ورقة تأسيسية للمنتدى الاقتصادي الاجتماعي تتضمن أولويات لإنقاذ الاقتصاد اللبناني في المرحلة العاجلة والمتوسطة والطويلة

أعد “المنتدى الاقتصادي الاجتماعي” ورقة تأسيسية، تتضمن أولويات لإنقاذ الاقتصاد اللبناني في المرحلة العاجلة والمتوسطة والطويلة، ساهم فيها أعضاء المنتدى المختصييين في الشأن الاقتصادي المالي.
وتضمنت الورقة مقاربة حول أسباب الأزمة البنيوية التي يواجهها لبنان والأزمة المالية الخانقة الناتجة “عن بنية ذلك النظام الطائفي سياسيا واقتصاديا وماليا وعن الفساد المستشري في كل من الإدارة والمصارف ومصرف لبنان”، معتبرة ان “تراكم الأخطاء المتعمدة والمدعومة دوليا وعربيا في الخيارات والسياسات والالتواءات بين القطاعات الاقتصادية من جهة، وبين المناطق من جهة أخرى، إضافة إلى الخلل البنيوي في العلاقات الخارجية حيث أصبح اقتصاد لبنان تابعا للقرار الخارجي، فكل ذلك أدى إلى تنامي الفقر والفجوات بين مكونات المجتمع اللبناني والانهيار القائم.إضافة إلى كل ذلك فلبنان محاصر اقتصاديا وماليا من قبل دول ادعت أنها صديقة للبنان لكنها غير راضية عن تنامي دور المقاومة وحلفائها في الحياة السياسية فأخذت تمارس شتى أنواع الضغوط لتأليب الرأي العام وإن كان ذلك على حساب الاستقرار الأمني والاجتماعي المتدهور أصلا بسبب الخيارات والسياسات المذكورة التي كانت من وحي تلك الدول”.

ولفتت الورقة الى “إن الأزمة التي تعصف بلبنان حاليا ليست أزمة عرضية عابرة، وإنما هي أزمة بنيوية عميقة، تعود في نهاية المطاف الى سبب أساسي هو النموذج الاقتصادي الريعي الظالم الذي أدت إليه الخيارات والسياسات التي أخذت بها المنظومة السياسية المالية التي أمسكت بزمام السلطة. وبالتالي، فإنه لا يمكن الخروج من هذه الأزمة إلا بالخروج من النموذج الذي أدى إليها والتحول الى نموذج جديد، يضع لبنان على سكة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة والمستدامة.وذلك من خلال الاستخدام الأمثل لموارد لبنان البشرية والطبيعية والمالية وإطلاق نمو اقتصادي يرتكز الى بنية انتاجية محلية أكثر متانة واقل تعرضا للصدمات الخارجية، وأكثر قدرة على المنافسة في الأسواق المحلية والخارجية، وقادرة في الوقت نفسه على توفير فرص عمل كافية ومجزية لأفواج القادمين الجدد إلى سوق العمل، بالإضافة الى تأمين مستوى معيشي لائق لجميع اللبنانيين مع اليات لإعادة توزيع عادل للدخل والثروة على المستوى الوطن”.

ولفتت الورقة الى ان “أي مقاربة لتغيير اقتصادي تستند إلى رؤية سياسية. فإعادة هيكلة الاقتصاد اللبناني المطلوبة تعكس توجها سياسيا لا يمكن إغفاله. كما أن العلاقة بين السياسي والاقتصادي علاقة عضوية. فالاقتصاد السياسي هو اقتصاد المجتمع ليس إلا”، مشددة على “تغيير جاد وجذري وليس الترقيع أو إعادة تأهيل ما لا يمكن وحتى لا يجب تأهيله”، مؤكدة وجوب “التخلص من نظام الليبرالية المتفلتة الانتقائية الذي وضع أجهزة الدولة وسياساتها في خدمة المصالح الخاصة الاحتكارية كالكرتيلات على سبيل المثال وترك القطاع الخاص يعمل دون حسيب أو رقيب.

لذلك ما يقتضي هو:
1-الأخذ بمبدأ التخطيط على المستويين الوطني والمناطقي، بما يؤمن التكامل والتنسيق بين نشاطات كل من القطاع العام والقطاع الخاص، ويجعلها تصب في خدمة الأهداف الاستراتيجية للنموذج العتيد، وذلك وفقا لخطة اقتصادية اجتماعية قطاعية ومناطقية متفق عليها بين أربع فرقاء: الدولة وممثلي القوى العاملة وممثلي ارباب العمل وممثلي الحرفيين والمزارعين.

