بعد 30 عاماً قضاها على رأس السلطة النقدية.. رياض سلامة يغادر “مصرف لبنان” المركزي بليرة منهارة واقتصاد مـمــزّق

بعد 30 عاماً قضاها على رأس السلطة النقدية، غادر حاكم “مصرف لبنان” المركزي رياض سلامة مكتبه قبل انتهاء ولايته غداً الاثنين، بليرة منهارة يقول إنه سعى جاهداً للحفاظ على استقرارها، وباقتصاد ممزّق الأشلاء بفعل صراعات سياسية وعقود من الفساد وسوء الإدارة.

سلامة يترك منصبه الذي شغله لمدة 30 عاماً يوم الاثنين، بعد أن حظي بالاهتمام بصفته ساحراً مالياً، تلطّخ إرثه بالانهيار المدمر للقطاع المصرفي اللبناني واتهامات بالفساد في الداخل وفي الخارج.

ويُنظر إلى سلامة على نطاق واسع على أنه الدعامة الأساسية للنظام المالي حتى انهياره في عام 2019، ورأى أن مكانته تنهار، إذ أدى الانهيار إلى إفقار العديد من اللبنانيين وتجميد ودائع معظم المدخرين في القطاع المصرفي المترامي الأطراف.

وشوهت صورته أكثر عندما بدأت دولة أوروبية واحدة تلو الأخرى في التحقيق فيما إذا كان قد أساء استخدام سلطاته لاختلاس ثروة من المال العام اللبناني. وهو نفى ارتكاب أي مخالفات وقال لـ”رويترز” قبل أيام من مغادرته إنه “عمل وفقاً للقانون واحترم الحقوق القانونية للآخرين” خلال فترة عمله.
في مايو/ أيار الماضي، أصدرت السلطات الفرنسية والألمانية أوامر بالقبض عليه. أعلنت نشرات الإنتربول الحمراء أنه مطلوب من كلا البلدين. ويستشهد القانون الصادر بناء على طلب فرنسا بتهم من بينها غسيل أموال منظم. يستشهد الإصدار الصادر بناء على طلب ألمانيا أيضاً بتهمة غسل الأموال.

جاء الانهيار في لبنان بعد عقود من الفساد والإنفاق الحكومي المفرط من قبل الفصائل التي تسيطر على الحكومة. ويحمّل كثير من اللبنانيين سلامة وتلك الفصائل مسؤولية الانهيار الذي أدى إلى انخفاض قيمة العملة بنسبة 98%.
ودافع سلامة عن فترة عمله في مقابلة يوم الأربعاء، وقال إنه أصبح كبش فداء للانهيار، مؤكداً أن الحكومة – وليس البنك المركزي – هي المسؤولة عن إنفاق الأموال العامة. وقال سلامة البالغ من العمر 73 عاماً لقناة “إل بي سي أي” LBCI: “سأقلب صفحة من حياتي”.

وشهدت الأشهر الأخيرة له في المنصب دعوة بعض المسؤولين له إلى الاستقالة، بينما التزم آخرون الصمت. ورداً على سؤال حول ما إذا كان السياسيون اللبنانيون قد غسلوا أيديهم منه، قال سلامة للمحطة التلفزيونية: “منذ وقت طويل”.

لقد كان سلامة بمثابة انعكاس دراماتيكي لرجل كان ينظر إليه في السابق على أنه رئيس محتمل. فبعد توليه رئاسة البنك المركزي، بنى سلامة سمعة طيبة كمسؤول مختص في النظام المالي.

وهذه الصورة تميزه عن السياسيين الحاكمين، وكثير منهم قادة مليشيات من الحرب الأهلية اللبنانية 1975-1990، على الرغم من أنه كان يتمتع بدعم رفيع المستوى منهم.
كما كان سلامة على الدوام مشاركاً منتظماً في المؤتمرات المالية الجذابة، وتمتع بجوائز مصرفية، ومارس سلطات واسعة كمحافظ.

