الوشم في مصر بين الحرية الشخصية والرفض الديني ونظرة المجتمع

وشم على زراع

Getty Images

في مصر كانت ممارسة تعرف باسم “دق الوشم” شائعة إلى حد ما وخاصة في بعض المناطق الريفية، أما الآن فقد اتخذت هذه الممارسة اسما جديدا وهو “التاتو” اشتقاقا من الكلمة الإنجليزية التي تشير إلى نفس المعنى تقريبا.

وفي هذه العملية يقوم شخص متخصص برسم أشكال بعينها على الجسد، تتفاوت ما بين كلمات وأشكال ورسومات.

والأمر قديم، فقد تجد بعض النساء المصريات من جيل الجدات في زمننا هذا، وقد علا وجوههن رسم باللون الأخضر في منطقة ما بين العينين، أو الجبهة، أو الذقن، وخاصة في المناطق الريفية والبدوية، إذ كان يرسم بغرض التجميل أو طلبا للشفاء.

“إقبال متزايد”

واختلف الوضع تماما الآن، فأصبح الإقبال على رسم الوشم متزايدا، خاصة من فئة الشباب من الجنسين على حد سواء.

وتقول ريما، صاحبة ستديو لرسم الوشم في القاهرة وتعمل في هذا المجال منذ سنوات، لبي بي سي إن الإقبال خلال العامين أو الثلاثة أعوام الأخيرة اختلف تماما عنه قبل عشر سنوات.

وتقول: “الطلب على التاتو زاد من كل الفئات المجتمعية رجالا ونساء. الشباب أصبحوا يرغبون في تقليد الفكر الأوربي وتقليد الممثلين أو لاعبي كرة القدم المشهورين”.

وتضيف: “كما أن الفئات الأخرى تقُبل أيضا، فمن ضمن زبائني أناس في الخمسينيات من العمر وشخصيات بارزة في المجتمع”.

“محرم شرعا”

لكن الأزهر الشريف – وهو أعلى سلطة دينية في مصر – أصدر فتوى مؤخرا بحرمة الوشم على الرجال والنساء، ووصفه بأنه “من كبائر الذنوب”.

وقالت الفتوى التي صدرت عن مركز الأزهر للفتوى ونشرت في بيان على موقع فيسبوك: “صورة الوشم (التاتو) المعاصرة تكون بإدخال أصباغ إلى طبقات الجلد الداخلية بوخز إبرة موصولة بجهاز صغير، يحمل أنبوبا يحتوي على صبغة ملونة، وفي كل مرة تغرز الإبرة في العضو الموشوم تدخل قطرة صغيرة من الحبر إلى طبقات الجلد الداخلية وتختلط بالدم، ومن ثم يبقى أثر هذه العملية مدى الحياة، أو يظل مدة 6 أشهر فأكثر”.

امرأة مصرية

Getty Images
امرأة مصرية ترتدي الزي التقليدي وعلى وجهها وشم. صورة أرشيفية التقطت عام 2007

وأوضح البيان أن حكم الوشم في الإسلام هو “الحرمة”. وقال إن “بعض الفقهاء عد الوشم كبيرة من كبائر الذنوب”، وأكد أن الحكم الفقهي “يشمل الرجال والنساء على السواء”.

واستثنت الفتوى حالتين فقط من ذلك، وهما أن يكون الوشم علاجا لأحد الأمراض أو مرسوما بمواد يسهل إزالتها مثل الحناء.

ما رأي الطب؟

تقول الدكتورة وفاء علم الدين، استشاري الأمراض الجلدية والتجميل، إن الوشم يمكن أن ينقل بعض الأمراض المرتبطة بالدم مثل التهاب الكبد الوبائي (فيروس بي ، سي) أو مرض نقص المناعة المكستبة (الإيدز) أو غيرها من الأمراض في حال تلوث الأدوات المستخدمة، وذلك لأن الإبر المستخدمة في الوخز “تدخل إلى طبقات الجلد العميقة ومن ثم تختلط بالدم”.

وتضيف: “حتى إذا استبعدنا احتمال حدوث التلوث، أو إذا كانت الأدوات تستخدم لمرة واحدة وليس لأكثر من شخص فإن هناك أضرارا أخرى”.

وتشير وفاء إلى إن المواد المستخدمة في رسم الوشم قد لا يتقبلها الجسم، فتتسبب في مرض الإكزيما التلامسية، وهو التهاب سطحي للجلد ينتج عن ردة فعل الجهاز المناعي تجاه بعض المواد المهيجة ومن أعراضة الهرش، الاحمرار، التورم، والبثور.

وتقول: “الإكزيما لا تعالج بسهولة وأحيانا تترك لونا أو أثرا دائما”.

أما إذا فكر الشخص في إزالة الوشم، فتشير علم الدين إلى أن الأمر ليس سهلا.

وتعد إزالة الوشم باستخدام أشعة الليزر الأكثر فعالية وأمانا ومن ثم الأكثر شيوعا، لكن الأمر “قد يستغرق 10 أو 11 جلسة وربما لا ينجح بنسبة مئة في المئة، بمعنى أنها تترك لونا دائما على الجلد مكان الوشم، ناهيك عن أن تكلفتها كبيرة”، حسبما تقول علم الدين.

“معايير صحية”

لكن السيدة ريما – وهي صاحبة ستديو لرسم الوشم في القاهرة وتعمل في هذا المجال منذ سنوات طويلة – لها رأي مغاير، وتقول إن تقنية عملها اختلفت تماما عن الماضي وإن الأدوات تطورت للغاية.

