«الرسالة النارية» لسفارة أميركا في عوكر انعكاسٌ لـ «المياه» العَكرة في السياسة والأمن؟

تقاطعتْ انتكاستان، سياسية وأمنية، لتعطيا إشارةً بالغة السلبية حيال دخول لبنان ما يُخشى أن يكون بدايةَ مسارٍ يُفْضي إلى «ولادة قيصرية» لتسوية رئاسية بعد أن تشتدّ أكثر لعبةُ «عض الأصابع» الداخلية والخارجية ويعادَ «ضبْط» التوازنات التي تشكّل الناظم الفعلي للواقع المحلي بامتداداته الاقليمية – الدولية.

ففيما كانت بيروت غارقةً في عملية تقويمٍ عن بُعد لتفاصيل النكسة التي شقّت طريقَها الى قلب «المجموعة الخماسية حول لبنان» وظهّرت تشققاتٍ داخلها ربْطاً بـ «البطاقة الصفراء» التي رفعتْها واشنطن في نيويورك بوجه باريس ومبادرتها وحاصرت معها الدور الفرنسي بـ «ساعة رملية» قلبتْها تحت عنوان حصْر مهمة جان – إيف لودريان زمنياً قبل الانتقال الى مرحلة التشدّد، جاءت رسالة الرصاصات الـ 15 على مقر السفارة الأميركية في بيروت بمثابة حَدَثٍ مدجَّجٍ بأبعاد أمنية وسياسية لا يمكن التقليل من أهمّيتها رغم أن التحقيقات ما زالت في بداياتها.

واعتبرت أوساط واسعة الاطلاع، أنه أياً تكن ملابسات قيام شخص بإطلاق النار من سلاح «كلاشنيكوف» على مقر السفارة الأميركية في عوكر (المتن) وإصابة مدخله الرئيسي وسيارة كانت خلف البوابة، فإن هذا التطور يشكّل حادثاً بالغ الخطورة:

  • أولاً لأنه خرْقٌ لأمن محيط السفارة الذي يُفترض أن يكون مَضبوطاً بالكامل، علماً أن إطلاقَ النار حصل في اليوم نفسه لإحياء السفيرة الأميركية دورثي شيا وطاقم السفارة الذكرى التاسعة والثلاثين لتفجير السفارة في منطقة عوكر يوم 20 سبتمبر 1984، من خلال سيارة مفخخة، الأمر الذي أسفر عن مقتل 24 شخصاً جلّهم من اللبنانيين. علماً أن مقرّ السفارة كان نُقل من بيروت (الواجهة البحرية للعاصمة في منطقة عين المريسة) إلى عوكر بعد هجوم انتحاري استهدفها في 18 ابريل 1983 وأدى إلى مقتل أكثر من 60 شخصاً.
  • وثانياً لِما انطوى عليه من تجرؤ سيكون من الصعب عزْله عن مسرح العمليات السياسي الذي جرى عليه وتحديداً «زجْر» واشنطن الدور الفرنسي في الملف الرئاسي بما أفْقَده واقعياً غطاء الشركاء الأربعة الآخَرين (الولايات المتحدة، السعودية، مصر وقطر) حتى بدا أن الجولة الرابعة المرتقبة

لـ لودريان في بيروت أوائل أكتوبر باتت تفتقدُ إلى الرافعة العربية – الدولية ناهيك عن «تنفيس» غالبية أطراف المعارضة في لبنان اندفاعة الموفد الفرنسي تحت عنوان الحوار، وذلك بعد إمعان باريس في تظهير نفسها على أنها تعبّر في جانب أساسي من تحرّكها، جوهراً أو آلياتٍ تقترحها، عن بُعد إيراني في مقاربة الملف الرئاسي.

وإذ أبدت الأوساط خشيةً مما عبّر عنه استهداف السفارة الأميركية من مؤشّر، بالحدّ الأدنى، على الفوضى الأمنية «المنظّمة» في ظل صعوبة تَصَوُّر أن تكون «عملية عوكر» عشوائية نظراً لِما تطلّبته من رصْد لـ «خاصرة رخوة» أمنية ولنجاح مطلق النار في «الانسحاب» بأمان، فإنها ترى أن عدم توقيف الفاعل في الساعات المقبلة سيعزّز هذا الاقتناع. كما أن هذا التطور يضع الأجهزة الأمنية اللبنانية أمام تحدٍّ كبير لجهة جهوزيتها وقدرتها على كشْف مَن يقف وراء الاعتداء على «أرض أميركية»، ولا سيما أن الاستهداف كان يمكن أن يكون أخطر لو اختار المهاجِم سلاحاً آخَر. علماً أن واشنطن تَمضي بتوسيع سفارتها في عوكر عبر بناء مجمّع جديد ضخم بدأ العمل به في 2017 ويمتد على مساحة 174 ألف متر مربع، وهو ما اعتُبر أنه يقرب من ضعفين ونصف مساحة الأرض التي يجلس عليها البيت الأبيض وأكثر من 21 ملعباً لكرة القدم، وبتكلفة مليار دولار.

