«عبور طائش» للبنان إلى سنة «يا أبيض يا أسود»

  • رصاص رأس السنة أصاب طائرتين في مطار بيروت وهاتفٌ أنقذ مواطناً
  • «رحلة هروب» عبر البحر أفلتت من الغرق… والموت سرق طفلة وامرأة
    لم يشذّ وداعُ 2022 في لبنان عن «قواعد الفوضى» وعوارض «الانفصام» التي تطبع «بلاد الأرز» وواقعها البالغ الاضطراب الذي «خرج عن السيطرة» في السياسة والمال والاقتصاد لتدخل 2023 وكأنّها سنة، إما الإنقاذ القيصري «وإما فقدان آخِر الكوابح للجْم الانهيار وموجاته العاتية».
    فمن خلْف «عاصفة كرنفالاتِ» لم ينم معها ليل لبنان بسهراتٍ عامرة في المطاعم والملاهي وبدا معها كأن لا «أعاصير» تضرب الوطن الصغير وشعبه، كانت احتفالاتُ «خليك بالبيت» الطاغية، بعضها صاخِبٌ واختار منظّموها نقل العيد بكل «طقوسه» المبهرة إلى خلف الجدران الضيّقة، وبعضُها الآخَر جاء على «قدّ الحال» والضيق الذي يقبض على قسم كبير من اللبنانيين، ولكن الجامعَ بينها ليلةٌ «فوق الخيال» تسمَّرتْ معها العيون على حَدَثيْن:
  • «تريو نايت» في موسم الرياض، وكأن لبنان «بلد العيد» بنجماته ونجومه، زَحَلَ وصار على مسرح مبهر يصنع مع نجوم آخرين، الفرح لكل العالم العربي وأبنائه المنتشرين في كل المعمورة.
  • مهرجان الشيخ زايد، الذي تُوّجت معه الإمارات «نجمة كل السنوات» ونهاياتها الساحرة وعاصمة الأضواء في «الكوكب» وحطّمت أرقاماً قياسية بالإبهار والإنجاز، فبدا اللبنانيون وهم يتابعون مهرجان الألعاب النارية الآسِر ودخول 2023 على متن أكثر من 3 آلاف طائرة «درون» يملأهم مزيجٌ من الفخر والحسرة لِما آل إليه بلدهم الذي «رُمي» لمصيرٍ من رماد لا ينفكّ ينفض عنه وكأنه محكومٌ بعتمةٍ دائمة «يتجرّعها» كل مرة تحت مسمى… «الصمود».
    وأبتْ 2023 لبنانياً إلا أن تولد على أزيز الرصاص الذي تَطايَرَ من فوق رؤوس التحذيرات الأمنية وحظْر الاحتفالات «الطائشة» التي ارتسم معها في بعض المناطق «تانغو» سوريالي بين «نار البواريد» والمفرقعات النارية، لترسو«خريطة الأضرار» على كوارث نجا منها لبنان وبعضها خيّم شبحها على مطار رفيق الحريري الدولي الذي «هَبَط» عليه للمرة الثانية في فترة قصيرة رصاصٌ… مجهول باقي الهوية.
    وقد تسبّبت احتفالية «فوق السطوح» بإصابة طائرتين من طراز ارباص A321Neo تابعتين لشركة طيران الشرق الأوسط بالرصاص بينما كانتا متوقفتيْن في مطار بيروت، حيث «أفْلتَ» أيضاً مواطن من الموت أثناء خروجه عند منتصف الليل وكان يجرّ عربة حقائبه إذ سقط عيار ناري طائش واستقرّ في هاتفه الخلوي الذي تحوّل بمثابة… درع واقية.
    وكما في أوّل لحظات السنة الجديدة «المشتعلة» والتي عكستْ تَعَمُّق ظاهرة تفلُّت السلاح والإفلات من العقاب في بلد مزروع بالجزر الأمنية وبقوى أمر واقع خارجة عن السلطة وقرارها، فإن الساعات الأخيرة قبل «التسليم والتسلم» بين 2022 و 2023 حملتْ تكراراً لـ«كابوسٍ» كاد أن يطبع نهاية العام بواحدةٍ من أكبر المآسي البحرية في سلسلة رحلات الموت عبر «الأزرق الكبير» الذي لم تتوقّف محاولات ركوبه هرباً من الفواجع المعيشية ومطاردةً لحلمٍ لم يعُد يهمّ الساعي إليه إذا بَلَغه… حياً أو ميتاً.
    فقد حاول نحو 232 مهاجراً غير شرعي (غالبيتهم من السوريين ومعهم لبنانيون) استغلالَ تَرَكُّز «الرادارات» الأمنية على ليلة رأس السنة للانتقال إلى «وجهة الأحلام»، لكنّ عطلاً طرأ على محرك المركب قبل مغادرته المياه الإقليمية قبالة شاطئ سلعاتا، فتوجّهت دورية من القوات البحرية إلى مكان القارب وقامتْ بالتعاون مع «اليونيفيل» بإنقاذ الأشخاص الذين كانوا على متنه، لكن «شخصين غرِقا أثناء عملية الإنقاذ»، كما جاء في بيان صدر عن قيادة الجيش وتم انتشال جثتيهما قبل أن تشير تقارير إلى أن الضحيتين هما طفلة وامرأة من الجنسية السورية.
