انزلاق خطر في لبنان

بعد نحو سبعة أشهر على استقالة حكومة حسان دياب، ومنذ تكليف سعد الحريري بتشكيل الحكومة اللبنانية العتيدة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لا يزال لبنان يدفع ثمن الصراع السياسي في البلاد وسط فاجعة اقتصادية وانهيار مالي ومخاوف من انفجار مجتمعي، وربما الانزلاق نحو الفوضى، وحتى اندلاع حرب أهلية جديدة، ما لم يسارع السياسيون إلى التنازل عن بعض مصالحهم الخاصة.

ليس السجال الدائر بين فريقي رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، حول توزيع الحصص والأسماء في عملية «تأليف» الحكومة، والحديث عن تمسك عون بـ«الثلث المعطل» وإصرار الحريري على «حكومة اختصاصيين»، وحتى الخلاف القائم حول الصلاحيات الدستورية، سوى الشكل الظاهري للصراع الناجم عن فقدان الثقة والوصول إلى مرحلة استحالة التعايش بين الجانبين. ذلك أن 18 لقاء عقد بين عون والحريري كانت أكثر من كافية للاتفاق على الأسماء والحصص، وتذليل مثل هذه العقبات، لكن الأمر يبدو أبعد من ذلك، وقد يتعلق، في جانب منه، بما سمي «التسوية الرئاسية» التي أتت بعون رئيساً للجمهورية في عام 2016، وبالحريري رئيساً للحكومة على مدار عهدين، الأول عهد عون، والثاني عهد صهره جبران باسيل الذي تتم تهيئة الظروف له، بما في ذلك استغلال الأزمة الحالية، ليكون رئيس لبنان المقبل. والمشكلة أن «التسوية الرئاسية» انهارت منذ وقت طويل، وحل مكانها صراع بين باسيل والحريري، خصوصاً بعد إعادة تكليف الحريري إثر استقالته التي جاءت على خلفية حراك 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وبالتالي هناك من يرى أن باسيل يحاول متعمداً إفشال الحريري في عملية «التأليف» وصولاً الى تيئيسه ودفعه للاعتذار، وإفساح المجال أمام شخصية أخرى لتشكيل الحكومة، بهدف إزاحته من طريق طموحاته الخاصة بعد انهيار «التسوية الرئاسية»، وهو ما عبّر عنه الرئيس عون بوضوح في كلمة للبنانيين سبقت لقاءه ما قبل الأخير بالحريري، حين خيّره بين تشكيل فوري للحكومة، أو التنحي إذا لم يكن قادراً على ذلك.
وبطبيعة الحال، هناك استحالة لاعتذار الحريري، أو تراجعه عن التكليف، كما أعلن مراراً وتكراراً، بل إن الأمر بدأ يأخذ منحى آخر باعتباره لا يدافع عن مقام رئاسة الحكومة فقط، وإنما عن شرعيتها الميثاقية التي تتعرض للانتهاك، فالدستور لا يمنح رئيس الجمهورية حق تشكيل الحكومة، لكنه يمنحه حق إجراء بعض التعديلات عليها بالتشاور مع رئيس الحكومة المكلف. وبالمحصلة، تبددت الآمال بإمكانية تشكل الحكومة في المدى القريب، بل نقلت تقارير إعلامية عن مصادر وصفتها بالموثوقة، أن «تأليف الحكومة صفحة طُويت نهائيّاً، والوضع الحالي مرشّح لأن يستمر، ليس لأسابيع، بل ربّما إلى نهاية ولاية عون». ومن هنا تأتي خطورة الانزلاق الذي يذهب إليه لبنان، إذ لا حكومة ولا إصلاحات ولا مساعدات خارجية، من دون أن يعني ذلك انتفاء التدخلات الخارجية، وفي الداخل مخاطر انفجار اجتماعي وشيك قد يتطور إلى حرب أهلية في ظل التحشيد الطائفي، وسلسلة الأزمات الخانقة التي تعصف بالبلاد.

يونس السيد

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.