2 – أخذ الدولة على عاتقها تقديم الخدمات الصحية والتعليمية والتأمينات الاجتماعية لعموم المواطنين بالإضافة الى تأمين البنى التحتية والمرافق العامة.
3 – قيام الدولة بدور الموجه والمحفز والمنظم لنشاط القطاع الخاص في مجال الإنتاج والحلول محله عندما تدعو الحاجة”.

وفي السياسة، رأت الورقة “ان التغيير الاقتصادي الاجتماعي المنشود بأبعاده المختلفة لا يمكن ان يأخذ مجراه العملي في ظل النظام السياسي الطائفي التحاصصي الراعي للنموذج الذي نشهد احتضاره. ما يجعل هذا التغيير ممكنا يتطلب العبور الى دولة المواطنة المدنية. لذلك فإن التغيير الاقتصادي المطلوب والخطة المرحلية لإنقاذ لبنان تتلازم مع تغيير سياسي مدخله قانون انتخاب جديد على قاعدة النسبية والدائرة الواحدة أو المكبرة، وتغيير قضائي يؤكد استقلالية القضاء من التدخل السياسي، ومراجعة إدارية تعيد الاعتبار إلى الإدارة العامة عبر إعادة هيكلتها وفقا لمتطلبات المرحلة من كفاءات واختصاصات وترشيق حجم الإدارة وترشيد نفقاتها، وإصلاح تشريعي يهدف إلى تحديث التشريعات المطلوبة لمواكبة عملية التغيير الاقتصادي والاجتماعي. كما نعتبر أن إعادة الاعتبار للتخطيط ضرورة لتحديد الأولويات وتوزيع الموارد وفقا لخطة اقتصادية اجتماعية قطاعية ومناطقية متفق عليها”.

أضافات الورقة:” من الضروري إعادة بناء الاقتصاد اللبناني على قواعد جديدة خاصة أن جدوى الإصلاح بحد ذاته أصبحت غير مجدية إن لم تكن مستعصية. التغيير وليس الإصلاح هو المطلوب لصون استقلال لبنان السياسي والاقتصادي والثقافي وعلى قاعدة اقتصاد منتج وعدالة اجتماعية في آن واحد. لكن مقتضيات التغيير تسبقها مقتضيات الخروج من الانهيار ولن تلغيها فهي متلازمة ومتزامنة”.

ومن خلال المناقشات المعمقة تم التوافق على بلورة رؤية اقتصادية اجتماعية تحدد الأولويات في المدى القريب والمتوسط والبعيد، ولها ستة أهداف :

-الهدف الأول هو الخروج من الأزمة المعيشية الكارثية التي سببتها أزمة مالية خانقة ومفتعلة التي لها أهداف سياسية على الصعيدين اللبناني والإقليمي.

-أما الهدف الثاني فهو الخروج أيضا من المستنقع الذي يحيط بالنشاط الاقتصادي اللبناني والمضي في إعادة الاعتبار إلى الاقتصاد العيني الإنتاجي عبر دعم كافة القطاعات الإنتاجية التي أهملت منذ البدء بالعمل باتفاقية الطائف.

– الهدف الثالث هو إعادة التنمية في مختلف المناطق التي أهملت بسبب سياسات الحكومات المتتالية في حقبة جمهورية الطائف بما فيها مناطق الشمال والبقاع التي تجاهلتها النخب الحاكمة خلال العقود الثلاثة الماضية.

– الهدف الرابع هو تقليص هجرة الطاقات المنتجة من عقول ومهارات وإيجاد فرص للإبداع والإنتاج.

– الهدف الخامس هو مقاربة الفوارق الاجتماعية التي أوجدتها سياسات الريع والمحسوبية وإهمال الطبقات الوسطى والفقيرة. فلا نهوض اقتصاديا مع اهمال الواقع الاجتماعي بين مكونات الشعب في لبنان.

– الهدف السادس هو تخفيف الانكشاف الاقتصادي تجاه الخارج وخاصة التبعية للغرب وفتح آفاق جديدة مع دول الجوار العربي وثم الإقليمي أي الجمهورية الإسلامية في إيران وتركيا، وشرق آسيا عبر الالتحاق بالكتلة الاقتصادية الاوراسية المتجسدة في طريق الحرير الجديدة”.

