باريس حذّرت «الوقت يَنْفذ لمنْع انهياره».. لبنان المُصاب بـ «العمى» السياسي هل يقع في العتمة الشاملة؟

  • بيروت تطلب مساعدة أميركية لحجب مواقع سوق الدولار السوداء
    لم يكن ينقص بيروت المُصابة بـ «العمى» حيال آفاق الأزمة الحكومية، إلا أن تصارع شبحَ عتمةٍ شاملةٍ في طول البلاد وعرْضها بدأ عدُّها العكسي وقد تصبح «حقيقة سوداء» مطلع ابريل ما لم يتم توفيرُ تمويلٍ «انتقالي» لشراء الفيول، وهو «الكابوس» الذي يُخشى أن يكون الصاعقَ التفجيري الأقوى للغضبة الشعبية التي كانت على موعد في الأيام الماضية مع ما يشبه «التمرين» الذي طغى عليه قطْع الطرق والذي يحاول في الساعات المقبلة استعادة زمام المبادرة في الساحات استكمالاً لما كان بدأ مع انتفاضة 17 اكتوبر 2019.

ولم يكن عابراً أن يطلّ وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال ريمون غجر أمس بعد لقاء رئيس الجمهورية ميشال عون قارعاً ناقوس «الظلام المطبق» بحلول نهاية مارس «في حال عدم منح مؤسسة كهرباء لبنان مساهمة مالية لشراء الفيول، وما لذلك من عواقب كارثية لا سيما على القطاع الصحي والاستشفائي في ضوء أهمية تأمين الكهرباء بشكل دائم للمحافظة على جودة اللقاحات ضد كورنا، إضافة الى الأمن الغذائي كما قطاع الاتصالات والانترنت»، ومؤكداً «الحل بتحمُّل النواب مسؤوليتهم والتوقيع على قانون معجل مكرر لاعطاء»كهرباء لبنان«المساهمة المالية المطلوبة».

وتخشى أوساطٌ متابعة أن يدخل ملف الكهرباء، الذي يُعتبر بمثابة «الثقب الأسود» في مالية الدولة وعجزها، في الصراعات السياسية الداخلية التي تستعر على تخوم أزمة تشكيل الحكومة، وبينها «الجبهة» القديمة – الجديدة على خط عون ورئيس البرلمان نبيه بري الذي لم تتوانَ حتى بعض الدوائر عن «تحميل» اقتراح القانون المعجل مكرّر الذي قدّمه معاونه الأول النائب علي حسن خليل بمنْح دفعة غلاء معيشة لضباط وعناصر الجيش وسائر القوى والأجهزة الأمنية (مليون ليرة شهرياً ولمدة 6 أشهر) أبعاداً تتصل بمحاولة «زكزكة» فريق رئيس الجمهورية عبر تسليف نقاطٍ لقائد الجيش العماد جوزف عون تطلّ على الانتخابات الرئاسية المقبلة التي يُعتبر رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل (صهر عون) من أبرز الأسماء المطروحة فيها.

وفيما تتجه الأنظار اليوم إلى الجلسة العامة التي يعقدها البرلمان وهل سيُكتفى بجدول أعمالها المعلن وأبرز بنوده إقرار قرض البنك الدولي لدعم العائلات الأكثر فقراً بقيمة 246 مليون دولار، تمْضي السلطة اللبنانية في الهروب الى الأمام مستعيضة عن إفلات الأزمة الشاملة بالكامل من يديها بسياساتٍ «تنكُّرية» للأسباب الحقيقية للانهيار الكبير المالي – النقدي – الاقتصادي، والتي تتصل بفقدان لبنان «جدران الدعم» الخليجي – الدولي بفعل تموْضعه الاستراتيجي في المحور الإيراني. ومن هذه السياسات «مطاردة» تطبيقات الكترونية يتم عبرها تحديد سعر صرف الدولار في السوق الموازية، و«التحايل» على المواطنين بالخفض المتوالي لوزن ربطة الخبر خشية إعلان رفع سعرها.

ورغم سودية المشهد والتحذيرات من أن الوضع اللبناني بات أشبه بـ «طنجرة ضغط» قابلة للانفجار في أي لحظة، لم تَظْهر في الملف الحكومي أي إشاراتٍ تشي بإمكان تَوَقُّع إنهاء الأزمة المستمرة منذ 7 أشهر ونيف والتي لم يعد أحد يصدّق أنها عالقة عند حقيبة بالزائد أو الناقص وآلية تسمية مَن سيتولاها (الداخلية) وهل تكون لعون أو الرئيس المكلف سعد الحريري، وسط توقُّف أوساط سياسية عند مفارقة صيغة «الخمسة زائد واحد» التي باتت تُطلق في ما خص «المفاوضات» حول حصة رئيس الجمهورية، وكأنها بين «مجموعة الـ 5 +1» الدولية وإيران حول النووي، مع الاقتناع الراسخ بأن هذا العنوان الاقليمي – الدولي يتحكّم في شكل كبير بمآل المأزق الحكومي في لبنان.

