خطاب نهاية العهد
خطاب رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون بمناسبة اعلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل كان الأخير له قبل نهاية ولايته في 31 الجاري، وهو جاء بعد يومين من اعلان الموافقة على الاتفاق من قبل الذين تابعوا التفاوض في لبنان وفي الكيان الإسرائيلي، لأن عون تقصد الظهور على الشاشات في 13 أكتوبر، للتذكير بمناسبة مرور 30 عاما على خروجه بالقوة من قصر بعبدا، بعد أن كان متمردا على الشرعية الجامعة التي أضفت إليها اتفاقية الطائف التي أنهت الحرب في لبنان.
يصف مراقبون خطاب الرئيس عون بأنه الأسوأ على الإطلاق، لأنه أطل في ذكرى أليمة سقط فيها ضحايا من جهة، ولأنه حمل خلفيات حزبية وشخصية واضحة من جهة ثانية، مستغلا مناسبة إعلان الاتفاق لتمرير رسائل لها أبعاد فئوية، وهو تجاهل كل الجهود التي قام بها الرئيس نبيه بري خلال 9 سنوات للوصول الى اتفاقية الإطار، التي تحمل ذات مضمون اتفاق الترسيم الذي أعلن عنه، ونسب لصهره النائب جبران باسيل الفضل في البدء بالعمل قبل الوصول الى النتيجة الحالية، كون قانون التنقيب عن النفط أقر إبان تولي باسيل لوزارة الطاقة في العام 2010، والوقائع تدحض كل هذه المعطيات، لأن عشر سنوات مضت كانت حافلة بالتعطيل في هذا الملف وفي غيره من القضايا التي تتعلق بشؤون الكهرباء والطاقة، وملف الترسيم الذي تحرك منذ سنتين، كان خاضعا للمقايضة الشخصية، لأن عون طلب من الأميركيين رفع العقوبات عن صهره جبران باسيل مقابل موافقته على اتفاق الترسيم لكنهم رفضوا، وفقا لما ذكره جهارا نائب رئيس مجلس النواب السابق ايلي الفرزلي الذي كان ينتمي الى فريق عون السياسي.
الخطاب الأخير كان نافرا ولم يحصل على أي ترحيب سياسي او شعبي، وكشف بوضوح نقاط غامضة في شخصية عون، كان البعض مازال يجهلها، او يتجاهلها، وهي إعطاء الأولوية في سياسته لتياره السياسي، ولمصلحة صهره النائب باسيل على حساب الأولويات الوطنية. وتبين من بعض عبارات الخطاب أن عون يبحث عن تسجيل نقاط في أيامه الأخيرة، تنسي اللبنانيين بعض الويلات التي ذاقوا مرارتها خلال سنوات حكمه الست.
اتفاق الترسيم فيه مصلحة للبنان، لأنه يمهد لاستخراج الثروات النفطية والغازية التي قد تساعد على انتشال البلاد من مستنقع البؤس الذي تعيشه.
ولبنان الرسمي لم يكن يملك أي ورقة ضغط في هذا السياق، لأن للعدو حساباته الخاصة التي لا تراعي أي مصلحة للبنان، وقرار الإفراج عن اتفاق الترسيم كان أسير أياد خارجية، قبل أن تساعد التطورات الدولية الأخيرة على فك أسره، والاتصالات التي حصلت بين الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون من جهة والرئيس عون من جهة ثانية، أكدت أن هناك تقاطع مصالح دولية وراء الإسراع بإنجاز الملف، وإيران لم تكن بعيدة عما جرى، وهو جاء في سياق مساعي الدول الغربية لتأمين بدائل عن الغاز الروسي لأوروبا.
ما أغفله الرئيس عون في خطابة المتلفز، أكمله النائب جبران باسيل في الاحتفال الذي أقيم بمناسبة مرور 30 عاما على هزيمة 13 أكتوبر، وهو نسب لنفسه ولفريقه انتصارات كبيرة في سياق ترسيم الحدود البحرية، لأنه أعاد للبنان ما يزيد على 800 كم2 من المياه الاقتصادية كما قال، بينما هاجم كل الآخرين بمن فيهم «ثوار 17 أكتوبر»، ملمحا الى مسؤولية رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي اللذين كانا يتوليان التفاوض اثناء ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وقبرص مطلع العام 2013.
خطاب نهاية العهد العوني كان بمنتهى الغرابة، لكنه للمرة الأولى لم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلى أي دور للمقاومة.
الانباء – ناصر زيدان
Comments are closed.