فضل الله: لنقف ضد الفساد الذي يعششع في مفاصل الدولة
دعا العلامة السيد علي فضل الله في أولى محاضراته القاها في المجلس العاشورائي في “قاعة الزهراء” في “مجمع الحسنين” – حارة حريك، إلى “محاربة الفساد في الواقع كما نرفضه في التاريخ”.
واستهل فضل الله محاضرته بالحديث عن “معاني الهجرة النبوية الشريفة، وكيف استطاع المسلمون من خلال وحدتهم وتكاتفهم وانفتاحهم على الأديان الأخرى ومد جسور التواصل معهم، أن يبنوا انموذجا يحتذى به وان يفتحوا قلوب الآخرين، وراح الناس بعده يدخلون فيه، وأن يرجع النبي لمكة بعد إخراجه منها في مدى 8 سنوات وتدخل الناس بعدها في دين الله أفواجا”، مشيرا إلى عاشوراء كـ”موسم للوعي والتعبير عن العاطفة”، مشددا على “أن نعمل للأهداف التي سعى إليها ولأجلها الحسين”، متطرقا إلى “هدف الإصلاح ومواجهة الفساد”.
وقال: “أمام كل ذلك تحرك الإمام الحسين من موقع إمامته ومسؤوليته عن تغيير الواقع الفاسد، وأعلن للناس جميعا أن الساكت عن هذا الفساد حتى لو لم يستفد منه هو شريك في النتائج على مستوى الدنيا وهو سيحاسب على كونه شريكا عندما يقف بين يدي الله عندما قال في بيانه الأول في كربلاء “أيها الناس، إن رسول الله قال: من رأى منكم سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله، ناكثا بعهده، مخالفا لسنة رسول الله، يعمل في عباده بالإثم والعدوان، فلم يغر (وفي رواية فلم يغير ما) عليه بقول ولا بفعل، كان حقا على الله أن يدخله مدخله”.
ورأى أن الحسين “كان واضحا أنه يريد للأمة أن تخرج عن صمتها لتمنع منطق الفساد من أن يصبح أمرا واقعا، ولهذا من يلتزمون الحسين ويحيون مجالسه ويرونه إماما لهم لا يمكن أن يكونوا على الحياد، أو أن لا يكونوا مبالين بالفساد عندما يتحرك في ساحتهم أو عندما يظلم الناس في مصالحهم، فلا بد لهم أن يعبروا عن رفضهم له بالكلمة أو بالموقف أو بكل ما يستطيعون وإن اقتضى الأمر أن يبذلوا الدماء لمواجهة الفساد”، وقال: “إن من يلتزم إماما غيورا على الحق والعدل وعلى أموال الناس ومقدراتهم، لا يمكن إلا أن يكون غيورا على هذه الحقوق، وإلا كيف يعتبره إماما وقائدا، فمن يذرف الدموع على الحسين، لا بد أن يعمل من أجل إصلاح الواقع ومحاربة الفساد والذي لأجله كانت كل هذه التضحيات. لهذا عندما تأتي مناسبة عاشوراء، لا بد أن نجري حسابا مع أنفسنا، أين نحن من منطق الإصلاح؟ وهل أصبح واقعنا بوجودنا أكثر صلاحا وأقل فسادا، أم أصبح العكس؟ وهل أصبحنا أكثر عملا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ أم نسكت عندما يكون ذلك لحساب مصالحنا أو عصبياتنا أو عواطفنا؟”.
أضاف: “ونحن أيها الأحبة عندما نتحدث عن الفساد لا نقف عند فساد الحاكم وإن كان فساده أبرز مظاهر الفساد، ولأن فساد العامة من فساد الحاكم، بل نتحدث عن فساد الموظف عندما يرتشي وعن فساد التاجر عندما يحتكر ويغش وعن فساد المسؤول عندما يستغل الموقع لحسابه وفساد عالم الدين عندما يسخر الدين لحسابه. لذلك نحن مدعوون في هذه السنة أن نعبر عن ولائنا للحسين ولكل الدماء الزاكيات في كربلاء، لذلك كان شعارنا هذه السنة عاشوراء ثورة على الفساد لنواجه به الفساد الذي استشرى والذي ارهق واقعنا وبدد ثرواتنا، ولنبدأ فيه بأنفسنا بان ننزع منها أي فساد دخل إليها وبعد ذلك ندخل في كل مفاصل حياتنا لنعالجه، وإن لم نستطع فلنواجه بالكلمة أو الموقف وبذلك نخلص لعاشوراء ونثأر من الذين وقفوا في وجه الحسين وأصحابه وأهل بيته”.
وتابع: “لنقف ضد الفساد الذي يعششع في مفاصل الدولة عندنا، فلا يكفي أن نرفض الفساد في التاريخ، بل أن نرفض الفساد والفاسدين في الحاضر، فلا يكفي أن نذرف الدموع على الحسين أو نقيم المجالس على اسمه فحسب، فيما نحن نجامل الفاسدين أو نرفعهم على الأكتف لانهم من طائفتنا أو مذهبنا”، معتبرا أن “مواجهة الفساد لا تتم إلا من خلال توحد كل جهود المصلحين والعاملين في هذا المجال، والا يسمحوا للفتنة أن تحدث بينهم”، محذرا من “المواقف والكلمات وردود الفعل التي تؤدي إلى توتير الساحة الداخلية أو خلق التشنجات التي تأخذ ابعادا طائفية ومذهبية وسياسية، في وقت البلد احوج ما يكون إلى الكلمات الطيبة التي تقرب القلوب والعقول لا التي تباعد بينها”.
Comments are closed.