    في موازاة ذلك وعشية انتهاء استراحة الأعياد، لم تَبرز أي مؤشراتٍ إلى أن لبنان يتجه إلى تفكيك أزماته المالية «الموروثة» من 2022 وأخواتها (2022 و2021) والتي عمّقها عُقمٌ مستحكم في ملف الانتخابات الرئاسية يُخشى معه أن يطول الشغور في الكرسي الأولى الذي بدأ في 1 نوفمبر، وسط اشتداد المكاسرة الداخلية على أكثر من «جبهة» متداخلة مع «الحرب الرئاسية» الباردة أو متفرّعة منها (مثل جلسات حكومة تصريف الأعمال وآلية تسيير شؤون الناس وتوقيع المراسيم)، وعدم تبلور أي أفق خارجي من شأنه المساعدة في كسْر المأزق الذي يقف على مشارف تقديراتٍ بمرحلة أكثر قتامة يُستدل عليها «بالوقائع الدامغة» ولم تغب حتى عن «توقعات» ليلة رأس السنة رغم رهان بعض القارئين في «كف» السنة الجديدة على «عصا سحرية» تنقل لبنان إلى الانفراج.
    ومضى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في عظته أمس، بتحديد ثوابته الواضحة من الوضع اللبناني الخطير، منطلقاً هذه المرة من قضية تفجير مرفأ بيروت متهماً السياسيين بأنهم «يعرقلون مسيرة التحقيق منذ سنتين ونصف»، معتبراً «ان هذه العرقلة هي جريمة في ذاتها. ولا يجوز أن تمر من دون محاسبة كما لو كانت حادثة عابرة (…) والأهالي الذين فقدوا فلذات أكبادهم ظلما ما زالوا على الطرق يطالبون بمعرفة حقيقة مَن قتل أبناءهم ومن حقهم اللجوء إلى الأمم المتحدة من أجل تعيين لجنة دولية لتقصي الحقائق، ولمساندة التحقيق المحلي المعرقل».
    وأضاف: «نحن نرفع الصوت معهم عالياً ونطالب السياسيين الذين يعرقلون التحقيق: إرفعوا أيديكم عن القضاء ولا تعطلوا دوره، ولا تتواطؤوا في تعديل القوانين وابتداع حلول تلائم مطالبكم وأخصها تنحية المحقق العدلي قسراً ودفن التحقيق، بهدف التهرب من المسؤولية والمساءلة».
    وتابع: «ويؤلمنا ويؤسفنا أن المسؤولين السياسيين في لبنان يجهدون في تهديم السلام السياسي والأمني والإقتصادي والمعيشي والإجتماعي، فيما دول العالم تأتي وتعرض كل أنواع المساعدات لنهضة لبنان فلا تلقى آذانا صاغية ولا تجاوباً. لا يتجاوبون مع المؤتمرات ولا مع صندوق النقد الدولي، ولا مع بيانات الدول الشقيقة والصديقة، ولا مع توصيات الأمم المتحدة ولا مع دعوات قداسة البابا فرنسيس. ماذا ينتظرون لرفع المعاناة عن الشعب، ولتقرير إنقاذ لبنان؟».
    ودعا لأن «يقتنع الجميع بأن باب الحل والخروج من أزماتنا يمر عبر إنتخاب رئيس جديد للجمهورية. فأين ما بقي من سلطات؟ وأين ما بقي من صلاحيات للمؤسسات؟» مضيفاً «وزير يقاطع مجلس الوزراء يوماً ويشارك فيه يوماً آخر. وزير يمتنع عن تواقيع مراسيم تفتقر إلى التوافق في شأنها، ويوقّع في اليوم التالي غير عابئ بموقفه السابق بغض النظر عن أهمية المرسوم».
    وأكد أنه «مع رغبتنا في استمرار عمل الدولة، نرفض تمرير مراسيم لا تنسجم مع الدستور ولا تأخذ بالاعتبار الصلاحيات اللصيقة برئيس الجمهورية، ولو كان المنصب شاغراً، كما فعل بعض الوزراء»، وقال: «عبثا تحاول المؤسسات الدستورية والخبراء المحيطون بها ابتداع تفسيرات دستورية لتسيير أعمالها وتحليل صلاحياتها. والمطلوب واحد، انتخاب رئيس للدولة، وهو رئيس نزيه، شجاع، مهاب ولا يهاب، جامع المكونات الوطنية، يعيد الأمور إلى نصابها، يضع جميع الأطراف تحت كنف الدولة، ويأخذ المبادرات على الصعيدين العربي والدولي ليعيد لبنان إلى مكانته التاريخية، وليصوغ دوراً خلاقاً جديداً لهذا الوطن التاريخي».
    وشدد على «ان إنتخاب الرئيس لا يتم ببدعة الإتفاق المسبق عليه – فهذا نقيض نظامنا الديموقراطي – بل بالإقتراع المقترن بالتشاور والحوار، يوماً بعد يوم، لا مرة كل أسبوع. فيتوقف عندئذ المجلس النيابي عن تلك المسرحية الهزلية التي مارسها عشر مرات»، متمنياً «أن لا يكون هناك مَن يتقصد بتر رأس الجمهورية، وتعطيل المؤسسات ليظهر لبنان دولة فاشلة غير مؤهلة للوجود أو للبقاء كما هي، ولا بد، بالتالي، من تغييرها وبناء دولة أخرى على نسق الدويلات التي تتفشى في الشرق الأوسط، فلا تأخذ بالاعتبار الديموقراطية والتركيبة التعددية».

الراي – وسام أبوحرفوش وليندا عازار

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.
مواضيع تهمك

Comments are closed.