وتقول: “نحن الآن نحقن الإبر في المستويات السطحية من الجلد ولا نصل إلى الطبقات العميقة، كما أننا نستخدم ماكينات وإبر وأصباغا مستوردة من الخارج، ومن علامات تجارية شهيرة، ونتبع أعلى المعايير الصحية”.

وتقول ريما: “كل عملنا حاليا يكون في طبقة جلد سطحية لا يتجاوز عمقها 2 ميلليمتر، وذلك حتى نعطي فرصة إذا ما أراد صاحب الوشم إزالته في وقت لاحق”.

وتضيف: “الأدوات لا تستخدم إلا لعميل واحد ولمرة واحدة، ولا أفتح أي أدوات من أغلفتها إلا أمام العميل، حتى لو كان زبونا عندي منذ سنوات ويطمئن إلى عملي تماما، ناهيك عن تعقيم الغرفة التي يتم بها رسم الوشم بالكامل بعد كل عميل”.

وتضيف: “في حالات مؤخرا أعرف شبابا رغبوا في إزالة الوشم بهدف التقدم لكليات الجيش والشرطة، ونجحوا في ذلك”.

وتقر ريما بأن الإزالة قد لا تتم بنسبة مئة في المئة، وتقول “ربما يتبقى أثر بسيط يشبه اللسعة الخفيفة، لكن مع مرور الوقت فإن خلايا الجلد تتجدد ويعود للونه الطبيعي”.

أما عن الإكزيما التي قد يسببها الوشم، تقول ريما إنها تتبع أعلى المعايير الصحية ومعايير الأمان في عملها، وإنها ترفض عمل الوشم لأي شخص يعاني من الإكزيما بالفعل أو من حساسية تجاه مادة بعينها، أو يشرب الكحول لأن “الكحول يتسبب في سرعة نشاط الدم ومن ثم نزوله عند عمل الوشم”.

وتضيف: “في حالة شككت في وجود أي مشكلة لدى الزبون، أطلب منه عمل اختبار حساسية أو الذهاب إلى طبيب أمراض جلدية ليتأكد من الأمر، ومن ثم يعطيني موافقة للعمل باطمئنان، وفي حالات كثيرة رفضت عمل وشم للبعض بسبب وجود مشاكل طبية”.

“حرية شخصية”

يرى وليد عبدالسلام، وهو في الأربعينيات من العمر ويعمل بإحدى شركات القطاع الخاص، أن مسألة الوشم تندرج ضمن “الحريات الشخصية وأنه ليس هناك ما يدعو لإقحام الدين في كل صغيرة وكبيرة في حياتنا”.

ويقول: “الوشم ليس فيه إضرار بالشخص الذي يرسمه على جسده ولا بغيره ولا بالمجتمع. إنه مجرد رسم”.

وفيما يتعلق بالأضرار الصحية المحتملة التي أشارت إليها فتوى الأزهر ويحذر منها بعض الأطباء، يقول وليد: “مع تقدم المعايير الصحية والأدوات المستخدمة، أصبحت هذه المخاوف لا أساس لها. ليس هناك أحد أحرص على صحتي مني”.

ويضيف: “لو رغب ابني أو ابنتي في عمل وشم فلا مانع عندي، فالأمر يندرج ضمن مساحة الخصوصية والحرية الشخصية”.

أما دعاء، وهي ربة منزل تقيم في مدينة قريبة من القاهرة، فترفض الأمر تماما.

وكان ابنها البالغ من العمر 18 عاما قد رسم قبل شهور وشما على صدره، دون علم والديه.

وتقول دعاء: “أرفض الوشم لسببين رئيسيين وهما أنه مخالف للدين، كما أنه يتناقض مع عاداتنا وتقاليدنا وثوابت مجتمعنا”.

شارع في القاهرة

AFP
لا ينتشر الوشم على وجه العموم في الشارع المصري

وتضيف: “تناقشت مع ابني بشأن الوشم وحاولت إقناعه بالتراجع عن رسمه لكني فشلت. لست وحدي من أرفضه بل كل أقاربي ومن حولي يرفضونه، علما بأن عائلتي وأقاربي على مستوى عال من التعليم، فكثير منا أطباء ومهندسون”.

وتتابع: “أشعر بالأسف تجاه ابني أو أي شخص يرسم وشما على جسده، وذلك لأنه يرتكب وزرا. ليس لدي مانع أبدا من أن يتمتع كل شخص بحياته كما يريد، لكن بشرط ألا يرتكب ما حرمه الدين”.

“ليس معيارا للتقييم”

وبشأن النظرة السلبية التي قد يرمق بها بعض أفراد المجتمع المصري أصحاب الوشم، فإنها غير موجودة عند وليد بالمرة.

ويقول وليد: “لا يؤثر وجود الوشم من عدمه على نظرتي لأي شخص. الأمر محايد بالنسبة لي تماما. أنا أقيم الأشخاص على أساس سلوكهم وتفكيرهم وليس على أساس شكلهم”.

وعلى الرغم من أن دعاء تشكل “انطباعا سلبيا عن أصحاب الوشم على وجه العموم”، إلا أنها لا تتخذه أساسا للحكم على أي شخص وتقول: “الوشم ليس معيارا لتقييم الشخص وذلك لأنه ربما يكون وشما مؤقتا قابلا للإزالة، ومن ثم فهو ليس حراما، وكذلك لأن بعض الأشخاص يرسمونه في مرحلة عمرية بعينها ثم يتراجعون وتتغير أفكارهم بشأنه”.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.
مواضيع تهمك

Comments are closed.