ماذا تريد إسرائيل من دعوة الرئيس اللبناني إلى مفاوضات مباشرة؟
البعض يرى أنها لإحراج عون في ظل توقع ألا تنجح الجولات في مقر الأمم المتحدة في الناقورة
كتبت دنيز رحمة فخري في انتبدندت عربية: في 2 ديسمبر (كانون الأول)، أي بعد حوالى عشرة أيام، تنعقد في مقر القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان في الناقورة، الجولة الخامسة من المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل في شأن حدودهما البحرية.
جديد هذه الجولة أنها تنعقد على وقع المواقف والاتهامات المتبادلة التي سبقتها، ما ينذر بأن الأمور لن تصل قريباً إلى خواتيم سعيدة.
حوار بين الرئاسة اللبنانية والوزارة الاسرائيلية؟
قبل أيام من موعد الجلسة الجديدة من المفاوضات، غرد وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس متهماً لبنان بأنه غيّر موقفه سبع مرات في شأن ترسيم الحدود، محاولاً توسيع المنطقة المتنازع عليها. اتهام سرعان ما ردت عليه دوائر القصر الجمهوري، وأصدرت بياناً اعتبرت فيه أن “كلام شتاينتس لا أساس له من الصحة”. وأكدت أن “موقف لبنان ثابت من موضوع الترسيم البحري للحدود الجنوبية وفقاً لتوجيهات الرئيس ميشال عون للوفد اللبناني المفاوض، لا سيما لجهة ممارسة لبنان حقه السيادي”، وهو ما عاد وذكّر به رئيس الجمهورية في ذكرى الاستقلال، معلناً أن “لبنان متمسك بحدوده السيادية كاملة، ويأمل باسترجاع حقوقه وتصحيح الخط الأزرق، وصولاً إلى الحدود البرية الثابتة”. وعلى الرد الرئاسي رد إسرائيلي خاطب خلاله الوزير الإسرائيلي الرئيس اللبناني بالمباشر، غامزاً من قناة الرغبة الإسرائيلية في جرّ لبنان إلى التفاوض المباشر بالقول، “التفاوض المباشر لو حصل بشكل علني أو سري في أي دولة أوروبية كان يمكن أن يحل الخلاف في شأن الحدود البحرية مرة واحدة وإلى الأبد”. وكتب شتاينتس مغرداً، “آسف، يبدو أن عون لا يعرف كل الحقائق في هذا الأمر، وذلك بسبب قيام الطرف اللبناني بتبديل مواقفه في شأن الحدود البحرية مرات عدة خلال الـ 15 عاماً الماضية”.
حقيقة الاتهامات الإسرائيلية
تنفي مصادر في الوفد اللبناني المفاوض المزاعم الإسرائيلية في شأن استمرار لبنان بتغيير موقفه، وتصف الكلام الإسرائيلي بأنه محض افتراء. وتوضح أن لبنان لم يسلم الأمم المتحدة إلا خطاً واحداً هو الخط (23)، وقد أرسل في السنوات الماضية إحداثيتين إلى الأمم المتحدة، لكن وفق الخط نفسه، أي الخط (23). أما الخط الثاني الذي حدد حديثاً فهو الذي عرضه الوفد اللبناني خلال المفاوضات الحالية، وذلك استناداً إلى دراسات أجراها قبل دخول المفاوضات، وهي مدعمة بالوثائق والخرائط التي تثبت وجهة النظر اللبنانية. والخط الجديد الذي عرضه الوفد اللبناني ينطلق من نقطة رأس الناقورة براً، وبخط ممتد بحراً، بحيث تصبح المساحة التي يطالب بها لبنان 1430 كيلومتراً مربعاً، إضافة إلى 860 كيلومتراً مربعاً المتنازع عليها سابقاً، وهو ما لم يرض به الوفد الإسرائيلي.
