«لبنان الكبير» والعبور إلى مئوية جديدة بـ «لمسة فرنسية»

صمد الميثاق الوطني اللبناني غير المكتوب 47 عاما بين 1943 تاريخ استقلال لبنان و1990 تاريخ نهاية الحرب الأهلية، والبدء بتنفيذ اتفاق الطائف الذي وقعه النواب اللبنانيون في 22 أكتوبر 1989 في السعودية.

عاش اتفاق الطائف، ولو بتنفيذ مجتزأ 18 سنة، واحتاج الى جرعة إنعاش من العاصمة القطرية الدوحة في 21 مايو 2008، وبدأ تنفيذ ما عرف بـ «اتفاق الدوحة» في 25 منه بانتخاب العماد ميشال سلميان رئيسا للجمهورية بعد شغور مركز الرئاسة منذ سبتمبر 2007.

12 سنة مد فيها اتفاق الدوحة عمر النظام اللبناني، الى ان حط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في بيروت للمرة الثانية في أقل من شهر، في ذكرى مئوية لبنان الكبير، معلنا عن ورقة فرنسية لوقف حالة الانهيار الاقتصادي غير المسبوقة في تاريخ البلاد، ولتحريك الركود في أزمة سياسية تلت اندلاع احتجاجات 17 أكتوبر 2019 غير المسبوقة أيضا في تاريخ وطن الأرز.

أزمة سياسية أطاحت بما ارتكز عليه اتفاق الدوحة من حكومات الوحدة الوطنية، على رغم خرقها مرة أولى بحكومة ترأسها نجيب ميقاتي، في ولايته الثانية في السرايا الحكومي، بعد تجربة أولى «انتقالية في 2005»، تلت خروج الجيش السوري نهائيا من لبنان، وقيام اللبنانيين باختيار رئيس حكومتهم للمرة الأولى منذ زمن.

«عقد سياسي جديد»، عبارة كررها الرئيس الفرنسي، وبدا انه يعمل عليها بالتنسيق مع أطراف الداخل، ولاسيما القوة الرئيسية الجديدة الغائبة عن ميثاق 1943 والطائف، عنينا الثنائي الشيعي، المتمثل بحركة أمل وحزب الله.

حكاية الموزاييك اللبناني تتكرر، لكنها تنحصر بـ «بلاد الأرز»، وها هو الترياق الفرنسي يمهد لحقبة جديدة من عمر الجمهورية اللبنانية بحدودها الجغرافية الحالية، بعدما سبق للجنرال غورو اعلان «دولة لبنان الكبير» من على درج «قصر الصنوبر» في العاصمة بيروت، الذي تحول مقرا فرنسيا شهيرا في هذه البقعة من الشرق الأوسط على ضفة المتوسط.

لافتة كانت مقدمة أخبار شبكة المؤسسة اللبنانية للإرسال مساء الأول من سبتمبر، بعرض المقاربة الفرنسية للبنان في نسختها الثالثة، بالإشارة الى قول الرئيس ماكرون انه يغامر بمستقبله السياسي في سبيل إيجاد حل في لبنان.

«مستقبل سياسي» تلا عبارة «شرف فرنسا» التي أطلقها الرئيس الراحل فرنسوا ميتران بعد ظهر يوم السبت 13 أكتوبر 1990، بعد ساعات على إطاحة العماد ميشال عون من قصر بعبدا إثر عملية عسكرية سورية.

قبلها كان إعلان لبنان الكبير، وبين هذه المحطات الثلاث، محطات ثلاث موازية لا تقل أهمية توزعت بين المثياق ووثيقة الوفاق الوطني في الطائف ثم اتفاق الدوحة.

لم يعرف لبنان استقرارا بين هذه المحطات، اذ توالت الحوادث من إسقاط «رئيس الاستقلال» الممددة ولايته بشارة الخوري في الشارع، الى احداث 1958 التي أسفرت حكومة انتقالية برئاسة قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب في نهاية عهد الرئيس كميل شمعون، ثم انتخاب شهاب نفسه رئيسا، فاتحا لاستقرار اهتز في نهاية عهد خلفه شارل حلو، فكان اتفاق القاهرة الشهير في 3 نوفمبر 1969 مع منظمة التحرير الفلسطينية والدولة اللبنانية، الذي أطلق حرية الكفاح المسلح الفلسطيني من الأراض اللبناني، وكرس ما عرف بـ «فتح لاند». هذا الاتفاق شكل العد التنازلي للحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت شرارتها الرسمية في 13 أبريل 1975.

تتبدل الظروف في لبنان ولا يتعلم القيمون على إدارة شؤون البلاد لجهة عقد تسويات داخلية، فينتظرون على الدوام تدخلا مفصليا خارجيا للسير على طريق السلام.

العقد الجديد الذي تحدث عنه ماكرون، لم يتلاءم مع ما كان يعول عليه البعض لتغليب فريق على آخر. بالعكس، أتى وفق شعار اعتاده اللبنانيون: «لا غالب ولا مغلوب».

شدد الرئيس الفرنسي على اتخاذ إجراءات سريعة لوقف الانهيار الاقتصادي الداخلي، الذي سيأخذ في دربه البلاد. طالب بإصلاحات وحدد مكامن الخلل في تأمين الكهرباء ووقف الهدر للمال العام، ووضع الإصبع على الجرح الأكثر نزفا، لجهة القيام بإصلاحات سريعة في أداء المصرف المركزي.

التزم الجميع ولم يعترض أحد، ولو ان السواد الأعظم من اللبنانيين ينتظرون التنفيذ الكامل، في بلد اشتهر ايضا «في ان المشكلات فيه تؤجل ولا تحل».

اللبنانيون يريدون تصديق ماكرون بالصحو على ولادة جديدة لوطنهم، والرئيس الفرنسي دغدغ مشاعرهم بلقاء «سفيرة لبنان الى النجوم» السيدة فيروز في بداية زيارته الثانية، لإمدادهم بجرعة أمل.

في الانتظار، تتسارع وتيرة تأليف حكومة الرئيس المكلف مصطفى أديب بمحركات فرنسية. وأطلق اللبنانيون عبر وسائل التواصل الاجتماعي دعابات ذات مغزى، منها «ان رئيس البلد (فرنسا) حيث تتخذ شركة بيجو مقرها يؤلف الحكومة»، في إشارة الى تأليف سابق للحكومات بإشراف مباشر وحصري سوري، عرف بـ «حكومات البيجو» أي السيارات التي كانت تعتمدها المخابرات السورية. والأخيرة المعروفة في لبنان بـ «جهاز الأمن والاستطلاع» الذي اشتهر في الإشراف عليه كل من الضابطين الراحلين غازي كنعان ورستم غزالة.

حكومة لبنانية بـ«لمسة فرنسية»، وإصرار من ماكرون على عقد سياسي جديد يثبت من خلاله الاستقرار في البلد الذي عرف حدوده الحالية بإعلان الجنرال غورو منذ 100 سنة.

100 عام لم يكن فيها لبنان في عزلة عن المشكلات والأزمات والحروب.

مئوية أولى صاخبة.. فماذا عن بداية الثانية؟

الانباء ـ ناجي شربل

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.