والنظام المالي الذي أشرف عليه أتاح للكثير من اللبنانيين مستوى معيشياً يتعارض مع اقتصادهم غير المنتج. وتمتع المدخرون بأسعار فائدة عالية تمكنوا من تحويل جنيهاتهم إلى دولارات بسعر صرف ثابت حافظ عليه سلامة منذ عام 1997 حتى الانهيار، قبل أن ينهار الهيكل وتُحجز أموال المودعين في خزائن المصارف بحيث لا يمكنهم السحب منها إلا بمبالغ ضئيلة وقيود مشددة للغاية.
كانت ثقة المودعين مدعومة بسلوكه الهادئ وشعاره بأن عملتهم كانت في حالة جيدة، وكذلك لبنان الذي اجتاز الأزمة المالية العالمية في عام 2008. لكن المالية العامة بدأت تتعثر مع تباطؤ التحويلات بالدولار، مما فرض ضغوطاً متزايدة على نظام يتطلب تدفقات مستمرة من العملة الصعبة لمواصلة استمراره.

وأبقى سلامة النظام قائماً في عام 2016 من خلال سرقة الدولارات من البنوك المحلية بأسعار فائدة مرتفعة. ووصف النقاد هذا بأنه “مخطط بونزي” لأنه يعتمد على الاقتراض الجديد لسداد الديون القائمة.

ولطالما قال البنك المركزي إن العمليات كانت قانونية. في مقابلة يوم الأربعاء، فيما رفض سلامة فكرة أن “مصرف لبنان” يدير “مخطط بونزي”.
ومع نضوب الدولار، تم تجميد وصول معظم المدخرين إلى ودائعهم بالعملات الأجنبية، أو أجبروا على إجراء عمليات سحب بالعملة المحلية بأسعار الصرف التي قضت على معظم قيمتها.

في السياق، قال ناصر السعيدي، وزير الاقتصاد السابق ونائب محافظ البنك المركزي، “إنه يترك وراءه مؤسسة محطمة سيتعين إعادة هيكلتها في ظل خسائر بنحو 76 مليار دولار في مصرف لبنان”.

وقال سلامة، مدافعاً عن سجله يوم الأربعاء، إن البنك المركزي ساهم في “إرساء الاستقرار الاقتصادي والتنمية” خلال 27 عاماً من ولايته.

المحاذير

وتعكس الكتابة على الجدران التي تحمي المقر الرئيسي لمصرف لبنان غضب الكثيرين تجاه سلامة.
وتركز تحقيقات الفساد حول العمولات التي فرضها البنك المركزي على البنوك مقابل شراء الأوراق المالية الحكومية، والتي ذهبت عائداتها إلى شركة “فوري أسوشييتس” Forry Associates، وهي شركة يسيطر عليها شقيقه رجا سلامة.

وقد نفى الأخوان سلامة تحويل الأموال العامة أو غسلها ونفيا ارتكاب أي مخالفات. وقال سلامة في مقابلة الأربعاء: “لم تذهب أي أموال من البنك المركزي بشكل مباشر أو غير مباشر إلى (شركة) فوري”.
وفي إطار تحقيقها، استدعت السلطة القضائية الفرنسية شقيق سلامة رجا ومساعدة الحاكم ماريان حويك، ولم يرد محامي الحويك على طلب “رويترز” للتعليق. لكن سلامة سبق أن قال لرويترز إن محاميه قدموا طعوناً قانونية على مذكرات التوقيف في فرنسا وألمانيا.

واتُهم سلامة وشقيقه رجاء والحويك في لبنان بغسل الأموال والاختلاس والإثراء غير المشروع في فبراير/ شباط. لكن المنتقدين شككوا منذ فترة طويلة في مدى جدية متابعة القضية في لبنان، إذ يمكن للسياسيين التأثير على القضاء. فاستقلال القضاء مكرس في الدستور، ومع ذلك اشتكى حتى كبير قضاة لبنان من التداخلات العام الماضي.

(رويترز، العربي الجديد)

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.
مواضيع تهمك

Comments are closed.