لبنان يدفع ثمن إخفاقات 2007 و2010
كثيرون في الجانب اللبناني، ومنهم من سبق وفاوض مع إسرائيل على الخط الأزرق، لا يتوقعون أن تصل المفاوضات البحرية إلى حل قريب. العميد المتقاعد اللواء عبدالرحمن شحيتلي الذي كان يترأس الوفد اللبناني المفاوض مع قبرص، يؤكد أن المفاوضات الحالية لن تصل إلى اتفاق نهائي طالما أصر الطرفان كل من وجهة نظره على نقطة انطلاق مختلفة عن الأخرى، بدلاً من البدء من الصفر وترك تحديد نقطة الانطلاق من المياه الإقليمية وصولاً إلى المنطقة الاقتصادية الخالصة للبحث خلال المفاوضات. بحسب المطلعين على ملف ترسيم الحدود البحرية منذ بداياته، فإن اتهامات الجانب الإسرائيلي للبنان، والكلام عن تغيير رأيه في ترسيم الحدود، يهدف إلى استغلال إسرائيل للخطأ الذي ارتكبه لبنان عامي 2007 و2010 خلال التفاوض مع قبرص، وذلك وصولاً إلى التوسع في منطقتهم، وضمّ مساحة هي أصلاً من ضمن المساحة التابعة للبنان. عام 2007 وخلال مفاوضات ثنائية مع قبرص لترسيم الحدود البحرية اتفق الجانبان على النقطة الرقم (1)، ثم في 2010 حددت نقطة جديدة من الرقم (23)، لا تختلف كثيراً عن النقطة المحددة عام 2007 وفق ما يؤكد العميد شحيتلي، لكن هاتين النقطتين هما ما تتذرع بهما إسرائيل للقول إن الجانب اللبناني غيّر رأيه في السنوات الـ 15 الماضية مرات عدة، علماً أن النقطتين قد حددتا خلال مفاوضات مع قبرص وليس مع إسرائيل، فما علاقة إسرائيل بها؟ يسأل شحيتلي.
في المقابل، يشرح المطلعون على الملف أنه في الحالتين، أي في النقطتين المحددتين عامي 2007 و2010، حصل إجحاف بحق لبنان، لافتقار الجانب اللبناني المفاوض مع قبرص حينها إلى الدراسات المعمقة للحدود. لكن منذ العام 2012، بدأت دراسات جديدة داخل المؤسسة العسكرية، تثبت أن للبنان حقاً في الحدود وزيادة، لكن المشكلة أن الجانب اللبناني لم يتابع المسألة لدى الأمم المتحدة، ولم يرفع الدراسات الجديدة إلى إدارة المؤسسة الدولية، وهو ما يدفع ثمنه البلد حالياً.
إما يقبلون بالخط الجديد أو لا تفاوض
إذن، تستأنف الجولة الخامسة بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي بوساطة أميركية، والمفاوضات عالقة وفق ما تكشف مصادر الوفد اللبناني عند الاختلاف على تحديد نقطة انطلاق الحدود، بين خط “هوف” الذي تصر إسرائيل على اعتماده والخط الجديد المحدد من جانب الوفد اللبناني. وفيما يصرّ الوفد الإسرائيلي على حصر النقاش بين الخط (23) والخط الإسرائيلي، يصرّ الوفد اللبناني على حصر النقاش بين الخط الجديد المحدد من جانب الوفد اللبناني وخط “هوف”.
اقرأ المزيد
مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل تدخل “مرحلة الجد”
إسرائيل ولبنان تاريخ من الاتفاقات بلا سلام
الغاز اللبناني فرصة لتعزيز السلام أم تأجيج النزاع؟
هل هذا يعني أن لبنان يفاوض من موقع ضعيف؟ بالطبع لا، تجيب المصادر المطلعة على المفاوضات، مؤكدة أن تعثر المفاوضات أو توقفها سيدفع لبنان إلى الذهاب إلى الأمم المتحدة لتثبيت الخط الجديد المحدد، مما سيعرقل أعمال إسرائيل التنقيبية في المنطقة المتنازع عليها، وبالتالي تطيير أحلامها في اقتصاد مزدهر، وبالرفاهية التي تمناها وزير الطاقة للشعبين اللبناني والإسرائيلي، كنيتجة أولية للاتفاق على ترسيم الحدود البحرية.
