خفايا أزمتَي التكليف والتأليف… اضطراب سياسي فوق برميل بارود

تدافعتْ الأسئلةُ في بيروت عشية أسبوعِ ما بعد الاندفاعة الأكبر «إلى الوراء» التي شكّلها اعتذار الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري (يوم الخميس الماضي) والذي دَخَلَتْ معه البلاد مستوى يُخشى أن يكون الأعتى من الاضطرابِ السياسي الذي بدا وكأنه يجري فوق برميل من «المواد الشديدة الاشتعال» مالياً ومعيشياً تُنْذِر بأن تحوّل لبنان «صندوقة فوضى» قابلة للاستخدام في كل الاتجاهات الداخلية والاقليمية.
وبمعزل عما إذا كان مسار تكليف رئيس جديد للحكومة

سينطلق «شكلياً» اليوم عبر تحديد رئيس الجمهورية ميشال عون موعداً للاستشارات النيابية المُلْزمة على أن تكون بعد عطلة عيد الأضحى المبارك أو أنه قد يستبق ذلك بالدعوة الى مشاورات مع رؤساء الكتل لجس نبضها حيال الخطوة التالية، فإن أوساطاً واسعة الاطلاع لم تُبْدِ تفاؤلاً بإزاء المرحلة المقبلة التي تبدو محكومة بأزمتيْن إما تتلازمان فتمنعان جعل واحدة تتقدّم على الأخرى وإما يجري فصل مسارهما ولكن نتيجتهما واحدة وهي ألا حكومة في المدى المنظور.

الأزمة الأولى هي التكليف الذي يصطدم بخيار الحريري ورؤساء الحكومة السابقين بـ «نفْض اليد» من أي تسمية لشخصية بديلة وترْك فريق عون وحلفائه يتحمّلون بالكامل المسؤولية عما وصل إليه تكليف زعيم «تيار المستقبل» كما عن مسار ما بعد الاعتذار أياً كانت مآلاته.
والأزمة الثانية هي التأليف، بحيث أن مغامرةَ الائتلاف الحاكم بتسمية شخصية من دون غطاء صريح من المكوّن الذي تمثله ولو لم تكن مستفزة له ولا للمجتمع الدولي، لن يبدّل حرفاً في التوازن السلبي الذي أنتج الطريق المسدود الذي كسره الحريري باعتذاره.
ذلك أن أي رئيس مكلف جديد لا يمكن أن يكون إلا «حريري 2» في ما خص الالتزام بالسقف الذي وضعه الأخير، وتحت عباءة دار الفتوى، على قاعدة رفْض أي انتقاصٍ من دور وصلاحيات رئيس الحكومة في التشكيل أو التسليم بآلياتٍ للتأليف تشكل امتداد لـ «التعديلات الجينية» التي يتم إدخالها منذ أعوام على نظام الطائف، ولا بمعايير تجعل الحكومة «فاقدة للأهلية» تجاه المجتمع الدولي.