أضافت الورقة :الخطة المقترحة هي مجرد خارطة طريق قابلة للتطوير وفقا للمستجدات المقبلة.
Iوتم ترتيب الأولويات وفقا للفترة الزمنية الضاغطة على لبنان ضمن فترة تتراوح بين 3 أشهر إلى سنتين، ومنها:
توفير شبكة امن اجتماعي للفئات المتضررة من فقدان الدعم وفقدان العمل وتدهور سعر الصرف، استقرار سعر الصرف لليرة اللبنانية (خلال 3 أشهر)، العمل على لتدقيق الجنائي في وزارة المالية ومصرف لبنان وعزل حاكم مصرف لبنان ومجلسه المركزي فورا وإحالة الحاكم إلى القضاء،
وعدم التعامل بالدولار في المبادلات الداخلية من دون استثناء كما هو مطلوب قانونيا وتجريمه إذا لم يلتزم اللبنانيون بهذا القرار،التسعير للسلع والخدمات يجب أن يكون بالليرة اللبنانية ولا داعي ولا مبرر لحمل الدولار. هذا يخفف من الطلب للدولار النقدي، اللجوء إلى استيراد بعض المواد الأساسية من دول شقيقة وصديقة تقبل أن يكون الدفع بالليرة اللبنانية مع فترات تسامح تريح الخزينة اللبنانية خاصة والاقتصاد اللبناني عامة، تخفيف الاستيراد قدر الإمكان وقد حصل ذلك فعلا بسبب جائحة الكورونا وشح الدولار.لكن في مرحلة إعادة بناء الاقتصاد اللبناني يجب أن تكون سياسة الاستيراد مرتبطة بحاجات الاقتصاد اللبناني قبل الاقبال على الكماليات التي يريدها المواطن.

كذلك إيقاف لفترة سنتين عمل الصيرفيين كي لا يكون إمكانية للتداول بالعملات الاجنبية. فالحصول على النقد الأجنبي وخاصة الدولار يجب أن يكون عبر المصارف ولأغراض مشروعة كالسفر والتجارة والاستثمار، وضبط إيقاع التحويل الى الخارج وفقا لمعايير تتفق مع السياسة النقدية والمالية التي يجب وضعها لتوفير الاستقرار في سعر الصرف”.

ورأت الورقة ان “إعادة هيكلة الدين العام تساهم في تحقيق الاستقرار لسعر الصرف وإن لم تكن هناك علاقة عضوية بين المسألتين بل هي علاقة عن “انطباع” حول مصداقية السياسات الاقتصادية بشكل عام والمالية والنقدية بشكل خاص. والقاعدة التي يجب ان تحكم مفهوم إعادة هيكلة القطاع المصرفي هو الخروج عن الدور الوظيفي التاريخي للقطاع المصرفي في لبنان منذ ما قبل نشأة الكيان وخاصة فيما بعد في حقبة الطائف. فالمطلوب هو تغيير دور القطاع المصرفي من قطاع اقتصادي يبغي الربح فقط إلى قاعدة المنفعة العامة (public utility) أسوة بقطاعات الكهرباء والمياه والاتصالات والتربية والاستشفاء والمطار والمرفأ وسائر المرافق الاقتصادية العامة. والقطاع المصرفي يجب أن يكون في خدمة الاقتصاد الوطني أولا وليس في خدمة المساهمين كأولوية. لذلك نرى من الضروري إعادة النظر في عدد المصارف وملكيتها لتصبح خادمة للمصلحة العامة ولسياسات التنمية التي تتبعها الدولة. وتجربة “القرض الحسن” التي أوجدها حزب الله، وأيضا عدد من مؤسسات الاقتراض للمنشآت الصغيرة الأخرى في عدة مناطق كالتعاونية اللبنانية للإنماء وجمعية التضامن المهني وصندوق كاريتاس وغيرها، فجميعها تجارب جديرة بالدرس كنموذج آخر ومختلف للعمل المصرفي الذي يخدم المجتمع ويحافظ على الأموال المؤتمن عليها”.

وشددت على وجوب تنشيط ودعم القطاعات الإنتاجية والحماية من الإغراق التجاري (dumping) (من سنة إلى سنتين)، الدعم يكون من خطوط تمويلية على المدى المتوسط والطويل بفوائد مخفضة لنشاطات تعتبرها الخطة الاقتصادية من أولوياتها (selective credit facilities)، وإنشاء هيئة تخطيط مركزي (6-خلال أشهر/سنة) تدليلي قائمة على رباعية الدولة والاجراء والمزارعين والحرفيين وارباب العمل، واعداد الخطة المركزية لفترة ثلاث سنوات للإجراءات السريعة ثم لفترة خمس سنوات لإعادة تأهيل البنى التحتية والتربية واستيعاب البطالة وتنفيذ الاعداد خلال فترة لا تتجاوز السنة، والمباشرة بتشجيع القطاعات الإنتاجية في الزراعة والصناعة والسياحة والخدمات ذات القيمة المضافة وليست الريعية، واعادة تأهيل البنى التحتية من طرقات، شبكات مياه، نفايات إلخ، تأهيل وتحديث سكة الحديد، اضافة الى اقتراحات أخرى عديدة.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.