الأزمة اللبنانية في ضوء التطورات القضائية الأخيرة

تجاوزت الأزمة اللبنانية كل الحدود التي كانت تحصنها من الانفلات، وبات الوضع كارثيا بكل ما للكلمة من معنى، والتسيب السياسي والقضائي والإداري والمالي يترافق مع صعوبات معيشية خانقة لا يمكن التكهن بنتائجها، خصوصا أن مصرف لبنان أعلن عدم قدرته على الاستمرار في تغطية قيمة استيراد المواد المدعومة والتي تتجاوز 7 مليارات دولار في العام، علما أن التجار والمهربين يستفيدون من هذه المبالغ أكثر من المواطنين.

وقد أضرت هذه الفوضى بمالية الدولة، واستهتار أصحاب الحل والربط أساء للبنان ولسمعة صادرته، لأن الفلتان الحدودي وصل إلى حد استخدام لبنان كمنصة لتهريب الممنوعات والمخدرات إلى الدول الشقيقة والصديقة التي تعتبر الرئة الوحيدة الباقية كمتنفس للمنتوجات اللبنانية.

تصريحات المتحكمين بزمام الأمور لا تعكس واقع الحال، لأن هؤلاء متهمون بالوقوف وراء الانهيار ويحاضرون بالعفة ويتحدثون عن مكافحة الفساد في ذات الوقت، وكبار المسؤولين، يستغلون عدم وجود حكومة ليمارسوا سياسة تشف وكيدية، يربكون من خلالها أجهزة الدولة الأمنية والقضائية والإدارية والمالية، بينما يمارس البعض الآخر منهم مكابرة غريبة، تشبه مكابرة المتوكلين على «محافل عالمية» ولا يدرون ماذا يفعلون، وبعض المرجعيات الأخرى جاءتهم فرصة بالولوج إلى صفقة قرن جديدة في عهد الرئيس الأميركي جو بايدن قد تكون لصالح محور الممانعة بالكامل، وقاعدتها إلغاء استقلال دول الهلال العربي الخصيب، وفتح المعابر والحدود أمام طموحات إمبراطورية متجددة.

أساتذة جامعيون درسوا القضاة الحاليين، يقولون: ان توقيف التشكيلات القضائية التي أقرها مجلس القضاء الأعلى بالإجماع ولمرتين متتاليتين منذ 3 سنوات، وخلافا للقانون، هو السبب الرئيس للأزمة القضائية الحاصلة، خصوصا أن الرأي العام يعرف أن توقيف هذه التشكيلات كان بسبب حفظ مكان ومكانة القاضية غادة عون، وما قامت به القاضية عون منذ فترة، كان مثار تعليقات لم تحصل بتاريخ القضاء، وهي دخلت في البازار السياسي علنا، والحيثيات الشكلية مهمة جدا في القضاء، فهي التي كفت يد القاضي صقر عن التحقيق في ملف جريمة انفجار المرفأ مثلا، ومن الطبيعي أن تحصل ذات النتيجة مع القاضية عون، ومخالفاتها الشكلية كانت كبيرة وشاهدها الرأي العام، وأدانها مجلس القضاء الأعلى بالإجماع وهذا المجلس هو الذي طلب من الرئيس غسان عويدات كف يدها عن بعض الملفات التي أثارت جدالا، لأن هذه الإثارة كافية وحدها بأن تطعن بمصداقية القاضي، بصرف النظر عن نواياه أو مقاصده، فكيف إذا كانت تجربة عون بالذات محل تشكيك، لاسيما منها طريقة إنهاء ملف بواخر النفط المغشوش وملف الإدارة العامة للسير والمركبات، حيث الذين أوقفوا في السجن وخرجوا بأمر منها، تمت ترقيتهم إلى مهام أوسع.

وفي ملف «شركة مكتف» خسرت القاضية عون المعركة بالشكل، خصوصا عندما ارتضت أن تخرج بحماية مجموعة محازبين يكنون عداء لصاحب الشركة وصحيفته المعارضة للعهد، وبمواكبة سياسية وإعلامية، وعون مارست أعمال من مهام الضابطة العدلية التي التزمت القانون في عدم تكسير أبواب الشركة بناء على طلب عون التي لم تعد صاحبة صلاحية، علما أن صاحب الشركة أكد أنه تحت سقف القانون، وبدت القاضية في هذا المشهد كأنها تبحث عن اسطورة في حدث عادي، ولتقول للبنانيين المنكوبين: انها تعمل هي وفريقها السياسي على استرداد ودائعهم المالية الضائعة، بينما يعرف الرأي العام أن الودائع ليست مع شركة مكتف، بل في البنوك.

والبنوك وظفت غالبية أموالها في سندات الخزينة الحكومية، والحكومة صرفت منها 48 مليار دولار على الكهرباء المتعثرة، ثم أعلنت في مارس 2020 التوقف عن تسديد ديونها لهذه المصارف التي بدورها امتنعت عن تأمين حقوق المودعين، وهذا هو السبب الرئيسي الذي أدى إلى انهيار العملة الوطنية، إضافة إلى الأسباب التي تتعلق بفساد أصحاب القرار في الدولة وبسياسة عزل لبنان عن أشقائه وأصدقائه الذي كانوا يساعدونه باستمرار، التمرد على الانتظام العام أخطر حلقات اندثار الدولة، فكيف إذا جاء من القضاة المؤتمنين على تطبيق القانون؟
خصوصية لبنان التي قضى في سبيلها فخر الدين، وجاهد من أجلها البطريرك الحويك، ودافع عنها عبدالناصر وصائب سلام وموسى الصدر وكمال جنبلاط وفؤاد شهاب، في خطر شديد جراء تحكم هواة بقراره، وهم يحقدون على اتفاق الطائف وربما لم يقرأوه مرة واحدة.

الانباء – ناصر زيدان

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.