وكان جيك نيلسون، الناطق باسم السفارة الأميركية قال ليل الأربعاء – الخميس، إن أعيرة نارية أطلقت على السفارة، ليل الأربعاء، من دون وقوع إصابات.

وأضاف: «عند الساعة 10:37 مساء بالتوقيت المحلي، تم الإبلاغ عن إطلاق نار من أسلحة خفيفة قرب مدخل السفارة الأميركية».

وأوضح أنه «لم تقع إصابات، ومنشأتنا آمنة. ونحن على اتصال وثيق مع سلطات إنفاذ القانون في البلد المضيف».

ووسط تكتم شديد من الأجهزة اللبنانية، أفادت تقارير أمس أن مسلحاً برشاش كلاشنيكوف أطلق 15 رصاصة باتجاه المدخل الرئيسي للسفارة الأميركية، وأنه وصل إلى المكان الذي أطلق منه النار ويقع خلف مبنى البلدية على متن دراجة نارية ونفّذ عمليته وغادر كما وصل.

وإذ نقل تلفزيون lbci أن كاميرات المراقبة أظهرت «أن المسلح كان يرتدي لباساً أسود كما تم العثور عند مدخل مبنى مواجه لمكان إطلاق النار على ممشطين فارغين يعتقد أنهما للتمويه»، أوردتْ قناة «الجديد» أن الرصاصات أصابت جدار المدخل وسيارة رباعية الدفع كانت تَرْكُن خلْفه.

وعصراً أبلغ مصدر أمني لـ «أ ف ب» أن «مطلق النار على السفارة الأميركية راقب المكان مسبقاً واختار التوقيت المناسب لإطلاق 15 رصاصة باتجاهها».

«الأمن يساوي لبنان»

وفيما ندّد عدد من النواب اللبنانيين باستهداف السفارة الأميركية، اعتبر المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان أن «الأمن يساوي لبنان، وأي لعبة قمار أمنية ممنوعة، ولعبة السواتر والدعاية ورمزيّة اللون مكشوفة جداً، لذلك ندين بشدة عمليات الإستثمار بالخراب الأمني، بما في ذلك إطلاق النار على السفارة الأميركية، والبلد لا يحتمل سيناريوهات مدفوعة الأَجْر».

الموفد القطري

ولم يحجب هذا العنوان الأنظارَ عن مآلات المأزق الرئاسي الذي انطبع بخطوة وأكثر الى الوراء للدور الفرنسي مقابل خطوةٍ إلى الأمام لمهمة قطرية انطلقت بتكتم مع تقارير عن وصول الموفد القطري أبوفهد جاسم آل ثاني إلى بيروت، أول من أمس، حيث سيقوم بجولة على عدد من القوى السياسية مدفوعاً من شركاء الدوحة في اللقاء الخماسي الذين يستعجلون مساراً أقلّ مرونةً من الذي اعتمدته باريس حتى الساعة ولم يُفْضِ إلى أي نتيجة، وهو المسار الذي أرسى ركائزه بيان الخماسية في الدوحة في يوليو الماضي الذي لوّح بـ «تدابير» بحق معطّلي الانتخابات ودعا لإنجاز الاستحقاق داخل البرلمان وفق مواصفاتٍ لرئيس «يجسد النزاهة، ويوحّد الوطن، ويضع مصلحة الوطن أولاً، ويعطي الأولوية لرفاه مواطنيه».

وحينها اعتُبر البيان قطْعاً للطريق على مرشح «الممانعة» سليمان فرنجية كما مرشح تَقاطُع غالبية المعارضة والتيار الوطني الحر جهاد أزعور لمصلحة «خيار ثالث» من خارج الانقسام ويمكنه إعادة الثقة العربية والدولية بلبنان، وهو الخيار الذي يتقدّمه قائد الجيش العماد جوزف عون.

ولفت أمس أكثر من لقاء وموقف ذات صلة بالملف الرئاسي:

  • فالسفير السعودي في لبنان وليد بخاري التقى في مقر إقامته باليرزة، سفير فرنسا الجديد هيرفيه ماغرو.

ورحّب بخاري بالسفير الفرنسي متمنياً له النجاح والتوفيق في عمله «كما جرى عرض العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين وسبل تعزيزها في مختلف المجالات إضافة إلى التعاون المشترك بين السفارتين».

وتطرق اللقاء إلى «بحث آخر تطورات الأوضاع والمستجدات على الساحة اللبنانية ولا سيما الاستحقاق الرئاسي وضرورة إنجازه بأسرع وقت ليستطيع لبنان الخروج من أزماته المختلفه إضافة إلى استعراض عدد من القضايا المختلفة ذات الاهتمام المشترك».

وجاء هذا اللقاء غداة إحياء اليوم الوطني السعودي 93 بحفل أقامته سفارة المملكة وأضاءت خلاله مبنى السفارة في محلة بلس – رأس بيروت بتقنية الكريستال لايت، تحت شعار «نحلم ونحقق».

