لبنان إلى قمة جَدة والعيْن على الأسد.. رياض سلامة يتجّه ليتحول «كارولس غصن آخر»

لن يكون تَرَقُّب لبنان لمآلات قمة جدة غداً، على غرار الدول العربية الأخرى، هو الذي سيرصد بـ «أمّ العين» وبأسى مضيّ قطار إخماد أو «تبريد» ملاعب النار في المنطقة، ليبقى مصيرُ التحاقه بهذا المسار المدجّج بالتحولات العميقة… «بين يديه».

وأيُّ مفارقةٍ أن قمة جدة ستكرّس ليس فقط عودة سورية إلى الجامعة العربية بل أيضاً مشاركة الرئيس بشار الأسد فيها بعد قطيعة عربية لأكثر من 11 عاماً، فيما لبنان يطلّ على العرب جمهوريةً «مقطوعة الرأس» تُصارِع أعتى انهيار مالي، والأطراف الوازنون فيها يَمْضون في «القتال حول جنس» رئيس الجمهورية وفق حساباتٍ تحتاج إلى reset لتتكيّف مع المتغيرات الكبرى في المنطقة التي يبدو وكأنها لم «تلفح» الوطن الصغير الذي يُمْعِن في خوض المعارك بـ «قواعد اشتباك» انتهت صلاحيتها بعدما تغيّرت أرضية الصراع التي لطالما تمحور منذ 2005 حول الموقع الاقليمي لـ «بلاد الأرز» وتوازناته الداخلية بامتدادتها الخارجية.

وشخصت العيون أمس على الاجتماعات التحضيرية للقمة وعلى مساريْن متوازييْن يتصلان بها:

  • الأوّل هل سيحضر الأسد مباشرة إلى جدة أم سيعرّج قبْلها الى الرياض باعتبار أن هذا سيكون مؤشراً إلى فتْح صفحة جديدة بالكامل مع النظام السوري حتى قبل بدء تنفيذ بنودٍ تتّصل بعودة النازحين والحلّ السياسي، بالتوازي مع رصْدٍ للبند في البيان الختامي الذي سيتناول إيران وسط معلومات أشارت إلى أنه سيتفيأ تأثيرات تفاهم بكين بين الرياض وطهران التي ستنعكس حُكْماً عليه للمرة الأولى منذ أعوام، واستطراداً على تعريف «حزب الله» في لبنان.
  • والثاني بند لبنان الذي سيَحْضر أيضاً في الاجتماعات الجانبية ولقاءات رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي (يترأس وفد لبنان) مع عدد من القادة العرب، في ظل معطيات إلى أن الموقف العربي سيركّز على وجوب الإسراع في إنجاز الاستحقاق الرئاسي بعيداً من تبنّي أي خياراتٍ أو رفْض أخرى، والتزام مسار الإصلاحات الضرورية لإخراج البلاد من أزمتها المالية.

ويُنتظر أن يركّز لبنان الرسمي مَطالبه على الحضّ على معالجة مسألة النزوح السوري وعبئه، وهي العبارة التي لم تعُد تثير حساسية دمشق وفق ما عبّر عنه كلام وزير خارجيتها فيصل المقداد أمس، وذلك من ضمن خريطة طريق تشمل دول اللجوء الأخرى ولا سيما الأردن وبدرجة أقلّ العراق (إلى جانب تركيا) وعلى قاعدة أن «بلاد الأرز» لم تعد تحتمل تأخير بت هذا الملف.

كما سيدعو لبنان الذي تم ضمّه إلى لجنة الاتصال الوزارية العربيّة لمتابعة تنفيذ بيان عمان في شأن حلّ الأزمة السوريّة بما في ذلك ملف النازحين وتهريب الكبتاغون، الدول العربية والخليجية خصوصاً إلى مساعدته في ضوء الجهود التي بذلها لمكافحة تصدير المخدرات وموقفه الرسمي المتمسك بأنه جزء لا يتجزأ من العالم العربي ومصالحه الاستراتيجية.

وإذ يسود انتظارٌ لِما إذا كان أي لقاء سيُعقد بين الأسد وميقاتي، فإن اجتماع وزير الخارجية اللبناني عبدالله بوحبيب أمس مع نظيره السوري على هامش الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية العرب لقمة جدة، شكّل مؤشراً لموقف دمشق الذي رحّب «بكل أبنائنا، واللاجئ يجب أن يعود»، وفي الوقت نفسه أكد «ان هذه العودة تحتاج إلى إمكانات كي تشجعه (اللاجئ السوري)، ولكن سواء شجّعتْه الدول الغربية أم لا، فأهلاً وسهلاً».

وحين سئل «هل من دعوة ستوجَّه إلى ميقاتي والوفد اللبناني لزيارة دمشق»؟ أجاب «أهلاً وسهلاً بكل مسؤول لبناني في سورية».

