…ودخل يهود لبنان إلى “سفارتهم” في باريس
ليست كل أخبار لبنان سلبية. بعضها يمكن أن تكون إيجابية. القاسم المشترك بين النوعيتين، أنّها، بالمحصلة، صناعة المسؤولين اللبنانيين أنفسهم.
وهكذا، في الوقت الذي كانت فيه “السلطة العميقة”، تعطّل الحكومة، من أجل “قبع” المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار، وكان “ورم القوّة” يتسبّب ب “ميني حرب” في الطيّونة، وكان ” الاختصاصيون الوهميون” يقودون لبنان الى أكبر أزمة مع المملكة العربية السعودية وحلفائها في مجلس التعاون الخليجي، جمع سفير لبنان في باريس رامي عدوان، في “سابقة دبلوماسية” أكثر من خمسين يهودياً من أصل لبناني، في صالونات السفارة، بحضور ممثلين عن سائر العائلات الروحية التي يتشكّل منها “موزاييك” بلاد الأرز.
هذا “اللقاء العائلي” الأوّل من نوعه، لبنانياً، حدث في عيد “جميع القدّيسين”، في الأوّل من تشرين الثاني ( نوفمبر) الجاري، وشارك في جزء منه “الحاخام الأكبر في فرنسا” حاييم كورسيا.
وكان لافتاً أنّه في هذا اللقاء، حيث تجاورت في المائدة المفتوحة صحون “الكاشير” بصحون “الحلال”، الكلام الذي وجّهته سبعينية غادرت لبنان، قبل ثلاثين سنة، الى السفير عدوان: “لماذا الآن؟”
الجواب أتاها في كلمة عدوان التي غيّب عنها موضوعي الدين والسياسة، حين قال “ان الدولة اللبنانية أخلّت، في بعض الأحيان بواجباتها. وهذه الدولة هي حالياً في خطر ويجب على جميع مواطنيها الذين ينتمون الى مختلف الطوائف أن يتعاضدوا لإنقاذها”.
وضمّ اليهود اللبنانيون الذين حضروا “اللقاء العائلي” أربعة أجيال: أطفال ولدوا في الخارج، وكبار غادروا لبنان، الى فرنسا وغيرها، في ثلاث موجات هجرة متعاقبة: 1967 و1976 و1990.
وبين هؤلاء من لا يزال يزور لبنان، ويهتم بالأوقاف اليهودية فيه، ولكنّ بعضهم انقطع نهائياً عن زيارته، لا بل كان يتجنّب طلب الخدمات القنصلية أو الدبلوماسية اللبنانية، بما في ذلك تسجيل مواليدهم.
ويعود السبب في هذا الانقطاع الى شعور تولّد لدى هؤلاء بأنّ الدولة اللبنانية وممثّلياتها الدبلوماسية والقنصلية في العالم، تتعاطى معهم بأسلوب يتراوح بين “الحذر الشديد” و”النبذ الظاهر”.
وهذه هي الخلفية التي يقول السفير عدوان إنّها وقفت، في الأصل، وراء مبادرته بدعوة اللبنانيين اليهود الى السفارة، وجعلته يصرّ عليها، عندما حاولت بعض الأطراف الضغط لإلغاء “اللقاء العائلي”، بداعي أنّه يمكن ان يكون بين هؤلاء “صهاينة يدعمون دولة إسرائيل”.
ولم تستفرد هذه الفئة فقط بالاستياء من انعقاد هذا اللقاء، بل إنّ شخصيات ناشطة في الجالية اللبنانية في فرنسا، قد أبدت معارضتها، أيضاً، بداعي أنّ “عدوان ينفّذ أجندة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، وتاليا فهذا اللقاء هو خدمة لباسيل وليس للبنان”.
لكنّ عدوان ينفي ذلك نفياً قاطعاً، ويجزم بأنّ أيّ قرار يتّخذه إنّما ينبع من تمسكّه بأنّه سفير لبنان وليس جهة فيه، وبأنّ السفارة هي لجميع اللبنانيين من دون استثناء، بمن فيهم اللبنانيون الذين ينتمون الى الطائفة اليهودية.
وبغض النظر عن الاستياء هنا والمعارضة هناك، فإنّ المسألة التي يتلاقى عليها الجميع من دون استثناء، وهي نقطة القوة التي انطلق منها عدوان، أن لا أحد في لبنان أو من لبنان يمكن أن ينفي أنّ “الطائفة الإسرائيلية”، وفق تسمية أطلقها الانتداب الفرنسي، طائفة معترفاً بها لبنانياً وتتمتّع مثلها مثل الطوائف الأخرى بشخصية معنوية، وبحقوق مدنية وسياسية مكتملة، وتالياً من واجب الدولة تجاهها، تقديم ما يكفي من أدلّة على أنّ أبناءها مواطنون محفوظة كل حقوقهم في لبنان.
ويقول الباحث في الشؤون اليهودية ناجي جرجي زيدان الذي حضر “اللقاء العائلي”: هذا حدث مميّز، بالنسبة لي. ما فعله السفير عدوان عجز عن مثله جميع المسؤولين اللبنانيين. في هذا اللقاء وجدت لبنان الذي يجب أن يكون، وقد عبّر عن هذا الوطن السفير عدوان في كلمته عندما شدّد على وجوب عودة اللبنانيين اليهود الى كنف الوطن”.
ويقول لبنانيون مقيمون في فرنسا إنّ مبادرة السفير عدوان، “بغض النظر عن أهدافه السياسية إنْ وُجدت”، قد أراحتهم، لأنّهم، في يومياتهم، كانوا يخشون “سوء النيّة السياسية” إذا ما جمعتهم ظروفهم الشخصية والمهنية والطبية، بأشخاص ينتمون الى الطائفة اليهودية.
ويعتبر هؤلاء أنّ إدخال اليهود إلى السفارة اللبنانية في باريس، هو بمثابة “الإعلان الرسمي” عن تمييز لبنان للطائفة اليهودية عن الصهيونية.
وفي تسجيل لانطباعات “المحتفى بهم” فقد أظهروا سعادتهم بهذا اللقاء، وقال كبارهم الذين عاشوا، في “الفترة الذهبية” في لبنان: “رزق الله، على هيديك الإيّام، في أجمل البلدان”.
فارس خشان – النهار العربي
Comments are closed.