لن يقبل لبنان، وفق ما تؤكد مصادر الوفد المفاوض، بالتراجع عن النقطة التي حددها. وتقول المصادر، “سنصرّ على حصر التفاوض بين الخط الجديد وخط “هوف”، فإما ذلك وإما لا تفاوض”.
الدعوة الإسرائيلية العلنية للتفاوض هي لإحراج عون
وتوقف كثيرون عند الرسالة المبطنة التي وردت في تغريدة وزير الطاقة الإسرائيلي في رده على كلام الرئيس عون. صحيح أن شتاينتس استخدم صيغة التمني والماضي للحديث عن مفاوضات مباشرة مع لبنان، علنية كانت أم سرية في دولة أوروبية، لكن الرسالة كانت واضحة، لا سيما أنها تأتي بعد سلسلة من المفاوضات التي بدأت سرية وتحولت إلى علنية، وأفضت إلى اتفاقات سلام مع عدد من الدول العربية.
فهل تقصّد الوزير الإسرائيلي توجيه دعوة مباشرة إلى رئيس الجمهورية، لتحويل المفاوضات البحرية من تقنية إلى سياسية؟ العميد المتقاعد خليل الحلو يعتبر أن الدعوة العلنية من الوزير الإسرائيلي للمفاوضات ليست سوى بهدف إحراج رئيس الجمهورية، لأن الإسرائيليين يعرفون أن عون، وفق الحلو، “أسير حزب الله”، وبالتالي لا يمكنه أن يقوم بأي شيء إلا بموافقة الحزب. ويضيف العميد السابق في الجيش اللبناني أنه في لبنان غير مسموح لأحد أن يفاوض الإسرائيليين إلا “حزب الله”، والحزب سبق وفاوض الإسرائيليين مرات عدة بطرق غير مباشرة. المرة الأولى كانت في برلين، في فبراير (شباط) 2000، قبل الانسحاب الإسرائيلي من لبنان، حيث جرت مفاوضات بمشاركة وفد من “حزب الله” بحضور وفد أميركي وإسرائيلي، وتولى الألمان الوساطة.
وفاوض الحزب على الأسرى في السجون الإسرائيلية في مقابل إعادة رفاة إسرائيليين لدى الحزب. إطلاق هذه الدعوة هدفها إحراج رئيس الجمهورية، لا سيما أن رئيس التيار السياسي الذي ينتمي إليه عون، النائب جبران باسيل، أعلن مراراً عدم ممانعته في الاعتراف بإسرائيل كدولة يعيش معها لبنان على حدوده بسلام.
وبحسب العميد الحلو كلام وزير الطاقة عن المفاوضات مع لبنان، يمكن أن يكون أيضاً رسالة إسرائيلية إلى المجتمع الدولي، تريد إسرائيل أن تثبت من خلالها أن لبنان رهينة لدى إيران، وطهران لن تسمح له بتوقيع أي سلام. ويشبه العميد الحلو العلاقة مع إيران بوحدة المصير والمسار، كما كانت سابقاً مع نظام الأسد في سوريا. وأبعد من دعوة ملغومة إلى التفاوض السياسي، يشكك الحلو في إمكان أن تحل المفاوضات المباشرة مشكلة ترسيم الحدود التي تخضع أصلاً إلى قانون البحار، ويحتاج ذلك إلى خبراء متخصصين بهذا القانون، كما يحتاج في مرحلة ثالثة إلى تحكيم.
Comments are closed.