ومع التوجّه الأكيد للقمة العربية لجهة عدم التورّط في دعم أي مسار رئاسي «بالاسم»، والتقديرات بأن أي «طلب مساعدة لبناني» على تفكيك تعقيدات هذا الملف لن يقابَل إلا بـ «ساعِدوا أنفسكم كي نساعدكم والحلّ في الداخل»، يعود الاستحقاق الرئاسي إلى «المدار اللبناني» المحكوم بتوازن سلبي لا يشي بفكاك وشيك، بين مؤيّدي زعيم «تيار المردة» سليمان فرنجية (حزب الله والرئيس نبيه بري) وبين رافضي انتخابه وهم غالبية قوى المعارضة بتقاطُع موْضعي مع «التيار الوطني الحر» ومن دون القدرة بعد على بلْورة اسم موحّد مع الأخير يكون كفيلاً بتحقيق الخرق المطلوب سواء بإيصال هذا الاسم أو بالإطاحة «لمرة واحدة ونهائية» بترشيح فرنجية وشقّ الطريق أمام خيار ثالث قد يكون قائد الجيش العماد جوزف عون.

حركة بخاري

وفيما كان الناطق باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد بن محمد الأنصاري يعلن أنه «لا يوجد حالياً أي اجتماع (لمجموعة الخمس) حول لبنان في الدوحة»، موضحاً «أن الدور القطري مستمر في تقريب وجهات النظر، والخارجية القطرية تقوم بالاتصالات بين الجهات المختلفة، ومستمرة في القيام بدورها الإيجابي بالتنسيق مع الجهات الإقليمية والدولية»، بقيت حركة السفير السعودي في بيروت وليد بخاري تحت المعاينة هو الذي وسّع في اليومين الماضييْن مروحة لقاءاته واجتمع أمس مع وزير الشؤون الاجتماعية هكتور الحجار حيث «كان عرض للخطط التي تعمل الوزارة على تنفيذها، وسبل التعاون بين المملكة ولبنان والجهات المعنية في البلدين في ما يتعلق بمجالات الرعاية الاجتماعية والقضايا ذات الاهتمام المشترك».

وكان بخاري عقد الثلاثاء سلسلة لقاءات، بينها مع وزير السياحة وليد نصار والمدير العام للأمن العام بالوكالة العميد الياس البيسري ورئيسة مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في لبنان سيفيرين راي، لكن الأهمّ فيها كان استقباله السفير البابوي المونسنيور باولو بونجيا حيث جرى وفق السفارة السعودية «استعراض العلاقات بين المملكة والفاتيكان وآخر التطورات التي يعيشها لبنان ومنها الاستحقاق الرئاسي إضافة إلى بحث جملة من القضايا التي تهمّ الجانبين».

وجاء اللقاء مع السفير البابوي، على وقع استمرار الفيتو المسيحي الوازن داخلياً على انتخاب فرنجية وتشديد الرياض على أن الاستحقاق الرئاسي شأن سيادي لبناني وأنها لا تضع فيتو على أي اسم ولا تدعم آخَر ولا تضغط على أحد (حلفاؤها) في الملف الرئاسي، وهو الموقف الذي ما زال يثير غباراً كثيفاً ويُستخدم في «الحرب النفسية» الطاحنة التي تدور على تخوم المكاسرة الرئاسية، وصولاً إلى تسريبِ حلفاء لفرنجية أن المملكة تُطِوِّر موقفها منه وأنها تقترب من رفْع الغطاء عن أي تعطيل لجلسة انتخاب يدعو إليها رئيس البرلمان، وهو ما يلوّح به أفرقاء وازنون في المعارضة إذا كانت الجلسة «مضمونة» لزعيم «المردة».

وإذ بدأ البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي يعدّ ملفاته للزيارة التي يقوم بها لباريس بين 2 و4 يونيو المقبل ويلتقي خلالها الرئيس ايمانويل ماكرون وكبار المسؤولين، تسود مناخاتٌ عن أن هذه المحطة ستكرّس معاودة فرنسا «إمساك العصا من الوسط» في الملف الرئاسي عوض إدارة الظهر للرفض المسيحي العارم لانتخاب فرنجية ما جعلها في مرمى سهام لبنانية غير مسبوقة، عزّزها جوٌّ عن عدم الارتياح في أوساط سياسية كما دينية لمبدأ القفز الفرنسي فوق المِزاج المسيحي وصولاً لعدم ممانعة «كسْره»، وذلك بمعزل عن شخص فرنجية.

«القنبلة القضائية»

ولن تغيب عن هذه الزيارة أصداء «القنبلة القضائية» التي انفجرتْ أول من أمس وتردّد دويّها بين باريس وبيروت مع تحوُّل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ملاحَقاً دولياً، بموجب المذكرة التي أصدرتها بحقه القاضية الفرنسية أود بوريسي في قضايا غسل أموال واختلاس، ويُنتظر أن تكتمل عناصر تعميمها عبر الانتربول بعد إيراد اسمه في النشرة الحمراء.

