تمسك الحزب بفرنجية تعطيل مفتوح يطيل الفراغ في لبنان

الجماعة الشيعية تراهن على سياسة حافة الهاوية لتليين مواقف مناوئيها.

لم يبد حزب الله أي مرونة تذكر في التعاطي مع التسويات الرئاسية المقترحة سواء من أطراف خارجية أو داخلية. ويتمسك حزب الله بمرشحه سليمان فرنجية كحل وحيد لإنهاء حالة الفراغ المؤسساتي ويتبع سياسة حافة الهاوية للوصول إلى ذلك.

بيروت – يرى متابعون للشأن اللبناني أن أحد الأسباب الرئيسية لتعثر التسوية الرئاسية هو تمسك الثنائي الشيعي خاصة حزب الله بترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية لمنصب رئيس الجمهورية، رغم أن الأخير لا يحظى بتوافق داخل التيارات المسيحية، وهو ما يطيل أمد الفراغ الرئاسي في بلد مثقل بالأزمات ويتجه نحو حافة الانهيار.

ورأى نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله، علي دعموش، في خطبة الجمعة، أن الحوار دون شروط، يمكن أن يشكل مدخلًا للتوصل إلى حلول حول رئاسة الجمهورية وإدارة المرحلة المقبلة والاستحقاقات التي ينتظرها لبنان.

وقال دعموش، بحسب بيان صادر عن العلاقات الإعلامية التابعة لحزب الله، إن “الحوار يمكن أن يشكل مدخلًا للتوصل إلى تفاهمات وحلول حول رئاسة الجمهورية وحول كل ما يتصل بإدارة المرحلة المقبلة وبالتحديات والاستحقاقات التي ينتظرها البلد”. وشدد على أن ”ربط الحوار بشروط من أيّ نوع هو ابتزاز ومراوغة لا نقبل بهما”، مؤكداً أن ”سحب خيار فرنجية من بين الخيارات المطروحة لرئاسة الجمهورية في أيّ حوار هو أمر غير وارد، فنحن متمسّكون بدعم هذا الخيار، وربط الحوار بإسقاطه هو إقصاء مرفوض وتحدٍّ لا يمكن أن نقبل به”.

وتابع “عناد الفريق الآخر ورفضه للحوار يُبقي باب الحل مقفلاً إلى أجل غير مسمّى”، لافتاً إلى ”أننا إنما نصر على الحوار لأننا لا نرى طريقاً يؤدي إلى حل مشكلة الرئاسة والخروج من الأزمات التي تعصف بالبلد غير الحوار والتفاهم بين اللبنانيين” .

وراهن اللبنانيون على زيارة أداها مبعوث الرئيس الفرنسي جان إيف لودريان إلى لبنان مؤخرا لتليين موقف حزب الله من التسوية الرئاسية، إذ تحتفظ باريس بقنوات اتصال متينة بالحزب الشيعي، إلا أن تصريحات قادة الحزب على إثر الزيارة أعادت منسوب التشاؤم بشأن الإسراع في انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفا لميشال عون الذي انتهت ولايته أكتوبر الماضي.

وقالت مصادر سياسية مقربة من حزب الله إن لودريان أعاد طرح المبادرة الفرنسية للحل في لبنان على قادة الحزب والمتمثلة في مضي حزب الله في ترشيح فرنجية إلى الرئاسة مقابل مرشح من المعارضة لرئاسة الحكومة. وتدل كل المؤشرات في الملف الرئاسي اللبناني على أن هناك مرشحاً وحيداً يدور حوله السجال هو سليمان فرنجية. تارة ترتفع أسهمه وتارة أخرى تنخفض، وفق مؤشر الاتصالات العربية والدولية حول لبنان، وما تطرحه باريس من مقايضة بانتخابه رئيساً وتكليف رئيس حكومة من المعارضة بضمانات محددة.

