لبنان على حافة الانهيار والانفجار

حذر رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية حسان دياب الجمعة من أن أي خطوة لرفع دعم سلع أساسية في الوقت الحالي غير مقبولة وستؤدي إلى “انفجار اجتماعي”.

وقال دياب المقرب من حزب الله والذي استقال قبل شهرين بعد انفجار هائل دمر الكثير من مناطق بيروت وفاقم أزمة البلاد الاقتصادية في كلمة نقلها التلفزيون، إن ما جرى إنفاقه على استيراد الأدوية والمواد الغذائية والطحين والمحروقات، بلغ منذ بداية هذه السنة نحو أربعة مليارات دولار.

وتأتي تحذيرات رئيس حكومة تصريف الأعمال بينما هوت احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي بشدة دون ما كانت تعتبره الدولة بالفعل “مستويات خطيرة” عندما تخلفت عن سداد ديونها الضخمة في مارس/آذار، في دلالة على أنها لا تستطيع تحمل تكلفة الحفاظ على الدعم لفترة طويلة.

ولم يضع القادة الذي يقبضون منذ عقود على زمام السلطة في البلاد، خطة للإنقاذ المالي حتى الآن، بعد عام من احتجاجات ضخمة اجتاحت البلاد وفشلوا في تأمين المساعدات من المانحين الأجانب.

وتعثرت المحادثات مع صندوق النقد الدولي في وقت سابق من هذا العام عندما عجز مسؤولو الحكومة والمصرفيون والأحزاب السياسية عن الاتفاق على حجم الخسائر في النظام المالي ومن يجب أن يتحملها.

وبعد الانفجار الكبير في مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/آب الذي أودى بحياة ما يقرب من 200 شخص وأحدث أضرارا بمليارات الدولارات، تدخلت فرنسا القوة الاستعمارية السابقة.

الانهيار الاقتصادي قد يدفع الناس للاعتماد بشكل أكبر على الفصائل السياسية في الحصول على المساعدات والأمن في انعطاف إلى عصر الميليشيات إبان الحرب الأهلية

لكن الساسة الطائفيين المتنافسين لم يتمكنوا من تجاوز أول عقبة تقابلهم في خارطة الطريق الفرنسية للحصول على المساعدة المالية. وكانت تلك العقبة تشكيل حكومة جديدة بشكل سريع.

وترنحت عملة البلاد مع تعثر الجهود الفرنسية، بعد أن فقدت أكثر من 80 بالمئة من قيمتها أمام الدولار منذ الخريف الماضي.

وتسببت تعليقات المسؤولين التي تشير إلى وقف بعض الدعم خلال أشهر في عمليات شراء بدافع الذعر، لتطل أشباح نقص الغذاء وانهيار أشد مأساوية لقيمة العملة.

وأصبح كثيرون يستعدون للجوع والبرد مع اقتراب الشتاء في دولة يبلغ عدد سكانها ستة ملايين نسمة، يعيش أكثر من 55 بالمئة منهم تحت خط الفقر.

وقال ناصر سعيدي نائب حاكم مصرف لبنان (البنك المركزي) السابق، إن كل ما حدث منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي كان من الممكن تفاديه، مضيفا أن توجيه المساعدات إلى اللبنانيين الأشد فقرا هو إجراء أكثر فعالية من الدعم الشامل الذي استفاد منه المهربون الذين ينقلون البضائع إلى سوريا.

وأوضح أن الأمر يتعلق بإرجاء التعامل مع المشكلة وأن ما كان ينبغي عمله يتمثل في خطة اقتصادية ومالية شاملة.

وقال مستوردو السلع الأساسية إنه لم يتم إعطاؤهم جدولا زمنيا يوضح إلى متى يمكن أن يستمر الدعم.

وقال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إن المصرف لا يمكنه تمويل التجارة إلى أجل غير مسمى، إلا أنه لم يحدد إطارا زمنيا. وقال الرئيس ميشال عون في الآونة الأخيرة في إشارة لاحتياطيات البلاد إن المال سينفد، “ماذا نقول؟”.

