة المشاركة أقل من سابقاتها بكثير.

قتل 600 من المتظاهرين والمحتجين منذ أكتوبر 2019 وأصيب الآلاف منهم وتم خطف العشرات من النشطاء، بينما فر العديد من الوجوه البارزة في الاحتجاجات إلى إقليم كردستان العراق أو إلى الخارج.

وكانت محاسبة المتورطين في قتل المتظاهرين على رأس مطالب الحراك المدني والشبابي في العراق، وهو المطلب الذي لم يتحقق حتى الآن.

من المرجح أن تسفر الانتخابات عن تشكيل حكومة توافقية، مكونة من نفس الطبقة السياسية التي تظاهر ملايين العراقيين ضدها على مدى أشهر عديدة، وبالتالي تبدد أي أمل في التغيير.

مقاطعة

وتقاطع الانتخابات العديد من القوى الشبابية والمدنية والليبرالية، التي لعبت دورا فاعلا في في المظاهرات والاحتجاجات التي أطاحت بحكومة عبد المهدي.

ومن أبرز القوى المقاطعة والتي وإن لم يكن لها وزن انتخابي كبير لكن لها دورا سياسيا لافتا، الحزب الشيوعي العراقي و حزب “البيت الوطني “. و قال زعيم البيت الوطني حسين الغرابي خلال مؤتمر صحفي عقد في العاصمة بغداد في الأول من سبتمبر/ ايلول 2021 : “لا ندعو مطلقاً لاحتجاجات أو أعمال شغب أو أي عمل يمكن أن يقوّض الأمن الانتخابي في عملية الانتخابات المقبلة، ونحن أبناء الديمقراطية. إن الأمن الانتخابي أكذوبة النظام الحالي، ولا وجود لأمن انتخابي في ظل السلاح المنفلت وتهجير الناشطين”. وأوضح الغرابي أن “الأحزاب الحالية تخرق الدستور والقوانين وجميع الأعراف من خلال إقامتهم انتخابات في ظل ارتباط معظم الأحزاب بفصائل مسلحة، وسنعمل على تفعيل قانون الأحزاب و غيره لمحاسبتهم”.

ونقل موقع الحزب الشيوعي العراقي عن زعيم الحزب رائد فهمي قوله: “إن الانتخابات المبكرة التي جاءت أساسا كمطلب من مطالب الانتفاضة الشعبية، كان الغرض منها هو فتح باب التغيير وليس إعادة المنظومة الحاكمة المسؤولة عن الأزمات، والحزب أكد أن المشاركة في الانتخابات مشروطة بالاستجابة لمجموعة من المطالب الملحة. وفي 9 مايو/ أيار، وبعد اغتيال الناشط إيهاب الوزني، أصدر الحزب بيانا أعلن فيه تعليق مشاركته في الانتخابات، ورهنها بتحقيق تلك الشروط التي حددها مسبقا، مثل محاسبة القتلة ومن يقف خلفهم، والمكافحة الجدية للفساد، وضبط السلاح المنفلت، واتخاذ إجراءات لمصلحة الجماهير المكتوية بنار الأزمة الاقتصادية والتضخم وارتفاع الأسعار وتدهور ظروف المعيشة”.

وعلى الرغم من كثرة الأحزاب السياسية والشخصيات والائتلافات المستقلة، إلا أنه من المتوقع أن تنجح ثلاثة تحالفات رئيسية في المناطق ذات الغالبية الشيعة.

تحالفات رئيسية

التحالف الأول هو تحالف مقتدى الصدر الذي أعيد تنظيمه مؤخراً. وكان الصدر قد أعلن عن انسحاب تياره من الانتخابات في أعقاب الحريق الذي اندلع في مستشفى خاص بمرضى كورونا في مدينة الناصرية، وأدى إلى مقتل وإصابة العشرات فيما يبدو محاولة للتبرأ من المسؤولين الذين ينتمون للتيار الصدري، الذين كانوا يديرون هذا المستشفى، إذ يسيطر أنصار الصدر على وزارة الصحة العراقية.

وقد بدا إعلانه بمثابة محاولة للنأي بنفسه عن النخب الشيعية الحالية المتهمة بالفساد، وعن المسؤولين عما حدث.

لكن ما لبث الصدر أن تراجع عن قراره وأكد المشاركة في الانتخابات المقبلة.

