«السلطة الثالثة» تترنّح.. القضاء اللبناني يدّعي على رياض سلامة وأسئلة عن «قطبة مخفية»

ماذا يعني استباق القضاء اللبناني عودة الوفد الأوروبي بالادعاء على سلامة؟
كتاب ميقاتي لعدم تنفيذ أوامر القاضية عون… يتفاعل سياسياً
لم تكن السلطةُ القضائيةُ في لبنان مرةً في عيْن انهياراتٍ متلاحقة كالتي تعصف بها هذه الأيام بما يؤشّر إلى شموليةِ تَحَلُّل الدولةِ بمؤسساتها كافة، في وقتٍ توغل البلادُ في السقوط المالي الحُرّ الذي تزيد من سرعته أزمة سياسية كبرى تشكل الانتخابات الرئاسية العالقة منذ أشهر «رأس جبل الجليد» فيها.
وليس عابراً أن تتمدّد «الحروبُ» على الجبهة القضائية مُنْذِرَةً بفوضى عارمة على مسرحٍ يُفترض أنه ساحة «فضّ المنازعات» وإحقاق العدالة، فإذ به يتحوّل منصةً لنزاعاتٍ سياسية يُخشى معها أن تكون السلطةُ الثالثة في لبنان (بعد السلطتين التشريعية والتنفيذية) دَخَلَت مرحلة «احتضارٍ» تتغذى من الموت البطيء لكل مرتكزات الدولة.
بوتين خلال مراسم وضع إكليل من الزهور على قبر الجندي المجهول في موسكو أمس (رويترز)
بوتين يُعزّز «الثالوث النووي» بصواريخ «الشيطان»
منذ ساعة
وتوالت أخيراً مظاهر قضاءٍ وكأنه «بيتٌ بمنازل كثيرة»، انقسم على نفسه قبل أسابيع على خلفية ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت حيث اندلعت معركة طاحنة سُجِّل فيها تبادُل الدعاوى بين مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات وكبير المحققين القاضي طارق بيطار وصولاً لطلب عدم تنفيذ الضابطة العدلية أي إشاراتٍ تصدر عن الأخير.
ولم يقلّ «إثارةً» التشظّي غير المسبوق للمواجهة القضائية – المصرفية بدخول السلطة التنفيذية عبر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي (أول من أمس) على خط لجْم اندفاعة القاضية غادة عون بوجه البنوك تاركاً إياها من دون «أذرع تنفيذية» لقراراتها ومطْلِقاً سجالاً حول نسْف مبدأ الفصل بين السلطات الذي يكرّسه الدستور.
واكتملت «حلقات» التطورات من «العيار» المثير للجدل نفسه أمس مع ادعاءٍ على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بقضايا اختلاس مال عام وتبييض أموال، لم تتأخّر «الشبهاتُ السياسية» حوله بوصْفه قد يكون «باباً خلفياً» لفرملةٍ، بالحد الأدنى، للملاحقة الأوروبية لـ «الحاكم» في الملف نفسه الذي يُعرف بقضية شركة «فوري» (للوساطة المالية).
فقد ادعى المحامي العام الاستئنافي في بيروت القاضي رجا حاموش على سلامة وشقيقه رجا ومساعِدة «الحاكم» ماريان الحويك وكل من يظهره التحقيق «بجرائم اختلاس الأموال العامة والتزوير واستعمال المزور والإثراء غير المشروع وتبييض الأموال، ومخالفة القانون الضريبي»، وأحال الملف مع المدعى عليهم على قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبوسمرا، طالباً استجوابهم وإصدار المذكرات القضائية اللازمة بحقهم.
وإذ علّق سلامة على القرار لـ «رويترز»، قائلاً: «بريء من لائحة التهم الجديدة المنسوبة لي، وسألتزم بالإجراءات القضائية بعد الاتهامات الجديدة»، سرعان ما وُضع هذا التطور القضائي في «الغربال» السياسي ربطاً بتقارير كانت استشرفت تسريع التحقيق اللبناني مع «الحاكم» بحيث «يسبق» المسار الذي أطلقه قبل أكثر من شهر وفد «الترويكا» القضائي الأوروبي، المؤلف من محققين من فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ أجرى جولة أولى من الاستجوابات في بيروت على خلفية الاشتباه بضلوع سلامة وشقيقه في قضايا اختلاس أكثر من 330 مليون دولار عبر شركة «فوري اسوشياتس» العائدة لرجا والتي لعبت دور الوسيط لشراء سندات خزينة ويوروبوند من «المركزي» وتلقت عمولاتٍ جرى تبييضها وتحويلها (بين 2002 و 2021) إلى حسابات في الخارج واستُخدمت فيها مصارف في الدول الأوروبية الثلاث.