وفي المقابل فإن رئيس الجمهورية وفريقه لن يكونا في وارد التراجع عما راكماه على مدى 11 شهراً ونيف من عمر الأزمة الحكومية من إدارة التشكيل وفق تفسيرات دستورية، يعتبرها خصومهما أبعد من مجرّد إحراجٍ للحريري لإخراجه، بمقدار ما أنها تعكس حساباتٍ عميقة تحكم تعاطيهما مع الملف الحكومي الذي تتداخل فيه استحقاقات الانتخابات النيابية والرئاسية (2022)، إلى جانب المقتضيات الاقليمية التي تبقى العامل الخفيّ الأقوى في تحديد مسار ومصير الملف الحكومي والتي يراعيها «حزب الله» الذي «يهنْدس» خياراته وفق ثابتتيْن: الأولى عدم افتعال فتنة سنية – شيعية والثانية تفادي أي مشكلة شيعية – شيعية، وهو ما يفسّر تظهير دفْع الحريري للاعتذار على أنه تم بـ «ضربةٍ» من فريق عون للرئيس المكلف كما لمبادرة رئيس البرلمان نبيه بري، فيما الاقتناع راسخ بأن الحزب شكل قوة دفْعٍ من الخلف لهذه «النهاية» إما لمصلحةٍ بأن لا يمضي الحريري الذي بات محور الإحاطة العربية – الدولية بالواقع اللبناني انطلاقاً من ملف الحكومة وما بعده (الانتخابات النيابية)، وإما لأن هذه الخاتمة لا تزعجه ولكنها تخدم بالتأكيد حليفه (فريق عون).
وبأي حال، لم يكن عابراً معاودة فريق عون تظهير ثوابت الحكومة الجديدة، في ما بدا قفزاً من باب الربط بين التكليف والتأليف فوق موضوع الاستشارات النيابية وموعدها، وفق ما عبّرت عنه قناة «او تي في» (تابعة للتيار الوطني الحر) التي اعتبرتْ أنه لتفادي حكومة تتعايش مع الأزمة، أي تستنسخ تجربة حكومة تصريف الأعمال الحالية، ولبلوغ حكومةٍ «تطلق مسار الخروج من الأزمة عبر تحقيق الاصلاحات المعروفة، وهذا ما يأمل فيه جميع الناس، فالوصفة جاهزة: دستور وميثاق ووحدة معايير لناحية التشكيل، وكفاءة ونظافة كف ومشروع محدد لناحية العمل والانجاز»، مع تلميح برسْم الحريري ضمناً بأنه إذا «استعيد نهج التعطيل والتحريض، فعندها لكل حادث حديث».
وإذا كانت هذه الوقائع تعني أن الملف الحكومي، تكليفاً وتأليفاً، سـ «يرث» هذه المرة أثقال مرحلة تكليف الحريري وقبْلها السفير مصطفى أديب، مع كل أبعادها السياسية والدستورية والطائفية التي تحوّلت أشبه بـ «حقل ألغام»، فإن الأوساط عيْنها تعتبر أن حتى محاولات جعْل اعتذار زعيم «تيار المستقبل» مدخلاً لـ «تفاهم السلة الواحدة» الذي يرتكز على ضماناتٍ بتأليف حكومة انتخاباتٍ «تجري حتماً» بمواعيدها، بما قد يجعل الحريري يساعد في إطلاق مسارها بدءاً من التكليف، دونه تعقيدات أبرزها:

