الحذاء العتيق ورجال السياسة في لبنان والمرحوم خالي – بقلم ميشال الزبيدي

القديم

بتِشْبَه خالَك” لطالما سمعت هذه العبارة عندما أتصرّف بطريقة جنونيّة، غريبة او عفويّة وغير معتادة.
هو خالي جوزيف، ذو القامة المنتصبة، الجبين العريض، إن عَبثَ تغيّرت الأجواء، إكفهرّت وساد الصمت في منزله الذي لا يغادره الا نادراً، وإن ابتسم خفّ الضّغط في المنزل وإرتاح أهله والزوّار.
كانت “كلمته كلمة“، والقرار الأخير يعود اليه، في منزله له رهبة، هي رهبة رب المنزل التي عندما فقدناها، فقدنا مجتمعاً بعاداته والوطن.
في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، كانت زيارات الأقارب من العادات الثابتة في مجتمعنا، ولأن عائلة أمّي “تحوم”، لا تبعد عن منزلنا سوى مئات الأمتار، فقد تعوّدنا على زيارة “بيت خالي“، في أمسيات الشتاء الطويلة بساعاتها.
هناك يأتي أيضا الكثير من الأقارب، وكان خالي مُغرماً بِلعب “طاولة الزهر“، وأبي كذلك، منهما تعلّمت “الشيش باش”، “الدوسا” و”الدوبارا”.
قبل “دقّ الطاولة” وخلاله وبعده، كان خالي يروي النّكات وأغلبها يستخلصه من الحياة اليومية، تلك الليلة تطلّع بي، مراهقاً كنت على مفترق حياة، سألني: “شو بدك تعمل بسّ تكبر؟

مواضيع متعلقة

كنت أتحضّر للجواب.. قبل أن يبادر ويعطيني النصيحة: “روح اشتغل بتصليح او بيع الاحذية“، طبعاً لي كانت بصدمة، لأنه من المفترض في مجتمعا ان يرتبط النجاح بثلاثة اختصاصات: الطب، الهندسة والمحاماة.
خالي اعتاد ان يشرح بعد أن يرمي الفكرة، الشرح أيضا كانت فيه صدمة، حيث طلب مني ان أنظر الى حذائه ففعلت، لأرى ثقباً أطاح بالحذاء.
هنا الشرح والعبرة “من الخال“: الإنسان يمكن “يلاقي طريقة” للتوفير، في المأكل وايضا الملبس من دون زيادة مصروف، ولكنّه مجبر على تصليح او شراء حذاء إن بالَ..
طبعاً وصلت الرسالة وإرتحت لأنني لم أكن المستهدف حينها!
تذكرّت تلك الليلة التي كان ممكناً أن تمرّ دون ذكرها اليوم بعد عقود، لكن ما حصل معي منذ أيام جعلني أعود لذكرى بقيت ورحل أبطالها.
تعوّدنا في لبنان خلال السنوات الأخيرة على الإستهلاك، إن تعطّل التلفاز، لا نصلحه إنما نشتري آخر جديد، وما ينطبق على أدوات المنزل ينطبق على السيارات وكل ما نستهلك.
اليوم نعيش “أزمة ليرة” و”كل شي غالي“.
منذ أيام، كنت أهّم لمغادرة المنزل، مشيت خطوات قليلة لأسمع “طرطقة في حذائي“.. انه الشؤم في عهد الشؤم.. الحذاء لم يعد صالحاً، ولأن شراء آخر جديد صناعة إيطالية او حتى تركيّة، يُعتبر “فاجعة اقتصادية“، في زمن الفواجع.
لذلك فكرّت بإصلاح الحذاء، وبعد إستشارات عن “إسكافي منيح”، توجّهت اليه لأرى أمام محله طابوراً من البشر، أين منه طابور المحطات والأفران.. الكلّ مثلي يريد التصليح، لعدم امكانية الشراء.. صَدَقَ خالي
انتبهوا الى أحذيتكم لأن الآتي أعظم…!
قبل الختام، وعلى ذكر الأحذية القديمة، تذكّرت رجال السياسة في لبنان.. فهم “كالحذاء العتيق” البالي، الذي يرتديه صاحبه ويرفض تغييره…
أصلحوا أحذيتكم، أما زعماءكم فغيّروهم…! لأنّه يُمكن إصلاح حذاء، أما رجل السياسة فلا يمكن إصلاحه.
ميشال الزبيدي | سيدر نيوز

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.