وعلى أهمية الادعاء اللبناني، فقد اعتبرت هذه التقارير أن تحويل الملف إلى قاضي تحقيق لبناني سيتيح تجميد التعاون مع المحققين الأوروبيين إلى حين الانتهاء من الاطلاع على الملف، وتالياً تأخير أي تعاون حتى إنجاز عمله، بالتوازي مع اعتبار مصادر مطلعة أن ما جرى قد يكون من ضمن «ترتيب سياسي» لتغطية سلامة أمام القضاء الأوروبي بحجة أن الجرم لا يلاحَق إلا مرة واحدة وما دام القضاء اللبناني ادعى على سلامة لا يعود للأوروبي ملاحقته بالأفعال نفسها.
في موازاة ذلك، لم تهدأ تفاعلاتُ طلب ميقاتي من وزير الداخلية بسام مولوي اتخاذ ما يلزم إزاء «التصرفات الشاذة وغير المألوفة في عالم القانون» للقاضية غادة عون في مواجهة القطاع المصرفي وادعائها على مصرفيْن بتبييض أموال، وهو ما أعقبه الطلب من الأجهزة الأمنية عدم تنفيذ أوامر القاضية.
وإذ استند ميقاتي في «تدخله» لـ «أسباب قاهرة» نافياً التدخل بعمل القضاء ومعتبراً أن كتابه إلى وزير الداخلية «انطلق من موقعه الدستوري وحرصه على تطبيق القانون ومن كتب وردته وتتضمن عرضاً مفصلاً لمخالفات منسوبة لبعض القضاة»، ومذكراً بمسؤولية «المحافظة على القطاع المصرفي دون أن يعني ذلك قطعاً جعل أي مصرف بمنأى عن أي ملاحقة ولكن مع مراعاة أصول الملاحقة والمحاكمة التي هي في حمى الدستور والقانون»، فإن خطوة رئيس الحكومة سرعان ما حرّكت «خطوط التماس» السياسية مع «التيار الوطني الحر» (عون محسوبة عليه) الذي يخوض معركة طاحنة بوجه ميقاتي تتصل بمضي الأخير في عقد جلسات لحكومة تصريف الأعمال في كنف الشغور الرئاسي، وسط ترجيحات بتوجيه دعوة جديدة لالتئامها الأسبوع الطالع.
وفيما جاء أول ردّ على لسان وزير العدل هنري الخوري (أرسلت إليه نسخة من كتاب وزير الداخلية) شدّد فيه على التمسك بـ«استقلالية القضاء وبمبدأ فصل السلطات وبعدم التدخل في عمله، والحرص المطلق على مكانة القضاء ومِنعته وحقوق المتقاضين»، اتهم المجلس السياسي للتيار الحر رئيس الحكومة بـ «تعميم الفوضى الدستورية والقانونية»، معتبراً «ان أروع ابتكاراته القانونية، توجيهه رسالة الى وزير الداخلية يطلب منه تدخلاً واضحاً للأجهزة الأمنية في وقف عمل القضاء، والوزير القاضي (مولوي) ينفّذ التعليمات بنحر القضاء، وهذا ان دلّ على شيء، اضافة الى ضرب الجسم القضائي ضربة إضافية وقاضية، فهو يدلّ على خوف السيد ميقاتي ممّا يمكن أن يطوله من هذه التحقيقات في المصارف».
وأضاف «ان هذا السلوك الاستفزازي يحمّل ميقاتي مسؤولية خرق الدستور والقوانين وتعريض نفسه للملاحقة أمام الأجهزة القضائية المختصة».
وفيما شهد يوم أمس تحركاً داعماً للقاضية عون، وسط معلومات عن أن الجهة المدعية على المصارف ستتقدم بدعوى إبطال قرار وزير الداخلية أمام مجلس شورى الدولة، وضع نقيب المحامين السابق النائب ملحم خلف، خطوة ميقاتي ومولوي في خانة «ضرب القضاء وانتهاك صارخ لمبدأ فصل السلطات وتدخل مرفوض بالقضاء».
وإذ أكّدت القاضية عون أنّها ستتعاطى مع القرار الصادر عن مولوي «كأنه لم يكن كونه صدر عن مرجع غير مختص سنداً للأصول الجزائية»، معلنة ان لا كتاب ميقاتي ولا غيره سيثنيها عن الاستمرار في عملها ومعتبرة «أن ما أقدم عليه الرئيس ميقاتي لن يمر مرور الكرام ومن يعش يرَ»، اتجهت الأنظار إلى رد فعل المصارف على مبادرة رئيس الحكومة لمحاصرة عون وهل ستكون كافية لعودتها عن الإضراب الجزئي المفتوح.
وبدا أن القطاع المصرفي، ورغم أن قرارات القاضية عون، باتت بحُكْم «القنبلة الصوتية» التي لا تلقى مَن ينفّذها، يسعى للحصول على مزيد من الضمانات التي تتناول قراراتٍ تفرض عليها إيفاء الودائع نقداً بالدولار الفريش وليس عبر الشيك المصرفي الذي يُعتبر صالحاً ليسدّد عبره الزبائن ديونهم، وسط رصْدٍ لِما إذا كان الإضراب المستمر منذ نحو اسبوعين سينتهي بحلول مطلع الأسبوع.

الراي – وسام أبوحرفوش وليندا عازار

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.
مواضيع تهمك

Comments are closed.