صيدليات لبنان تشكون من تراجع من نقص في إمدادات الأنسولين وأدوية ضغط الدم
وقال مصدر مسؤول مقرب من الحكومة إن الأموال المتبقية للدعم ستستمر لستة أشهر أخرى عبر قطع الدعم عن بعض السلع.

وتتراشق الدولة التي يصفها المعارضون بأنها غارقة في الفساد، والقطاع المصرفي المشلول وهو أكبر دائنيها، بسهام النقد في معركة المسؤولية عن الأزمة.

وبعد شهرين من انفجار مرفأ بيروت، يتوقع اللبنانيون حياة أشد قسوة، فيما تعتمد الكثير من العائلات الآن على المؤسسات الخيرية. وقد يدفع الانهيار الاقتصادي الناس للاعتماد بشكل أكبر على الفصائل السياسية في الحصول على المساعدات والأمن، في انعطاف إلى عصر الميليشيات إبان الحرب الأهلية.

وكان بعض المحللين قد حذروا من أن قوات الأمن التي تتراجع قيمة رواتبها بسرعة لن تكون قادرة على احتواء الاضطرابات المتزايدة.

وعلى الجبهة الأخرى يزداد القلق والخوف حيث تتحمل المستشفيات ما يفوق طاقتها تحت وطأة الزيادة في حالات كوفيد-19. وأظلمت شوارع المدينة بفعل نقص الوقود. ووقفت السيارات في طوابير أمام المحطات للحصول على حصتها.

وقالت سهام عيتاني الصيدلانية التي تشعر بالخوف من ارتفاع الأسعار والتعرض للسرقة “نحن خائفون من ألا نتمكن من الاستمرار”، مضيفة أن إمدادات الأنسولين وأدوية ضغط الدم تراجعت بالفعل.

بعض المحللين يحذرون من أن قوات الأمن التي تتراجع قيمة رواتبها بسرعة لن تكون قادرة على احتواء الاضطرابات المتزايدة
وفي مشهد آخر يختزل مأساة تتشكل في لبنان وتنذر ببروز ظاهرة خطيرة، قالت صيدلانية أخرى إن رجلا كان يخفي وجهه وراء قناع احتجزها تحت تهديد السلاح وطلب منها طعاما لطفل رضيع.

وقام مصطفى المهلهل الذي يبلغ من العمر 62 عاما ويعاني من السكري، بتخزين أربع قوارير من الأنسولين في ثلاجته، لكنها فسدت بفعل انقطاع التيار الكهربائي. وقال “لو ارتفع السعر، كيف سأدفع ثمنها؟.. سيموت الناس في الشوارع”.

ويبتلع خزان الوقود في سيارة أجرة يملكها اللبناني فؤاد خماسي حوالي 40 ألف ليرة كل يوم، لكن هذا الرقم قد يتضاعف لأربعة أمثاله على الأقل إذا توقف الدعم.

ولا يستطيع سائق سيارة الأجرة، البالغ من العمر 53 عاما سوى شراء الوقود لسيارته والطعام لأطفاله وأصبح يعيش في غلالة من القلق، تحاصره المخاوف من أن تقفز أسعار الغذاء والواردات الأساسية المدعومة كالقمح والوقود والدواء وتناطح السحاب.

وقال خماسي “هذه أصعب أيام حياتي.. في بعض الأيام، تضع يدك في جيبك فلا تجد شيئا… أغادر المنزل وليس بوسعي سوى الدعاء”.

وفي غضون ذلك، تزداد الفجوة اتساعا بين الفقراء والأثرياء رغم أنها بالفعل تقف بين أكبر نظيراتها في المنطقة. وفي بلد ينتج القليل ويعتمد بشكل كبير على الواردات، تضاعفت أسعار الكثير من المواد الاستهلاكية حتى حفاظات الأطفال التي زاد سعرها لثلاثة أمثالها.

وفي بيروت يبحث رجال ونساء بعضهم برفقة أطفال صغار، عن الطعام في حاويات القمامة قرب مفترقات الطرق في مشهد يمكن أن يتكرر كثيرا.

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.