  • أن مثل هذه الحكومة لا تتشكّل إلا قبل 4 او 5 أشهر من موعد الانتخابات (مبدئياً هي في مايو 2022).
  • أن شروطها الداخلية غير متوافرة في ظل عدم وضوح الرؤية حيال موقف «حزب الله» خصوصاً من انتخاباتٍ صارت محط ضغط «عالمي» لإجرائها تحت عناوين تصبّ عند تقويض نفوذه بطريقة أو بأخرى.
  • وأن كل الضغوط الدولية التي سبقت انسحاب زعيم «المستقبل» من التكليف بدت أقرب إلى «ضَربة سيف في الماء» ما يجعل الرهان على العامل الخارجي في الدفْع نحو مثل هذا الخيار وترجمته من خارج تفاهمات لا يمكن تصوّرها من دون أن تكون إيران شريكاً فيها أقرب إلى… أوهام.
    لبنان يواجه «انقلاباً جارفاً على الدستور والمؤسسات»
    الراعي: لتتكاتف القوى السياسية وتتشاور وتسمّ شخصية سنية على مستوى التحديات
    | بيروت – «الراي» |
    طالب البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، «القوى السياسية كافة بأن تتكاتف بِحُكْم المسؤولية الوطنية، وتتشاور في ما بينها، وتسمي في الاستشارات النيابية المقبلة شخصية سنية لرئاسة مجلس الوزراء الجديد، تكون على مستوى التحديات الراهنة، وتتعاون للاسراع في التأليف»، مؤكداً «أنه وقت تحمل المسؤوليات لا وقت الانكفاء».
    وقال الراعي في عظة الأحد: «البلاد لا تواجه أزمة حكومية عادية، بل أزمة وطنية شاملة تستدعي تضافر الجهود من الجميع، وتواجه انقلاباً جارفاً على النظام والدستور والمؤسسات الشرعية، وتفككاً للقوى الوطنية التي من شأنها إيجاد واقع سياسي جديد يعيد التوازن ويلتقي مع مساعي الدول الصديقة.
    وينبغي بحكم المسؤولية الوطنية تجاوز الأنانيات والمصالح والحسابات الانتخابية الضيقة التي تسيطر بكل أسف على عقول غالبية القوى السياسية، على حساب المصلحة الوطنية العليا».
    وسأل «كيف تسير الدولة من دون السلطة الإجرائية؟ فبها منوط إجراء الإصلاحات في البنى والقطاعات التي هي شرط للدعم الدولي المالي من أجل قيام الدولة وإنقاذها من حال الانهيار (…) ومنوط بها دعم المحقق العدلي في شأن انفجار مرفأ بيروت، وحل إشكالية رفع الحصانة عن الوزراء والنواب والعسكريين المعنيين، فالحصانة تتبخر أمام ثمن الضحايا والأحزان والجرحى والدمار.
    مَن غير الحكومة يأمر وينفذ التدقيق الجنائي الشامل في مصرف لبنان وكل وزارة من الوزارات وكل صناديق المجالس وأجهزة الرقابة؟ ومَن غير الحكومة يضبط ويضع حدا للتهريب والهدر وسرقات المال العام؟ ومن غير الحكومة ينهض بالاقتصاد في كل قطاعاته»؟
    وأضاف الراعي، «إن ما جرى ويجري من إهمال وانتفاء للحوار والتعاون، يعزز فكرة عقد مؤتمر دولي خاص بلبنان لإخراج لبنان واللبنانيين من ضيقتهم المتعددة الأوجه.
    فالجماعة السياسية تعطي كل يوم الدليل بعد الدليل على عجزها عن القيام بأبسط واجباتها تجاه الشعب والوطن، وعلى فشلها في الحفاظ على مؤسسات الدولة واستقلالية الشرعية الوطنية.
    هذه الجماعة عاجزة عن حل للمسائل اليومية البسيطة كالنفايات والكهرباء والغذاء والدواء والمحروقات، وعاجزة عن مكافحة الفساد، وتسهيل عمل القضاء، وضبط ممارسة الوزارات والإدارات، وإغلاق معابر التهريب والهدر، وعاجزة عن تحصين نفسها بتأليف حكومة، وعاجزة عن معالجة القضايا المصيرية كإجراء إصلاحات وترسيم حدود وحسم خيارات الدولة، واعتماد الحياد».
    وفي قداس عيد مار شربل، قال البطريرك الماروني: «من أجل استعادة هوية لبنان نناضل مع ذوي الولاء المخلص لهذا الوطن ومن أجل حماية رسالته الخاصة في هذا المشرق وفي العالم، نناضل من أجل حياده، فرسالتنا أن نجْمع لا أن نفرّق، أن نعْدل لا أن نغْبن، أن نحاور لا أن نقهر، ان نعتدل لا أن نتطرف.
    رسالتنا أن نرسي قواعد الوحدة الوطنية على أسس التعددية ومن دون انحياز إلى مكوّن لبناني ضد مكون لبناني آخر إلا من أجل الصلح والوئام.
    رسالتنا أن نكون القدوة في احترام الدستور والاستحقاقات الدستورية ومؤسسات الدولة.
    رسالتنا أن نتفاهم مع شركائنا في الوطن ونصمد تجاه الغريب، وندافع عن الحرية والكرامة، ونبقى ثابتين من دون عناد، وأقوياء من دون استقواء».
    وأضاف «رسالتنا أن نكون دائماً جبهة السيادة والاستقلال والعزة الوطنية التي أنتهجها أو يجب أن ينتهجها مَن أراد حمل لواء هذا الشعب المناضل والمتجذر في الأرض والتاريخ والإيمان».
    https://www.alraimedia.com/article/1545700/خارجيات/لبنان-اضطراب-سياسي-فوق-برميل-بارود

الراي – وسام ابو حرفوش وليندا عازار

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.