وعلى الرغم من أن التيار الصدري لم يدخل في أي تحالف مع أحزاب أخرى في الانتخابات الحالية، إلا أن القائمة الصدرية هي إحدى القوى الشيعية الأكثر شعبية وقوة في العراق.

وتتمتع القائمة بقيادة قوية وسلطات ومنظمات ذات مركزية جيدة. ومن المتوقع أن تحتفظ القائمة بحصتها الحالية في البرلمان بل قد تحصل على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان المقبل على حساب التيارات الشيعية الأخرى المقربة من إيران، والتي تتهم بالمسؤولية عن قتل المتظاهرين، مما أدى إلى تراجع شعبيتها في الشارع العراقي.

بشكل عام يبدو الموقف السياسي للصدر معقداً ويفتقر إلى الثبات في التوجهات والمواقف السياسية، لذلك يصعب توقع موقف التيار الصدري بعد الانتخابات.

لكن بدا التيار خلال السنوات القليلة الماضية، وخاصة في أعقاب المظاهرات الحاشدة المطالبة بالإصلاح، يميل إلى التركيز على حماية السيادة العراقية، ووضع حد للتدخلات الإقليمية في الشؤون الداخلية العراقية، وإخراج القوات الأمريكية من العراق وتطبيع العلاقات العراقية مع العالم العربي.

وللصدر علاقات جيدة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، وكذلك مع بعض الأحزاب السنية.

هادي العامري (يمين) ورئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي (يسار)

AFP
يعتبر العامري الذس يقود تحالف الفتح مقربا من إيران

ذراع المليشيات

ثاني أكبر تحالف شيعي هو تحالف الفتح، وهو الذراع السياسي للمليشيات الشيعية التي لها علاقات وثيقة مع إيران. وإذا أجرى العراق انتخابات نزيهة وشفافة وحرة، لا يتوقع أن يفوز هذا التحالف بنفس عدد المقاعد التي حصل عليها خلال انتخابات 2018، حيث فاز بـ 48 مقعداً.

أصبح موقف هذا التحالف الآن أضعف بكثير، لا سيما منذ اندلاع المظاهرات في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 في المناطق ذات الغالبية الشيعية، ضد ممارسات وسطوة الميليشيات الشيعية الموالية لإيران.

و تتهم الجماعات المسلحة الشيعية بالمسؤولة عن قتل النشطاء السياسيين، مما أنعكس سلباً على صورتها ومكانتها في الوسط الشيعي.

والجدير بالذكر أن تحالف الفتح يتبع أجندة إيران في العراق والمنطقة، ويعارض الوجود العسكري الأمريكي في العراق، وتشن فصائل تابعة له هجمات بواسطة طائرات مسيرة محملة بالمتفجرات على المنشآت العسكرية الأمريكية، وعلى السفارة الأمريكية في بغداد.

وتتمتع هذه المليشيات والقوى السياسية التي تمثلها بنفوذ كبير داخل مؤسسات وهياكل السلطة في العراق، وبحماية شبه كاملة بحكم سيطرتها على أهم مفاصل الدولة، لا بل إنها أشبه بدولة داخل دولة.

يُطلق على الفصيل الشيعي الرئيسي الثالث اسم القوة الوطنية لائتلاف الدولة، ويقوده عمار الحكيم و رئيس الوزراء السابق حيدر عبادي. هذا الائتلاف هو الأضعف وقد تشكل بسبب حاجة كل طرف للآخر للوصول إلى العتبة الانتخابية. على هذا النحو من المرجح أن يتفكك هذا التحالف في أعقاب الانتخابات، خاصة أنه لم يصدر بعد أجندة مشتركة أو استراتيجية شاملة لمستقبل العراق.

كما أن هذه التحالف غير مدعوم من قبل قوى أو أطراف إقليمية أو دولية، وبعض الشخصيات في التحالف مدرجة على القائمة السوداء للولايات المتحدة. ومع ذلك يشكل التحالف خصماً رئيسياً لتحالف الفتح، حيث يشدد هذا التحالف على إخضاع الميليشيات الشيعية لسيطرة الدولة العراقية. ومن الناحية السياسية، للتحالف علاقات جيدة مع التيار الصدري والاتحاد الوطني الكردستاني، وهذا قد يدفعه للتعاون معهما بعد الانتخابات.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.
مواضيع تهمك

Comments are closed.