وزارة المال لـ«الشيعة».. وتبقى آلية التسمية.. انطلاقة جديدة لعملية التأليف.. ومن بعبدا

استمع
الإستماع مع ويبريدر

Focus
انتهت أمس المهلة الفرنسية التي حُددت لتشكيل حكومة جديدة برئاسة مصطفى أديب. حكومة مصغرة من اختصاصيين غير حزبيين. وعشية انتهاء المهلة، قصد الرئيس المكلف قصر بعبدا خالي الوفاض ومن «دون مغلف» في يده بشأن الحكومة الجديدة، أسماء وحقائب، مع أن التشكيلة كانت جاهزة لديه، ولم يكن ينقصها إلا توقيع رئيس الجمهورية. ولكن هناك من همس في أذن أديب بألا يقدم حكومة الـ 14 وزيرا وأن يتريث، لأنها بمنزلة حكومة أمر واقع، وستكون مرفوضة من «الثنائي الشيعي» إذا لم تقف عند مطلبهم بوزارة المالية، ولن يبادر الرئيس ميشال عون الى توقيعها والموافقة عليها، ليس فقط لأن حليفه حزب الله رافض لها، ولكن أيضا لأنه لم يكن شريكا في صنعها وتأليفها، وبعدما كان عون في كل حكومات العهد يسمي أكثرية الوزراء المسيحيين لم تتح له فرصة تسمية أي من الوزراء المسيحيين في هذه الحكومة، ولم يكن راضيا عن الطريقة التي يشكل بها أديب الحكومة بتجاهله للواقع السياسي وللكتل التي سمته ولنتائج الانتخابات النيابية، والانكفاء على نفسه وعدم مبادرته الى الاتصال بأي من رؤساء الكتل والأحزاب التي، وإن أعلنت استعدادها لعدم المشاركة، لا يمكن تجاوز دورها في تشكيل الحكومات التي لا تشكل من دون تفاهم معها.

أيقن الرئيس عون أن الطريقة التي يدير بها الرئيس المكلف عملية التأليف لا توصل الى نتيجة، وعلى الأرجح توصل الى أزمة مع حكومة أمر واقع لا يمكن أن تشكل من دون المكون الشيعي، وإذا شكلت فاقدة للميثاقية فلا يمكن أن تحكم. وحتى لا يصبح عون بين خياري «السيئ والأسوأ»: عدم التوقيع والاصطدام بالمبادرة الفرنسية، أو التوقيع والاصطدام بالطائفة الشيعية، قرر رئيس الجمهورية الالتفاف على المأزق الحكومي وأن يتولى بنفسه القيام بجولة استشارات نيابية جديدة. وهذه «سابقة» لم تحصل في أن يتولى رئيس الجمهورية «استشارات التأليف» المنوطة دستوريا بالرئيس المكلف. وهذه الاستشارات النيابية، وهي غير المشاورات السياسية، اضطر إليها عون من أجل انطلاقة متجددة لعملية التأليف بعدما وجد أن المهلة الفرنسية انتهت الى اللاشيء وعادت الأمور الى نقطة البداية. وهذا التوجه قوبل بتفهم لدى الكتل، بمن فيهم كتلة المستقبل التي أوفدت ممثلا عنها هو النائب سمير الجسر للإجابة على ثلاثة أسئلة طرحها عون على رؤساء وممثلي الكتل في بعبدا، وتمحورت حول رأيهم في المداورة وفي الحقائب وعدد الوزراء، طارحا عليهم صيغة الـ 14 وزيرا، والسؤال الثالث عن موافقتهم أن يسمي رئيس الحكومة عنهم الوزراء المحسوبين عليهم سياسيا وجاءت الإجابات في اليوم الأول للاستشارات لمصلحة رفض المداورة والتمسك بحق تسمية الوزراء وتفضيل حكومة موسعة تكون فيها لكل وزير حقيبة.

والنتيجة أن هذه الاستشارات جاءت لتعزز موقف الطرف الشيعي المتماسك والمتمسك بوزارة المال. فلم يعد هذا موقف الرئيس بري لوحده بعدما تلقى الدعم الكامل من حزب الله. فالرئيس بري بدا وكأنه يخوض آخر معاركه السياسية التي بدت أقرب الى معركة حياة أو موت، وليس واردا لديه أن ينهي حياته السياسية بخسارة أو هزيمة بعد العقوبات الأميركية التي طالته شخصيا ومع الحكومة التي يراد لها أن تكون خارج إرادته من خلال إقصائه عن وزارة المال التي باتت عنوان المعركة وتختصرها.

نجح بري في استقطاب حزب الله الى معركته.. الحزب يعطي أولوية مطلقة لوحدة الصف الشيعي ولا يريد أي انقسام أو شرخ داخل الطائفة، وما حصل أن بري نجح في تصوير المعركة بأنها «معركة الشيعة» وليست معركته فقط، وبأن هناك عملية حصار وتضييق تمتد من فرض العقوبات الى الإقصاء الحكومي وتصل في النتيجة الى كسر التوازنات والمسّ بمكاسب ومصالح راكمها الشيعة في مرحلة ما بعد «الطائف». إذا كان بري ليس في وارد إنهاء حياته بانتكاسة وخسارة، فإن حزب الله ليس في وارد أن يتنازل لمصلحة المبادرة الفرنسية ما لم يتنازل عنه تحت وطأة العقوبات الأميركية. ولذلك، فإنه بقدر ما يدعو الحزب الرئيس المكلف الى تغيير طريقة إدارته للملف الحكومي، يدعو الفرنسيين الى مقاربة واقعية للوضع في لبنان إذا كانوا يريدون لمبادرتهم أن تنجح وأن تفتح لهم باب الدخول الى المنطقة انطلاقا من لبنان.

في النتيجة، وصلت عملية تأليف الحكومة الى نقطة «التعثر» الذي يضع الكرة في الملعب الفرنسي وما إذا كان ماكرون يوافق على تمديد تقني للمهلة ولأيام معدودة، أم أنه بدأ البحث عن الخيارات البديلة. التعثر الحاصل تقف وراءه أسباب عدة منها مبالغة الطرف السني في البناء على المبادرة الفرنسية المنسقة أميركيا لإحداث تغيير في الوضع الداخلي، بدءا من طريقة تشكيل الحكومة وتوازناتها، وحالة الإرباك والتوتر التي يعيشها الطرف الشيعي من جراء تضافر عوامل التضييق والاستهداف في لبنان والمنطقة، وعدم إلمام الطرف الفرنسي بالتفاصيل وقواعد اللعبة اللبنانية. والنتيجة لكل ذلك أن الحكومة الجديدة التي طرحت مخرجا للأزمة باتت تبحث عن مخرج لأزمتها. وبما أن الفشل الفرنسي ممنوع والتراجع الشيعي غير متوقع، فإن البحث جار عن حل لعقدة وزارة المالية بأن تبقى في عهدة وزير شيعي، وتبقى آلية تسميته إما من خلال لائحة أسماء يقترحها الثنائي الشيعي ويختار منها الفرنسيون، أو لائحة أسماء يقترحها الفرنسيون ويختار منها الثنائي الشيعي. فإذا لم يسم بري وحزب الله اسم وزير المال الشيعي، لديهما بالتأكيد حق الاعتراض و«الفيتو».

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.