وعلى الرغم من الرفض المسيحي المستمر لانتخاب فرنجية، تواصل باريس مساعيها في هذا الشأن، وبالنسبة إليها لا يزال انتخابه ممكناً وليس مستحيلاً، في غياب مرشح آخر يحظى بدعم حزب الله، لذا تعمل على إقناع المكوّن السني للسير في هذا الخيار، وانتزاع موافقة سعودية للتغطية العربية. ولم تعلن باريس رسمياً التخلي عن المقايضة أو مشروعها.

ويتبيّن وفق المواقف، أن حزب الله ليس بصدد التخلي عن فرنجية، لا بل هو متمسّك به إلى حدّ الذهاب نحو تعطيل مفتوح يطيل الفراغ، إلى حين توفّر ظروف داخلية لانتخاب مرشحه وهو ما يذكّر بتجربة المرحلة التي سبقت انتخاب ميشال عون بين 2014 و2016، وحينها كان فرنجية مرشحاً، لكنه غير معتمد من الحزب الذي فرض عون في النهاية كمرشح أوحد بعد التفاف معظم الأطراف حوله بما في ذلك حزب القوات اللبنانية وتيار المستقبل برئاسة سعد الحريري.

ويمتلك حزب الله عناصر قوة داخلية وإقليمية تسمح له بإيصال فرنجية إلى الرئاسة حتى مع اتفاق المسيحيين على المرشح جهاد أزعور. وتتمثل عناصر قوة الحزب في قدرته العسكرية وقدرته على التحكم في القرار وتماسك كتلته النيابية في الهيمنة على البلاد والتغطية الإيرانية له إلى جانب الدعم السوري بعد عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية.

ويمثل إمساك حليفه حركة الأمل الشيعية برئاسة البرلمان اللبناني عامل قوة إضافي أيضا. وبعد فشل البرلمان للمرة الثانية عشرة في انتخاب رئيس جديد، يعتقد الكثيرون أن ما سيحدث في المرحلة المقبلة يتوقف على تأثير تقارب العلاقات بين السعودية وإيران على منطقة الشرق الأوسط، مع كون لبنان على مر التاريخ ساحة تنافس بين القوتين الكبريين.

والمأزق ليس مفاجئا في بلد يقوم نظامه السياسي على المحاصصة الطائفية ويخرج من أزمة ليدخل في أخرى منذ استقلاله، مما يؤدي في الكثير من الأحيان إلى تدخل قوى أجنبية ذات نفوذ لدى الأطراف المتنافسة.

والقوى الخارجية هي التي أنهت الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت بين عامي 1975 و1990 من خلال اتفاق الطائف للسلام المدعوم من السعودية، وتكرر الأمر في 2008 حينما حال اتفاق جرى التوصل إليه في قطر دون انزلاق لبنان في صراع جديد. والموقف الحالي سيء حتى بمعايير هاتين الأزمتين؛ إذ استُنزفت الدولة جراء انهيار مالي مستمر منذ 2019. ويعتمد الجيش على المساعدات القطرية والأميركية.

والخلاف حول من سيشغل مقعد الرئاسة المخصص للطائفة المارونية يضع جماعة حزب الله الشيعية المدعومة من إيران وحلفاءها في مواجهة مع منافسين من بينهم الأحزاب المسيحية الرئيسية، وهو ما يضفي على الخلاف صبغة طائفية واضحة. وأحبطت جماعة حزب الله المدججة بالسلاح محاولة من المنافسين لانتخاب جهاد أزعور، وهو مسؤول كبير بصندوق النقد الدولي ووزير سابق للمالية.

وقالت مصادر مطلعة على وجهة نظر جماعة حزب الله إن الجماعة متمسكة بمرشحها سليمان فرنجية، مستشعرة أن التطورات بالمنطقة تمضي في صالحها وخصوصا بعد أن رحبت الرياض بالرئيس السوري بشار الأسد. لكن ليس لدى حزب الله ولا منافسيه ما يكفي من النواب بالبرلمان لفرض اختيار أيّ منهم.

العرب

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.