وفيما يتّجه سلامة ليتحوّل كارلوس غصن آخَر في ضوء تأكيد مصدر قضائي لبناني أن القانون المحلي «لا يجيز تسليم مواطن الى بلد آخَر وعندما ترد مذكرة التوقيف الدولية عبر النشرة الحمراء سيطلب القضاء اللبناني من الجانب الفرنسي الملف الذي يتضمن المعطيات والمستندات التي بنت عليها القاضية بوريسي قرارها، واذا ثبتت صحة هذه الأدلة عندها يبدأ القضاء اللبناني ملاحقته في لبنان باعتباره صاحب الصلاحية في مثل هذه القضية»، برز ترقُّب كبير لأبعاد وتداعيات هذا التطور غير العادي والذي شكّل شرارتَه امتناعُ الحاكم عن حضور جلسة استجوابه التي حُددت له في باريس أول من أمس وكان من المتوقَّع أن يُوجِّهَ فيها الادعاءُ الفرنسيّ اتهاماتٍ أوليّة له بالاحتيال وغسلِ الأموال.

وراوحتْ قراءةُ هذا التطور بين خشية من ارتداداته على تعاطي المصارف المراسلة مع مصرف لبنان بعدما بات رئيسه «مطلوباً دولياً» هو الذي «يترأس لجنة التحقيق الخاصة بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وهيئة الأسواق المالية والهيئة المصرفية العليا وله اليد الطولى في لجنة الرقابة على المصارف»، وبين تشظيات هذه القضية التي تفجّرت مع بدء العد التنازلي لانتهاء ولاية سلامة في يوليو المقبل وتعقيدات تعيين بديل في ظلّ الشغور الرئاسي، وسط مطالبات لبنانية برزت باستقالة الحاكم فوراً رغم إعلانه أنه سيطعن بالقرار الذي اعتبره «مخالفاً للقانون وللأصول، وصادر بناءً على أفكار مسبقة».

وفي حين برزت مخاوف من انعكاسات عدم امتثال لبنان لطلب توقيف سلامة متى عُمِّم على الانتربول، في ظل انطباعٍ بإمكان لفلفة الشق اللبناني من ملفه المفتوح اوروبياً ولا سيما بعدما تقدّم وكلاء الحاكم بطلبات أمام القضاء اللبناني لـ «تعليق التحقيقات الاوروبية المتعلقة بالجرائم الأصلية المزعومة في ملف شركة «فوري» (العائدة لشقيق سلامة) وغيرها بشكل نهائي»، معتبرين أن «القضاء اللبناني وحده المخوّل إجراء تحقيقات بالجرائم المزعومة المرتكبة على أراضيه»، برز موقف نُقل عن البيت الأبيض رداً على مذكرة توقيف سلامة: وفيه «هذا شأن فرنسي»، ما هدأ المخاوف من ارتداداتٍ مالية متدحرجة لا يحتاج إليها لبنان «المنكوب».

ولم يقلّ وطأةً وقْعُ تظهير لبنان وقضائه «عاجزاً» عن تبليغ سلامة بموعد جلسة استجوابه في باريس والتي استُعملت غطاءً اعتقد الحاكم ووكلاؤه انه سيكون كفيلاً بـ «شراء الوقت» تجاه القضاء الفرنسي والاوروبي في ضوء توقُّع أن تلجأ بوريسي لمحاولة إبلاغه مجدداً، وسط محاولاتٍ جرتْ لربْط الإجراء القضائي بحق سلامة بما تمت إشاعته عن تلويح الاتحاد الاوروبي بعقوباتٍ على مَن يتغيّب عن جلسات انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهو ما بدا مبالَغاً فيه أولاً لصعوبة تحقُّقه إجرائياً ضمن الاتحاد في ظلّ آلياته المعقّدة، ناهيك عن أن تهديداتٍ بهذا المعنى تكررت سابقاً مرات ولم تُترجم، إضافة إلى أن «عصا» العقوبات كان يفترض أن تُرفع أيضاً بوجه مَن عطلوا جلسات الانتخاب في دوراتها الثانية وامتنعوا عن الدعوة لجلسة جديدة منذ أشهر، وفق أوساط على خصومة مع حزب الله والرئيس بري.

وكان لافتاً أمس تسجيل وقفة أمام منزل قاضي التحقيق الأول في بيروت بالإنابة شربل أبوسمرا نظّمها شبان وشابات من جمعية «أموالنا لنا» مرتدين أقنعة تحمل وجه حاكم المركزي.

ونُظّمت الوقفة أمام منزل أبوسمرا، باعتبار أنه المسؤول عن تبليغ سلامة مواعيد جلسات استجوابه، وهو ما لم يحصل بالنسبة إلى جلسة باريس في 16 مايو حيث برر مسؤول قضائي لبناني أن دورية أمنية توجهت الأسبوع الماضي لأربعة أيام متتالية الى مبنى مصرف لبنان لتبليغ سلامة «موعد جلسة استجوابه المقررة أمام القاضية أود بوريسي الثلاثاء في باريس، لكنها لم تعثر عليه».

وفي كل مرة، وفق المسؤول القضائي، كان مسؤول الأمن في المصرف يبلغ الدورية أن الحاكم غير موجود.

الراي – وسام أبوحرفوش وليندا عازار

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.
مواضيع تهمك

Comments are closed.