وعلى وقع هذا الانسداد الداخلي، ازدادتْ مظاهر الإحاطة الدولية بالواقع اللبناني وهو ما عبّرت عنه مجموعة مواقف بارزة، بينها لـ «مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان» التي أبدت «قلقها إزاء التوترات المتزايدة في البلاد، بما في ذلك الاحتجاجات الأخيرة»، داعية «للحفاظ على سلمية التظاهرات بهدف حماية حقوق الإنسان، وتحقيق المحاسبة والعدالة عبر تحقيقات ذات صدقية وشفافة وسريعة في انفجار مرفأ بيروت ومقتل السيد لقمان سليم»، مكررة «دعوتها العاجلة لقادة لبنان لعدم تأخير تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات وقادرة على تلبية احتياجات البلاد الملحة وتطبيق الإصلاحات».

وفي الإطار نفسه حضر لبنان على هامش الاجتماع الرباعي الذي عُقد أمس في باريس بين وزراء خارجية مصر والأردن وفرنسا وألمانيا، لبحث دفع عملية السلام في الشرق الأوسط، حيث استعاد رئيس الديبلوماسية الفرنسية جان ايف لودريان لغة «تقريع» السياسيين اللبنانيين متهماً إياهم «جميعهم أياً كانوا بعدم تقديم المساعدة لبلدهم الذي يواجه مخاطر الانهيار في وقت يعاني لبنان أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة»، ومحذراً من «ان الوقت ينفد لمنْع انهيار لبنان، والأمر متروك للسلطات اللبنانية لتتولى مصيرها وهي تعلم أن المجتمع الدولي ينظر بقلق.. لا يزال هناك وقت للعمل اليوم، ولكن غداً سيفوت الأوان (…) لقد التزموا جميعاً بالعمل على تشكيل حكومة شاملة وبتنفيذ إصلاحات لا غنى عنها. كان ذلك قبل 7 أشهر ولا شيء يتحرك… أعتقد أن الوقت لم يفت بعد، لكن الوقت ضئيل جداً». وفي حين أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري دعم القاهرة للبنان​ في أزمته، آملاً أن «تتشكل الحكومة بأسرع وقت»، تستقطب الحركةُ المتزايدةُ لموسكو على خطّ الأزمة في «بلاد الأرز» اهتماماً متزايداً ولا سيما في ضوء ما رَشَحَ عن نتائج لقاء الحريري في أبو ظبي مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لجهة دعم المبادرة الفرنسية حول لبنان ومرتكزاتها وتكليف زعيم «تيار المستقبل» ورْفض حصول أي فريق على الثلث المعطّل في الحكومة.

وفي سياق هذا الحِراك يسود ترقب زيارة وفد كتلة نواب «حزب الله» برئاسة النائب محمد رعد لموسكو الاثنين حيث يعقد سلسلة لقاءات بينها مع لافروف، وسط إعطاء بعض الأوساط أهمية كبيرة لهذه الزيارة وإمكانات مساهمتها في التأثير على موقف فريق عون، في مقابل تأكيد دوائر على دراية بهذه الزيارة لـ «الراي» أنها محدَّدة منذ نحو شهر، لافتة إلى أنه ورغم كل الحِراك الروسي فإن تأثير موسكو في الواقع اللبناني يبقى محدوداً وأقرب إلى «العلاقات العامة» وأن طهران سبق أن أبلغتها عبر وزير خارجيتها محمد جواد ظريف أن الملف الحكومي شأنٌ داخلي لبناني.

ووفق هذه الدوائر فإن اجتماعات وفد «حزب الله» التي ستتطرق بطبيعة الحال إلى الملف الحكومي من ضمن سواه ستبقى محكومةً في خلاصاتها بموقف الحزب بأنه يدعو للإسراع بتأليف الحكومة وأن قيادته سبق أن رفعت الغطاء عن أي مطالبة بالثلث المعطل وأن التعقيدات الأخرى ليست عنده.

الراي – وسام أبو حرفوش وليندا عازار

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.