  • زيارة السفير القطري الجديد سعود بن عبدالرحمن آل ثاني، رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل – الذي يُعتبر من أشدّ معارضي وصول قائد الجيش للرئاسة – «حيث نقل تحيات أمير دولة قطر الأمير تميم بن آل ثاني ووزير خارجيتها محمد بن عبد الرحمن آل ثاني لباسيل. وجرى التداول في آخر المستجدات والتطورات على الساحة اللبنانية».
  • إطلاق الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي الزعيم الدرزي وليد جنبلاط موقفاً لافتاً أكد فيه أن الأزمة الرئاسية في لبنان عادت إلى نقطة الصفر، محمّلاً المسؤولية لمن «يلعب مع اللبنانيين»، و«يغذّي النظريات السخيفة لمن يريد الفراغ».

وجاء موقف جنبلاط في معرض رده على سؤال طرحته عليه صحيفة «لوريان لوجور» حول إذا كان ملف الرئاسة قد عاد الى نقطة الصفر، فأجاب: «نعم»، معتبراً أن نتائج اجتماع المجموعة الخماسية الأخير في نيويورك مجرد «لعب مع اللبنانيين» وبداية تهميش لمهمة المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان، وبالتالي قفزة نحو المجهول. وأوضح: «انطباعي الشخصي هو أن بعض أعضاء هذه المجموعة الخماسية يفسدون مهمة لودريان، والنتيجة أن الخماسية أصبحت رباعية».

«عين العاصفة»

في موازاة ذلك، كان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يلقي كلمة لبنان في الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة حيث أكد أن بلاد الأرز تواجه أزمات عديدة ومتداخلة، وقال: «أُولى التحدّيات تكمن في شغور رئاسة الجمهورية وتَعَذُّر انتخاب رئيسٍ جديدٍ للبلاد، وما يستتبع ذلك من عدم استقرار مؤسساتي وسياسي، ومِن تفاقُمٍ للأزمة الاقتصادية والمالية»، محيياً «الدور الذي تؤدّيه اللجنة الخماسية، كما المبادرة الفرنسية الهادفة الى المساعدة في انجاز هذا الاستحقاق الدستوري».

وأضاف: «12 عاماً مرّت على بدء الأزمة السورية، وما زال لبنان يرزح تحت عبء موجات متتالية من النزوح طالت تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية كافة مظاهر الحياة فيه، وباتت تُهدِّد وجوده في الصميم. ورغم إعلائنا الصوت في كافة المنتديات الدولية، وفي هذا المحفل بالذات، ما زال تَجاوُب المجتمع الدولي مع نتائج هذه المأساة الإنسانية، وتداعياتها علينا، بالغ الخجل وقاصراً عن معالجتها بشكلٍ فعّال ومستدام».

وجدد «التحذير من انعكاسات النزوح السلبية التي تُعمّق أزمات لبنان، الذي لن يبقَى في عين العاصفة وحده. كما أُكرّر الدعوة لوضع خارطة طريق بالتعاون مع كافة المعنيين من المجتمع الدولي، لإيجاد الحلول المستدامة لأزمة النزوح السوري، قبل أن تتفاقم تداعياتها بشكلٍ يخرج عن السيطرة».

الأمم المتحدة: استقرار لبنان في خطر

حذّرت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانّا فرونِتسكا، من «أن الفراغ الرئاسي والمأزق السياسي والأزمة الاجتماعية والاقتصادية والمالية الممتدة كلها عوامل تقوّض قدرة مؤسسات الدولة على القيام بوظائفها، ما يعمق الفقر وعدم المساواة ويعرض استقرار البلاد للخطر».

واعتبرت «أن تزايد حدة الاستقطاب السياسي وتعنّت المواقف يهددان التماسك الاجتماعي في لبنان والشعور بالانتماء بين أبناء شعبه»، ومشددة في ضوء ذلك على أنه «ينبغي على القادة السياسيين العمل من أجل المصلحة الوطنية والبحث عن حلول واقعية وعملية من أجل مستقبل أفضل لبلادهم».

ودعت فرونتسكا في بيان، لمناسبة اليوم الدولي للسلام، إلى «الحفاظ على لبنان كوطن للديمقراطية، وحقوق الإنسان، والتعايش، والتعددية، والحرّيات»، مؤكدة «أهمية التزام الدستور اللبناني واتفاق الطائف وقرارات مجلس الأمن المتعلقة بلبنان وبالأخص القرار 1701 (2006)».

وقالت «في إطار القرار 1701، أتاحت جهود اليونيفيل بالتنسيق مع الأطراف المعنية تحقيق الهدوء والأمن على طول الخط الأزرق منذ العام 2006، الا أن إرساء الاستقرار والسلام الدائم في المنطقة يتطلب من الطرفين تنفيذ التزاماتهما العالقة التي يوجبها القرار 1701».

الراي – وسام أبوحرفوش وليندا عازار

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.