“التلغراف”: بهاء الحريري يقوم بحملة لإجراء إصلاحات على أسس غير طائفية وهذا يُبعد حزب الله وأمراء الحرب عن السلطة

كتب رئيس تحرير الشؤون الخارجية والدفاع في”التلغراف” البريطانية كون كوفلين، سيتطلب الأمر أكثر بكثير من الاستقالة الجماعية للحكومة اللبنانية لإصلاح الضرر الذي ألحقته عقود من الحكم الخاطئ في هذا البلد. والأمل الحقيقي الوحيد للبنان يتوقف على ما إذا كان من الممكن وضع حد للتأثير الخبيث الذي تمارسه إيران على البلد.
في حين أنّ التفاصيل الدقيقة لما تسبب في الانفجار الهائل الذي وقع في الأسبوع الماضي في ميناء بيروت، والذي قتل فيه أكثر من 200 شخص وجرح آلاف آخرين، لا تزال قيد التحقيق، فإنّ معظم اللبنانيين لا يساورهم أدنى شك في أن المسؤولية النهائية تقع على عاتق حزب الله، وهو المنظمة الإرهابية التي تتخذ من لبنان مقراً لها والتي تمولها وتقوم بتجهيزها طهران.

وقد تعرفت لأول مرة على حزب الله في شباط 1984 عندما كنت أغطي الحرب الأهلية اللبنانية لصحيفة التلغراف. وقد ظهر مقاتلو حزب الله في شوارع بيروت المشوهة وحملوا لافتات آية الله روح الله الخميني، زعيم الثورة الإسلامية الإيرانية، مدعين أنهم يمثلون مصالح الغالبية الشيعية للمسلمين في لبنان. في ذلك الوقت، كان ردهم على تغطيتي الحرجة لأنشطتهم، هو إضافة اسمي إلى قائمة الاختطاف الخاصة بهم.

ومنذ ذلك الحين، وسع الفريق سيطرته تدريجياً على لبنان، إلى درجة أنه يمارس اليوم سيطرة فعلية على النظام السياسي للبلد بأسره.

إنّ حكومة لبنان المنتخبة ديمقراطياً، والتي قادها في أحدث مظاهرها التكنوقراط حسان دياب، قد تدعي أنها تدير البلد، ولكن جميع القرارات الرئيسية كانت تتخذ وفقاً لرغبة طهران.

إنّ التأثير غير المرحب به الذي تمارسه إيران على الشؤون الداخلية للبنان يعود إلى التسوية السياسية التي تم التوصل إليها بين الرئيس ميشال عون، الزعيم المسيحي للبلاد، وحزب الله في عام 2006. وبموجب ما يسمى “مذكرة التفاهم”، وافق حزب الله على الاعتراف بحقوق الأقليات المسيحية في لبنان-وهو أحد الأسباب الرئيسية للحرب الأهلية – مقابل إضفاء الشرعية على موقفه.

في الواقع، لم يكن الاتفاق أكثر من مجرد اعتراف متأخر بهيمنة حزب الله على شؤون لبنان، إلى حد أنه بينما يدعي الوزراء اليوم أنهم مسؤولون عن إدارة البلد، فإن حزب الله يتخذ جميع القرارات الرئيسية. لذلك، عندما أعرب المسؤولون اللبنانيون لأول مرة عن قلقهم مع الوزراء بشأن المخزون الهائل من نترات الأمونيوم الذي يجري تخزينه في ميناء بيروت، تم رفض مخاوفهم بناء على أوامر من قيادة حزب الله.

إنّ السبب الأساسي الذي يجعل حزب الله يعتقد أنه قد يكون من المفيد تخزين 750 2 طناً من نترات الأمونيوم، وهي مادة يمكن استخدامها كأسمدة أو متفجرات محلية الصنع، قريبة جداً من المنطقة السكانية الرئيسية في البلد، لم يفسر بعد. ولكن تلك هي السيطرة التي يمارسها حزب الله ومدبروه الإيرانيون على لبنان حيث لا أحد في السلطة مستعدّ لتحدي رغبة هذه المنظمة.

كان آخر سياسي لبناني بارز يتمتع بالشجاعة لتحدي حزب الله هو رفيق الحريري، رئيس وزراء البلد المسلم السني، الذي قتل بقنبلة انتحارية ضخمة في عام 2005. وخلص تحقيق قادته الأمم المتحدة في عام 2011 إلى أن أربعة إرهابيين من حزب الله كانوا مسؤولين عن الاغتيال.
إنّ إصرار حزب الله، إلى جانب داعميه الإيرانيين، على معاملة لبنان كدولة “زبونة” يعني أن له، في الواقع، سيطرة لا جدال فيها على مساحات شاسعة من البلاد. فعلى مدى العقد الماضي أو نحو ذلك، شملت هذه السيطرة، الميناء الرئيسي في بيروت، الذي يعتبره حزب الله خياراً أكثر أماناً لتهريب الأسلحة إلى قواعده الإرهابية في جنوب لبنان من الطريق التقليدي، من خيار سوريا عبر سهل البقاع، الذي يتعرض لهجوم الطائرات الحربية الإسرائيلية.

وعندما اشتكى السياسيون اللبنانيون، كما فعل السيد دياب في خطاب استقالته هذا الأسبوع، من الفساد المتوطن في البلد، كانوا يشيرون بالفعل إلى عجز مؤسسات البلد عن العمل بسبب سيطرة حزب الله الشاملة.

إذاً، فإن التحدي الذي يواجه لبنان هو ما إذا كان بإمكانه، في أعقاب انفجار الأسبوع الماضي، أن ينهي قبضة حزب الله الخانقة على البلاد.

ولا تزال هناك أصوات قوية في لبنان تعارض مشاركة حزب الله في شؤون البلد. ومن أهمها بهاء الحريري ابن رئيس الوزراء الذي قتل، وهو زعيم مسلم سني محترم، يقوم بحملة لإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية كبرى على أسس غير طائفية، الأمر الذي يؤدي إلى استبعاد حزب الله وأمراء حرب لبنانيين آخرين عن السلطة.
وعلاوة على ذلك، فإنّ أي تحقيق جدي في الانفجار سيكشف عن مدى سيطرة حزب الله على جميع الأنشطة المحيطة بالميناء، بدءاً بتهريب الأسلحة وانتهاءً بتخزين مواد شديدة الانفجار.

ومن المرجح أن يخضع الحزب لمزيد من الاتهامات في الأسبوع المقبل عندما يعلن فريق خاص تابع للأمم المتحدة في هولندا عن محاكمة المشتبه فيهم الأربعة لحزب الله الذين وردت أسماؤهم في مقتل الحريري، ومن المؤكد أن صدور حكم بالإدانة في المحاكمة غيابياً سيسبب ضرراً أكبر لسمعة المنظمة التي تمّ تهشيمها في لبنان.

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.